السؤال
السلام عليكم.
يمنع الميثاق التربوي ببلدي أن يعاقب التلميذ بأي شكل؛ مما يصعب العملية التعليمية خصوصا مع تلاميذ مشاغبين مهملين لواجباتهم، ناهيك عن المقررات البعيدة كل البعد عن المستوى الفكري للتلميذ خاصة القروي منهم، مع مشاكل التنقل والسكن والماء، فما نصيحتكم؟ وهل نتحمل المسئولية أمام الله في تدني المستوى التعليمي؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Aziz حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنسأل الله أن يقدر لك الخير ويسدد خطاك، ويلهمنا جميعا رشدنا، ويعيذنا من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا!
فإنه لا تزر وازرة وزر أخرى، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وكلنا يلقى الله فردا، ويحاسب فردا قال تعالى: ((وكلهم آتيه يوم القيامة فردا))[مريم:95]، ولكن إذا تولى الإنسان مسئولية غيره فإنه يسأل، ومن هنا كلنا راع ومسئول عن رعيته، والراعي يفكه عدله وإحسانه، ويهلكه ظلمه وتقصيره، والله تبارك وتعالى يسامح على القصور لكنه لا يسامح على التقصير، وعلى المسلم أن يؤدي دوره، ولا يجعل تقصير الآخرين وإساءتهم سببا في الإساءة، والمسلم دائما إيجابي لا يكتفي بلعن الظلام؛ لكنه يجتهد في إضاءة الشمعات حتى يبدد الظلمات.
ولا شك أن المربي الناجح لا يحتاج للعصا إلا نادرا، وما ضرب رسولنا صلى الله عليه وسلم بيده امرأة ولا طفلا ولا خادما إلا أن يقاتل في سبيل الله فيضرب الكفار، ولا يعني هذا أنه ما كان يصوب الأخطاء ولكنه عليه صلاة الله وسلامه كان يعبر عن عدم الرضا بلون وجهه وبنبرة صوته، وبحركة يده وجسده، وكان يشجع المحسن ويتلطف مع المسيء، وينمي الجوانب الإيجابية، ويشجع التخلص من السلبيات، فكان يقول: (نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل)، وكان يفتح أبواب الأمل للمسيء، ويحفظ له حرمته ومشاعره، فكان يقول: (ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا)، ويقول (لينته أقوام ...)، وكان يوزع الألقاب والاهتمامات بين أصحابه وأتباعه، وهذا له أثر عظيم؛ لأن الطالب قد يندفع للشغب والإزعاج ليلفت الأنظار أو الشعور بعدم العدل، أو إحساسه بقلة العواطف تجاهه.
والمربي الناجح قريب من طلابه يخلص في نصحه لهم، ويحرص على أن تكون النصيحة في السر، ويتخذ الجوانب الإيجابية في الطالب مدخلا إلى نفسه، ويذكر الطلاب بحلاوة النجاح، ويخوفهم من عاقبة الإهمال، فإن القرآن يدفع الناس للمعالي والخيرات عن طريق التذكير بالجنة والنار، وإذا نجح المعلم في الدخول إلى قلوب طلابه، فسوف يحرصون على طاعته ويتألمون لغضبه وهذا الشعور يغني عن كثير من القسوة.
ولا شك أن المقررات الدراسية لها أثر عظيم، ولكن المدرس الناجح يؤثر بسلوكه وأخلاقه وجديته على طلابه، حتى لو كان مدرسا للرياضة البدنية فإنه يستطيع أن يربي على الألفاظ الطيبة والمشاعر النبيلة، ويربي على الحياء والفضيلة، فالمنهج بمدرسه والسيف بحامله، وما الذي يمنع المدرس وهو خارج من الفصل أن يودع طلابه بكلمات ونصائح نافعة تظل عالقة بالأذهان حتى اليوم الثاني؟ وما الذي يمنعه من السؤال عن أبنائه الطلاب إذا تغيبوا والثناء عليهم أمام أهلهم وتشجيعهم على سلوك طريق الصلاح والنجاح، ولا شك أن علاقة المدرس بأسرة التلاميذ تعين على انضباط الطلاب ونجاحهم، وتزرع الثقة في نفوس الآباء، وإذا فاز المعلم بثقة الآباء واحترامهم فإنه سوف يفوز باحترام الأبناء وطاعتهم.
ولست أدري ما هو المقصود ببعد المناهج عن المستوى الفكري للقرويين من الطلاب، ولكننا نعتقد أن العالم أصبح قرية واحدة، فلابد من تربية واعية تركز على غرس الإيمان في النفوس، فإن الإيمان للإنسان مثل المناعة للأجسام، فإذا فقد الجسم مناعته كان عرضة للأمراض، وإذا فقد الإنسان إيمانه كان عرضة للفسوق والعصيان، ونحن لم نختر المناهج لكننا نستطيع أن نختار الأسلوب الذي نقدمها به.
ومن واجبنا أن نحافظ على جوانب الخير في طلاب القرى ونمنحهم إيجابيات الحضارة وننبه على خطورة سلبياتها وفتنها ومزالقها.
وقد انتفعنا ولله الحمد بأساتذة كرام لم يكونوا مدرسين للعلوم الشرعية ولا للغة العربية، ولكنهم كانوا يحرصون على بث روح الفضيلة في نفوسنا، وكنا نجدهم معنا في المساجد ونستمع إلى نصحهم وتوجيههم، وكانوا يحرصون على الاستفادة من كل دقيقة أو موقف في التوجيه، فرحمة الله على الأخيار أحياء وأمواتا.
ولا شك أن الاستقرار وسهولة أمور الحياة مما يعين على الفهم والنجاح، ولكن الفلاح في أن يطوع الإنسان ظروف الحياة لتكون في خدمة المبادئ الكبرى والقيم الفاضلة، ولم يقعد سلفنا عن الطلب لأجل الفقر أو لشدة الحياة، ولم يتوقفوا عن الرحلة في سبيل العلم، فقد صبروا على الجوع والعطش من أجل نيله وتحصيله، والعلم لا ينال براحة الجسد، وأحسن من قال:
وما نيل المطالب بالتمني *** ولكن ألق دلوك في الدلاء
ورحمة الله على الإمام الشافعي الذي قال:
أأبيت سهران الدجى وتبيته *** نوما وتبغي بعد ذاك لحاقي
وقد وجد في سلف الأمة من باع سقف بيته لأجل العلم، ووجد فيهم من باع أهله كل ما يملكون من أجل أن يتعلم ابنهم، ووجد فيهم من سقط من الجوع والعطش في سبيل طلب العلم، بل وجد من ظل عشر سنين يشتهي نوعا من الطعام ولم يستطع أن يأكله مع وجود المال عنده؛ لأن موعد بيع ذلك الطعام كان يوافق مجالس العلم.
فعلينا أن نسدد ونقارب ونجتهد في الإصلاح إعذارا إلى الله وقياما بواجب النصيحة، واعلم أنه سبحانه لا يكلف نفسا إلا وسعها، ولا يكلف نفسا إلا ما آتاها.
ونسأل الله أن يبارك فيك، ويكثر في أمتنا من أمثالك، وأن ينفع بك بلاده والعباد!