السؤال
السلام عليكم
إخوتي في الله، بارك الله فيكم على ما تقدمونه خدمة للإسلام والمسلمين.
أعاني من مشكل أصبح يؤرقني وسبب لي الاكتئاب والوسواس، عافاكم الله.
أنا عاقد شرعا وقانونا على فتاة أحبها وتحبني كثيرا، واقترب الزفاف بإذن الله.
المشكلة بدأت لما سألتها عن ماضيها، فأخبرتني بمن أراد خطبتها قبلي، وأنها لم تكن على علاقة به، وإنما أمه من أرادتها له، بحكم أنها تعمل بعيادة صحية، ولكن بعد مدة لم ترغب به، ورفضته لأنه ليس بمستوى تعليمي.
علما أنها تعد للدكتوراه، وهو مستوى متوسط يعمل في حافلة لنقل المسافرين، ولكني فتحت صفحته على الفايسبوك ووجدته كتب قديما أنه كاد أن يخدع بها لولا أن صديقه أنقذه!
طلبت منها توضيحا فأخبرتني أنه هاتفها قائلا إنه أتى شخص وأخبره أنها كانت معه فاتخذتها ذريعة وتركته، فأصبحت أشك ولم أذق طعم الراحة منذ ذلك، فاتصلت به على أني شخص آخر، ويعلم الله أني أردت أن أخنقه بيدي، فأخبرني أنه لما كان على مقربة من أن يعقد عليها أتاه صديق وأخبره أنها كانت مع شخص سيء السمعة، ولم يخبرني بالاسم بحجة أنه نسيه، وأنها كانت تقول لأهلها: إنها في الجامعة ولكنها تذهب في السيارة، وممكن أن تبيت معه!
كاد قلبي أن يتوقف، فاتصلت بها وفي لحظة غضب قالت نعم ذهبت وركبت معه في السيارة... اتركني الآن، ولكن بعد أن هدأت الأمور قالت: إنها كذبت في لحظة غضب لأسكت، ولا تعرف هذا الشخص الذي يدعي خطيبها السابق أنها خرجت معه؟!
لم أستطع تصديقها، ولم أتحمل، فحرمتها إن هي كذبت علي، فقالت: لا مشكلة عندي، حرمني عليك إن كان كلامه صحيحا أو خرجت مع غيرك قبل، أو لمسني أحد قبل أو ركبت مع أحد في السيارة وذهبت معه إلى أي مكان، وكان لي أي علاقة أو أحببت شخصا غيرك، ومن يقول غير ذلك يأتي بالدليل، وأصبحت تدعو الله على هذا الخطيب، وأرادت أن تتصل به لولا أن المشكلة ستكبر.
أنا أصدقها ثم بعد تصديقها أتخيلها مع غيري، فأصبح كالمجنون، وأتصل بها أشتمها، وبعدها أطلب العفو، أكاد أجن، وأعيش في حالة من التخبط، وأتعذب وأعذبها معي، وأحيانا أريد أن أذهب إلى هذا الشخص وأؤذيه، فهل إذا كذبت تحرم؟ وإذا هي صادقة كيف أصدقها وأرتاح؟
ساعدوني، بارك الله فيكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سعيد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك – أخي العزيز – وأشكر لك تواصلك مع الموقع، سائلا الله تعالى أن يفرج همك وييسر أمرك ويشرح صدرك، ويلهمك الصبر والحكمة والسداد والصواب والهدى والرشاد.
من خلال قراءة رسالتك، فلاشك – أخي العزيز – أنه لا يظهر على خطيبتك ما يستلزم الشك في تأريخها وواقعها، كما يظهر – حفظك الله – أنك شخص غيور، وهو إحساس طبيعي وفطرة بشرية وظاهرة صحية مبعثها الحب للشيء والأنانية والتنافس، لكنها نوعان، فنوع ممدوح محمود، وهي الغيرة المعتدلة والمنضبطة بضوابط الشرع والأخلاق، كالحرص على حدود الله تعالى ومحارمه من التعدي عليها والتجاوز لها (تلك حدود الله فلا تعتدوها)، كغيرة المسلم على مصالح الدين وحقوق الناس في أعراضهم وأموالهم وأنفسهم، ومثل هذه الغيرة المحمودة يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليغار، وغيرة الله أن يأتي المرء ما حرم الله عليه) متفق عليه، وقال أيضا: (أتعجبون غيرة سعد؟ فوالله إني لأغير من سعد، وإن الله تعالى لأغير مني) متفق عليه.
النوع الثاني من الغيرة مذموم صاحبه، وهو الذي يكون دافعه المبالغة والإفراط في الأنانية والظنون وحب الاستحواذ والتملك للآخرين، وهذا النوع كثيرا ما تكون له آثار سلبية وعواقب وخيمة، حيث يفضي إلى سوء الظن بالآخرين واتهامهم وإيذائهم والإضرار بهم والإساءة إليهم وإلى العداوة والتفكك الأسري، حيث يكدر العلاقات عامة، ومنها العلاقة الزوجية والاجتماعية ويعكر صفوها.
لذلك فإن الواجب من جهتك – أخي العزيز – التالي:
الدخول مع خطيبتك في حوار صريح وواضح عن علاقتها السابقة، ويمكنك لزيادة الاطمئنان وقطع دابر الشكوك والأوهام والوساوس - إن لزم الأمر – بسؤال من تأنس منهم الثقة والأمانة والمروءة والحكمة والمعرفة في التعرف على ماضي هذه الفتاة والاطمئنان لذلك.
الامتناع المطلق بعد ذلك عن إشعال نار هذه الغيرة بالسؤال والشكوك مهما كانت القرائن والعلامات، وذلك يستلزم منك مجاهدة نفسك والتعامل مع الأمر بصبر وحلم وهدوء وحكمة، وتعجيل الدخول بها مما يسهم في التخفيف من حدة الغيرة أو إخمادها بإذن الله تعالى، كما يسهم ذلك في الاستقرار النفسي والعاطفي لديك.
ضرورة مجاهدة نفسك بتنمية الثقة بنفسك والثقة بالآخرين، والتحلي بالقدرة على السيطرة على نفسك، وتذكير نفسك بخطورة هذا المرض وهذه الآفة، وبعواقب الغيرة الوخيمة على نفسك وعلى زوجتك والآخرين، واستحضار مبعثها المخالف للشرع في كونها تدخل في دائرة آفة سوء الظن بالآخرين، وعدم احترام واعتبار حقوقهم وخصوصياتهم، واتباع الوساوس والشكوك والأوهام غير المستندة إلى أدلة الشرع والعقل والواقع.
أنصحك – أخي العزيز حفظك الله – بصرف النظر وعدم التركيز والالتفات لهذه الظنون؛ وذلك بإشغال نفسك بالقراءة وطلب العلم النافع والعمل الصالح، ولزوم الذكر وقراءة القرآن والصحبة الصالحة، وشغل النفس أيضا بالعمل أو التنزه أو الرياضة والخروج إلى المجتمع للتنفيس عن مشاعر الغيرة وصرفها ومدافعتها.
لا مانع – عند اللزوم – من عرض نفسك على طبيب نفسي إذا لم تجد الحلول ولزم الأمر.
أؤكد عليك بضرورة لزوم الصبر والتحمل وحسن الظن بالله تعالى والثقة بالنفس، وحسن المعاملة لزوجتك وعدم خسارتها لغير مبرر أو دليل شرعي؛ كون ما ذكرته عنها غير صريح في اتهامها، وضرورة مراعاة غيرتها أيضا وكرامتها وحقوقها، والحذر من الوقوع في إثارتها ما أمكن.
عليك باللجوء إلى الله تعالى بصلاة الاستخارة، والدعاء (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)، متحينا أوقات الإجابة أن يحفظك وزوجتك ويسلمكما من كل سوء ومكروه ظاهرا وباطنا، ويجمع بينكما على خير ويرزقكم الذرية الصالحة والحياة السعيدة الآمنة الكريمة والمطمئنة.
والله الموفق والمستعان.