السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشكركم على مجهوداتكم، جزاكم الله خيرا.
أنا فتاة، تعرضت في طفولتي للعنف والظلم من والدي، وقد سامحته لأنه مر بظروف صعبة، وفهمت أن أخطاءه لم تكن مقصودة، ظنا منه أن تلك هي الطريقة الصحيحة، وفي السنوات الأخيرة تغيرت معاملته لي، وأصبحت مقربة منه، لكن كانت هناك مشاكل بين أسرتي، لأن والدي كان مريضا نفسيا، ولم يكن يأخذ أدويته، وكان يغضب لأبسط الأمور، وكنت أحيانا أفقد أعصابي وأجادله، ثم أعتذر.
في السنوات الأخيرة هدأت الأمور في المنزل، وتجاوزنا المشاكل، وأصبح جو المنزل جميلا، لكن بعدها مرض والدي بمرض مزمن، حينها عرفت كم أحبه، وكم أنا خائفة على فقدانه، وفي اليوم الأخير له طلبت منه أن يسامحني، ورضي عني -رحمه الله-.
هل إذا أخبرت الناس بذلك يعتبر رضاه باطلا؟ فقد أعلنته للناس، وبعد وفاة أبي رأيت في عينه تمزق الغشاء، فأرجو إفادتي في هذا الموضوع، بالرغم أنه كان يبدو عليه الصبر أثناء سكرات الموت.
ندمت كثيرا على أخطائي، ولم أستطع نسيان أبي طوال السنتين الماضيتين، أفكر فيه يوميا، وعرفت قدره بعد وفاته، فأصبحت كئيبة وعصبية، منطوية، كثيرة البكاء، إذا تحدث معي أخي بصوت عال أبكي بسرعة، وأرفع صوتي، كما تراجعت في دراستي.
أكرر أخطائي مع أمي أيضا، وأشعر بالأسف، ذهبت لراق شرعي، فقرأ علي القرآن، لكن عندما وصل لآيات السحر بدأت أصرخ بشكل غير طبيعي، وأرتعش كثيرا، فقال لأمي أنني مسحورة، وأعطاني بخورا رائحته طيبة، لكنني كنت أصرخ ولا أستطيع التحكم في جسدي عند التبخر به، لكن مع المداومة عليه تحسنت حالتي، وأصبحت لا أشعر بشيء عند التبخر به.
مشكلتي الأخرى: يجب علي حضور أبحاث جامعية لهذه السنة، لكن جسمي كله يرتعش بوضوح عند التوتر، وأخاف أن أفقد تركيزي، لذلك أتمنى أن تنصحوني بدواء متاح في المغرب يعالج حالتي، ولدي وسواس من طرف الرجال، فلا أستطيع التواصل معهم بالعين، حيث يأتيني وسواس أن عيني تغمز، وسيساء فهمي، وأنفاسي تتسارع بشكل ملحوظ، وأشعر بعدم الثقة في النفس، كما أشعر بالغباء، لأن أغلب ما أدرسه أنساه، ولدي نظرة تشاؤمية للمستقبل بسبب ذلك الشعور، فما تشخيصكم لحالتي؟
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سلام حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فمرحبا بك -أختنا الفاضلة-، وردا على استشارتك أقول:
يبدو لي -والله أعلم- أن سرعة الغضب وتوتر الأعصاب، وفقدان التوازن مرض وراثي لدى بعض أفراد أسرتك، وقد خذر الشرع من الغضب، لكونه يؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها، ففي الحديث الصحيح أن رجلا أتى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله أوصني، فقال له: (لا تغضب)، فردد مرارا فقال لا تغضب، وفي حديث آخر قال: (لا تغضب ولك الجنة).
الغضب نزغة من نزغات الشيطان، يقع بسببه من السيئات والمصائب ما لا يعلمه إلا الله، ولذلك ذم الشرع هذا الخلق الذميم ذما شديدا، ومع هذا فيمكن علاجه وذلك باتباع الخطوات الآتية:
1- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم: يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله ۖ إنه هو السميع العليم)، وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن سليمان بن صرد قال: كنت جالسا مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، ورجلان يستبان، فأحدهما احمر وجهه وانتفخت أوداجه (عروق من العنق)، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إذا غضب الرجل فقال أعوذ بالله، سكن غضبه).
2- السكوت: هو أحد علاجات الغضب، وذلك لأن الغضبان لا يستطيع التحكم بأعصابه، فيخرج عن طوره فيتكلم بالكلمات غير اللائقة، فقد يلعن، أو يتلفظ بكلام كفري، أو يطلق زوجته، من أجل هذا أمرنا نبينا -عليه الصلاة والسلام- بالسكوت في حال الغضب، فقال كما في مسند الإمام أحمد -رحمه الله-: (إذا غضب أحدكم فليسكت).
3- تغيير الهيئة التي هو عليها: فإن أتاه الغضب وهو قائم فليجلس، وإن كان جالسا فليقم، أو ليضطجع، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع).
4- أن يتذكر الغاضب أن القوة لا تكمن في الغضب، وإنما في أن يملك نفسه ويمسك أعصابه، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين: (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب).
5- أن يتذكر الغاضب أن كظم الغضب من صفات المتقين كما قال تعالى: (الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ۗ والله يحب المحسنين).
لا بأس أن تخبري الناس بأن والدك توفي وهو راض عنك، مع عدم الاغترار بذلك، وإخبار الناس بهذا لا يبطل رضى والدك.
تمزق غشاء عين والدك قد يكون من شدة سكرات الموت -والعلم عند الله تعالى-، ندمك على سوء تصرفاتك مع والدك أمر طبيعي، ولكن من فضل الله عليك أن والدك توفي وقد سامحك ورضي عنك، فأكثري له من الدعاء في سجودك، وتصدقي عنه بما تستطيعين، واحذري من التعامل مع أمك بالطريقة التي كنت تتعاملين فيها مع والدك، وعليك أن تجتهدي في معالجة الغضب -بما ذكرته لك آنفا-.
ارتعاش جسدك ناتج عن الخوف وتوتر أعصابك، فتعاملي مع الأمور بشكل اعتيادي، وفوضي الأمور لله تعالى، فالتعصب والخوف لن يقدما أو يؤخرا شيئا، وفكري كيف ستتعاملين مع زوجك إن بقيت على هذه الشاكلة، هل ستستقيم حياتك مع كثرة اختلاف وجهات النظر بينك وبينه، أم أنك ستتسببين في هدم بيتك؟
لا أدري إذا كان فعلا من ذهبت إليه راق أمين وثقة، ولا أدري ما هو البخور الذي وصفه لك؟ فالرقية الشرعية تكون بتلاوة القرآن، والأدعية المأثورة وغير المأثورة، والتي لا تخالف الشرع.
وثقي صلتك بالله تعالى، واجتهدي في تقوية إيمانك من خلال كثرة الأعمال الصالحة، فذلك من أفضل العلاجات لما تعانينه، بل هو من أعظم أسباب جلب الحياة السعيدة، يقول تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
الزمي الاستغفار، وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فذلك من أسباب تفريج الهموم، ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).
أكثري من تلاوة القرآن الكريم، وحافظي على أذكار اليوم والليلة يكن ذلك حرزا لك من كل شر، ويطمئن قلبك، يقول تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ۗ ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
أنصحك بأن تلتزمي بالحجاب الشرعي والذي من ضمنه تغطية الوجه، فذلك ما أمر الله به النساء المؤمنات، ومن فوائده أنه سيجنبك ما تخشينه من سوء ظن من تخاطبينه أثناء غمز عيونك، تفاءلي ولا تتشاءمي، فالتفاؤل يبعث الأمل في النفس ويريح الصدر، والتشاؤم يضيق الصدر ويظلم السبل في وجهك، ومن منهج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يحب التفاؤل ويكره التشاؤم.
نسعد بتواصلك، ونسأل الله لك التوفيق.