تسلحت بالدعاء ليخرجني من التعسر، فماذا بعد؟

0 177

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة عمري 27 سنة، منذ حوالي 6 سنوات تم تهجيري من بلدي سوريا وسافرت لأعيش ببلد أجنبي مع أمي وأبي، توفي والدي بعد 4 أشهر من سفرنا، وبقيت بمفردي مع أمي، ومنذ تقريبا 10 سنوات والتعسر يلازمني بكل تفاصيل حياتي، أشعر بالإنهاك التام من هذا الأمر الذي استنفذ كل قوتي، أشعر أني بحاجة لرجل يقف بجانبي ويكون عونا لي ويحميني، وأدعو الله كثيرا حتى أصبح عندي هوس بالدعاء، لدرجة أشعر بنفسي أنني أدعو الله بالزواج وأنا نائمة، لأني فتاة ولا أرى نفسي قوية الشخصية، وأعيش ببلد أجنبي بمفردي، تعرضت للكثير من الاستغلال، تعرضت لتحرشات جنسية، كلما تقدمت لعمل أتعرض للكثير من الاستغلال، وأحيانا تحرشات وأحيانا لسرقة حقي وأموالي، الأمر الذي جعلني لا أكمل بعمل أكثر من شهرين، تعرضت لملاحقات ومضايقات وسخرية وشماتة من قبل الأقرباء والأصدقاء بسبب ما أمر به الآن.

لا أستطيع مواجهة الحياة بمفردي، والخوف ينهش قلبي، أرسلت حالتي النفسية لكم من قبل وتم تشخيصها برهاب الساحة.

قمت بالتسجيل في 4 جامعات ولم أوفق بالتخرج على الإطلاق، أول جامعة تركتها وأنا على وشك التخرج، والثانية بعد دراسة سنة، والثالثة بعد سنة، والآن أحاول في الجامعة الرابعة وليس عندي أمل بالتخرج.

تقدم الكثير لخطبتي، لكن الأمر لا يتم إطلاقا وبدون سبب يذكر، فقط بسبب عدم التيسير، أخذت بالأسباب وداومت على قراءة سورة البقرة يوميا مع الرقية الشرعية قرأتها على ماء، ومداومة عليها منذ 5 سنوات مع الاستغفار والدعاء، ويوميا أصلي في الليل وأشكو لله كل همومي وأبكي.

الآن وصلت لمرحلة التعب التام، وفقدان الأمل، ولم أعد أتخيل المستقبل والعائلة والأطفال والشهادة والعمل، أصبحت أخاف حتى أن أحلم، وأفكر ما هو الذنب الذي اقترفته حتى أعاقب هذا العقاب القاسي.

أعلم أن الدعاء كله خير، ولست معترضة على شيء، ولم أتوقف عن الدعاء، ولم أقل دعوت ودعوت ولم يستجب لي، وأعلم أن الله إذا أحب عبدا ابتلاه، وأعلم أن جزاء الصبر كبير عند الله، أعلم كل الأمور، ومؤمنة وراضية بها، وأعلم أن ليس هناك أي حل سحري أو إنسان قادر على أن يخرجني من همي سوى الله.

قرأت الكثير عن حالات لفتيات مثل حالتي هنا في الموقع الذي لفت انتباهي، جميع القصص التي قرأتها كانت لفتيات الله وفقهن بشيء ما، مثل أن معظمهن درسن وتخرجن ويعملن، ومنهن مقيمات في بلدانهن آمنين مع أهلهن وعائلاتهن، أنا أتمنى لو كنت أملك شيئا واحدا فقط، العمل أو الدراسة أو الزواج حتى بدون أن أرزق بأطفال، كنت أتمنى أن أحظى بفرحة واحدة منهن، وليس عندي طمع أن أحظى بكل الأمور.

لا أشكو لأحد، ولا أحد يعلم كمية الألم التي بداخلي حتى أقرب المقربين مني، فأنا لا أحب أن يراني أحد ضعيفة يائسة ومنكسرة، ولكن تعبت من التمثيل أمام الجميع، تعبت من التمثيل أني عديمة الإحساس، ولا مبالية بكل ما حصل لي، ولهذا السبب أرسلت رسالتي هذه للموقع لأني لم أجد مكانا أفضل من هنا لكي أتحدث عن ألمي، وأحظى بنصيحة تريح قلبي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ sema حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول:
ما يمر به الإنسان من البلاء يسير وفق قضاء الله وقدره يقول تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر)، وقال عليه الصلاة والسلام: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء) ولما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) وقال عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس) والكيس الفطنة.

الجزاء يكون على قدر البلاء فإن عظم البلاء عظم الجزاء، والابتلاء عنوان محبة الله للعبد يقول عليه الصلاة والسلام: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله عز وجل إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط) فعليك أن ترضي بقضاء الله وقدره وحذار أن تتسخطي وإلا فالجزاء من جنس العمل.

البلاء ينزل بالإنسان على قدر إيمانه، يقول عليه الصلاة والسلام: قد يكون وراء هذه المحنة منحة عظيمة فهذه الحياة كلها ابتلاء كما قال تعالى: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة ۖ وإلينا ترجعون) وحين سأل سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء؟ قال: (الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة).
الحياة السعيدة تستجلب بالإيمان والعمل الصالح قال تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).

المؤمن يتقلب بين أجري الصبر والشكر كما قال عليه الصلاة والسلام: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك إلا للمؤمن).

لا تنظري للحياة من منظور واحد ولا من جهة واحدة، بل انظري لها من عدة زوايا، فإذا فعلت ذلك علمت أنك لا تزالين تتقلبين في نعم الله تعالى ويكفي أنك ثابتة على دين الله.

انظري إلى من هم دونك وأكثر بلاء فذلك جدير أن يوقفك على عظيم نعم الله عليك يقول عليه الصلاة والسلام: (انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله).

كوني قوية وصبورة واستجمعي قواك للخروج من هذه المحن مستعينة بالله تعالى، ولا تستسلمي للواقع ولا تقفي مكتوفة الأيدي، بل غيري من أساليبك في التعامل مع الحياة بما لا يخالف قواعد دينك وأخلاقك، فالعمل بالأسباب هو بداية الطريق، والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضة.

رأيت أن عندك ترددا واضطرابا في الدراسة فانتقالك من جامعة إلى أخرى أمر غير حسن، خاصة وأن في الجامعة الأولى ذكرت أنك خرجت منها وكنت على وشك التخرج، والذي أراه أنك تعودين لنفس تلك الجامعة لإكمال التخرج ولا داعي للبدء من جديد؛ لأن في ذلك هدرا للوقت، هذا إن كان ذلك متأتيا كما في بعض الجامعات خاصة وأنك محتفظة بدرجات تلك السنوات.

أي أنثى مهما كان نجاحها تشعر بالضعف ما لم تكن عائشة مع زوج يحميها فهذا أمر فطري وجبلي لدى كل أنثى وفي أي عالم، فشعورك بهذه الحاجة أمر طبيعي ولا بأس من أن تلحي بالدعاء أن يرزقك الله الزوج الصالح الذي يسعدك في هذه الحياة وسيأتي -بإذن الله- رزقك؛ لأن الزواج لا يستطيع أحد أن يتحكم به لا الذكر ولا الأنثى لأنه يسير وفق تقدير الله.

استغلي الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء وخاصة بين الأذان والإقامة، وفي حال السجود والثلث الأخير من الليل ويوم الأربعاء ما بين الظهر والعصر وسلي الله من خيري الدنيا والآخرة وأكثري من دعاء ذي النون فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوة ذي النون، إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين؛ فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).

لكي تزول همومك أكثري من الاستغفار والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول عليه الصلاة والسلام: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).

من فوائد الاستغفار أنه يزيد في قوة الإنسان الحسية والمعنوية قال هود عليه السلام لقومه: (ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلىٰ قوتكم).

احذري من الرسائل السلبية التي ترسلينها لنفسك مثل قولك ليس عندي أمل في التخرج، بل عززي ثقتك بالرسائل الإيجابية التي تدفعك إلى الأمام فالرسائل بنوعيها يستقبلها العقل ويتبرمج وفقها ويعطي أوامره لجميع الأعضاء بالتفاعل وفقها.

اعملي بوصية النبي -صلى الله عليه وسلم- التي قال فيها: (استعن بالله ولا تعجز) فمن استعان بالله أعانه ومن توكل عليه كفاه وعدم العجز يعني الدفع بالنفس إلى الأمام وعدم الاستسلام للأمر الواقع فمن أخفق النجاح من باب دخل إليه من باب آخر.

لا تأتي بالأفكار المحبطة كقولك: (صرت لا أفكر في المستقبل ولا الأسرة والأولاد) بل التفكير في المستقبل يولد الفكر والأساليب الموصل لما يريده الإنسان فكوني طموحة ومتفائلة فالتفاؤل يريح الصدر ويولد الأمل ويفتح الآفاق.

يقولون إن الإبداع يتولد من رحم المعاناة ومن كانت بدايته محرقة كانت نهايته مشرقة فأتوقع لك مستقبلا حافلا ومشرقا بإن الله وما عليك إلا الصبر والعمل بالأسباب مع الاستعانة بالله وعدم التأثر بكلام الناس وخاصة المحبط منه.

نسعد بتواصلك، ونسأل الله لك التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات