السؤال
السلام عليكم
أنا شاب بعمر 22 سنة، لا أصلي، ولا أستطيع تحمل مسؤوليات الزواج، ثقل تلك المسؤليات تنسيني لذة الزواج والتفكير به.
نصحوني بالزواج كحل لمشاكلي، فجمعت المهر، وبعد الزواج أصبحت عاجزا عن خدمة زوجتي، لتثاقلي عن القيام بحاجات المنزل وتوصيل زوجتي للجامعة، مما جعلني أكرهها وأكره جماعها، وأكره حياتي كلها.
أنا منهك ومتعب، وفي حالة توتر وقلق مستمر، ولا أشتهي الأكل ولا الدنيا، وجاءتني أفكار بالانتحار، وأفكار تراودني لطلاق زوجتي، وهذا مستحيل لأنها قريبتي.
انقذوني، راجعت الطبيب النفسي وصرف لي بروزاك حبة 20 مج لمدة 14 يوما، وراجعت راق، وإذا جاءت آيات الحسد والعين أبكي حتى يتفطر قلبي، حتى إني نمت أثناء سماع الرقية بالمنزل، وحلمت أني رأيت أخي وأخذت من أثره أخذت أثر أخي فزاح الكثير من الهم، لكنني ما زلت أكره زوجتي وجماعها، وأكره شقتي، وأفكر بالانتحار والموت هروبا من المشاكل، فما رأيكم بحالتي؟
أرجو نصحكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرحمن حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
نرحب بك في الشبكة الإسلامية.
أخي الفاضل، الإنسان من الناحية النفسية هو أفكار ومشاعر وسلوك وأفعال، فمن الواضح أن فكرك فكر سلبي وسواسي إحباطي، وهذا أثر على مشاعرك وكذلك على أفعالك، فأنت أخي الكريم مطالب بأن تغير هذا الفكر، الله تعالى استودع فينا القدرة والخبرات والمهارات وأعطانا العقل الذي يجب أن نفعله من أجل التغيير ولا أحد يستطيع أن يغيرنا في كثير من الأمور، (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، فيا -أخي الكريم- هذا هو المفهوم الذي يجب أن تدركه وتعمل به، الله تعالى أعطاك العقل والإدراك والبصيرة واستودع فيك الطاقات كما ذكرت لك، فيجب أن تتوقف وتراجع هذا الفكر السلبي، هذا المشاعر السلبية، هذا الشعور بالإحباطات هذا كله يمكن أن يتغير -أخي الكريم-، انظر إلى خلق الله تعالى، لماذا لا تكون مثلهم، الناس تكابد، الناس تجاهد، الناس تعمل، الناس تسعد نفسها؛ لأن السعادة حقيقة تبنى ولا تأتي وحدها، أنت يهيمن عليك الفكر المعرفي السلبي هكذا نسميه.
أنت مطالب حقيقة أن تستبدله بفكر آخر بفكر إيجابي، وأنا متأكد أن الطبيب النفسي حين تراجعه سوف يساعدك في هذا الجانب كثيرا، تحتاج لجلسات نفسية معرفية، لكن المبدأ واحد هو أن التغيير منك أنت، والتغيير مني أنا بمعنى أنني حين أصاب بأي علة، أو فكرا سلبيا يجب أن نغيره، فيا -أخي الكريم- وأنت لديك القدرة لديك الإمكانيات، الطريقة التي أوردت بها رسالتك تدل على أنه لديك جانب معرفي ولديك مقدرات وأنت لست بشخص ضعيف أبدا، فألبس نفسك ثوب القوة والإيمان ويجب أن تكون يدا عليا، وترك الصلاة مصيبة لا أرى بعدها مصيبة، ولا أجد لك عذرا أيها -الفاضل الكريم- في هذا السياق، -فأخي الكريم- صل صلاتك، وأي نوع من الصلاة الصلاة الخاشعة، لأنها مبعث الطمأنينة والشعور بالأمان، اقفل طريق الشيطان هذا تماما، وموضوع الحسد والعين موجودة لكنها تعالج أيضا بالصلاة وبالدعاء، وبالذكر، فأرجو أن تفعل كل آلياتك الإيجابية وتقفل هذه الطرق السلبية في حياتك، هذا هو الطريق وهذه وسيلة التغيير، وهي ممكنه جدا.
الكلام عن الانتحار والتفكير في الانتحار هذا أمر لا يفيد بشيء، الحياة طيبة والحياة جميلة، ونقول لك الفكر السوداوي يمكن أن يتغير، (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيم)، وأرجو أن تبني علاقات اجتماعية جيدة، بناء نسيج اجتماعي خاصة مع الصالحين من الناس يهيء لك الدفع النفسي الإيجابي، كن بارا بوالديك، بر الوالدين يؤدي إلى ارتقاء في الصحة النفسية، ولا شك في ذلك، مارس شيئا من الرياضة، الرياضة تحسن من الفاعليات وتحسن من الدافعية عند الإنسان، اضع لنفسك -أخي الكريم- خططا وآمالا مستقبلية، ويا أخي الكريم تمسك بزوجتك هي سوف تساعدك لتيسير الزواج، الطلاق ليس حلا وليس أمرا مطلوبا بتاتا في هذا الأمر، البروزاك الذي أعطاه لك الطبيب دواء رائع ممتاز يحسن الدافعية يزيل الاكتئاب، وأنت في بدايات العلاج راجع طبيبك، وأنا متأكد أنه سوف يرفع لك الجرعة وسوف تستفيد كثيرا من هذا العلاج.
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة الدكتور: محمد عبد العليم، استشاري أول الطب النفسي، وطب الإدمان.
وتليها إجابة الشيخ: عمار ناشر: المستشارة التربوي الأسري فأجاب:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- احمد الله تعالى -أخي العزيز- على ما أنعم عليك من الاقتران بالزوجة التي ترغب بها ولم تكره عليها, كما أنها تبادلك مشاعر المحبة, وعلى جانب طيب من الخلق والثقافة, وهي مزايا طيبة وجميلة تستدعي منك شكر الله تعالى عليها بالتمسك بها (أمسك عليك زوجك واتق الله)، وطرد وساوس الشيطان، والذي لا يخفى أن أعظم مكره يكمن في التفريق بين الزوجين كما صح في الحديث, كما أن الزواج مما يسهم في الاستقرار النفسي, وأما الطلاق فإنه سيسهم في زيادة شعورك بالهم والمعاناة النفسية.
- وحيث لم تذكر مبررات شرعية ولا واقعية لما يعتريك من مشاعر الهم والغم والتعب ونحوها, فلا شك أن تفكيرك في الطلاق من زوجتك الطيبة إنما ذلك من وساوس الشيطان, كما أنه لا يستبعد من أن يكون من آثار الحسد والعين, بقرينة ما ذكرته عن أخيك إلا أن الواجب الحذر من اتهام أخيك، حيث لا دليل شرعي صريح بذلك.
- وحيث ذكرت عجزك عن أداء الصلاة، وعدم قدرتك على تحمل مسؤوليات الزواج, فإني أوصيك بضرورة مجاهدة نفسك على الطاعة والعبادة والأذكار والاستغفار وعدم الاستسلام لمشاعر الوهم والعجز والضعف, قال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين).
- كما أوصيك بالاستعانة بالله وتقواه، والتوكل عليه (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه) بلزوم الرقية الشرعية, وذلك بالإكثار من قراءة القرآن والأذكار ولزوم الدعاء, وأنصحك هنا بقراءة كتاب (حصن المسلم), ولا مانع من الاستمرار في عرض نفسك على بعض الرقاة المعروفين بحسن الدين والأمانة والأخلاق والعلم, قال تعالى: (وننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين)، (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء)، (قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين).
- إذا أمكن من طلب الوضوء من أخيك لك, ثم تصب الماء عليك بالاغتسال منه, لما ورد في الشرع من علاج العين بذلك, شريطة طلب ذلك منه بحكمة ولطف.
- لا مانع عند اللزوم من مراجعة طبيب نفسي مختص سلمك الله وعافاك.
- احرص على مدافعة الوساوس بالتمسك بزوجتك والحذر من التفكير في الطلاق؛ لما ذكرت من الموانع لذلك من كونها لا ذنب لها وكونها قريبتك وذم الشرع للطلاق من غير مبرر شرعي.
- أما ما ذكرته من التفكير في الانتحار -والعياذ بالله حفظك الله وسلمك من كل سوء ومعصية- فهو أمر محرم وجرم كبير وخطير, وهو موقع في عذاب الدنيا والآخرة, في غضب الجبار وعذاب النار, قال تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما)، (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا)، وثبت في الصحيحين أن (قاتل نفسه في الدنيا يعذب بما قتل نفسه في الآخرة خالدا مخلدا فيها أبدا), فتذكر أن عذاب الدنيا مهما عظم فهو أخف بل لا يقارن بعذاب الآخرة العظيم المقيم, وتذكر أن البلاء الواقع عليك أقل بكثير من بلاء كثيرات غيرك, كما وإن الانتحار -والعياذ بالله- دليل على ضعف الدين والخلق والعقل, وسوء الظن بالله والخذلان, فإن احتمال بلاء الدنيا على زوالها أخف من احتمال عذاب الآخرة العظيم المقيم.
- احذر -حفظك الله ووفقك- من اليأس والقنوط من رحمة الله (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون)، (ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون)، وفي الحديث: (إن النصر مع الصبر، وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرا) كما في الحديث الصحيح.
(المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، احرص على ما ينفعك, واستعن بالله ولا تعجز, ولا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل)، متفق عليه.
- أوصيك باللجوء إلى الله تعالى بالدعاء, واحرص على التماس أوقات الإجابة, كالدعاء في جوف الليل ودبر الصلوات المكتوبات والتماس دعاء الوالدين, قال تعالى: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)، (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان).
- ومما يسهم في تقوية الإيمان وتحصيل عون وتوفيق الرحمن، وطرد وساوس النفس والهوى والشيطان، وأذى الحسد والعين والجان والشعور بالرضا والراحة والاطمئنان، وحسن الصلة بالله تعالى، ومعرفته وطاعته وذكره ودعائه -سبحانه وتعالى-، والإيمان بالقضاء والقدر, وتأمل قول الله تعالى: (ومن يؤمن بالله يهد قلبه)، (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى * ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا).
- كما أنصحك بتعزيز الثقة بالنفس وقوة الإرادة, وتخفيف الضغوط النفسية عليك بضرورة الترويح عن النفس بالقراءة في الكتب النافعة ومتابعة المحاضرات والبرامج المفيدة, والخروج إلى المتنزهات برفقة الأهل والصحبة الصالحة لمدافعة هذه الهموم وهذه الأحزان, وتخطيها وتجاوزها بالشعور بالثقة والأمل والطموح والتفاؤل, وإدراك أن الحياة قليلة, فهي لا تستحق هذه المبالغة -لا سيما وأنها غير مبررة- في القلق والأحزان, وثق بالله تعالى ثم بقدرتك على تجاوز هذه المشاعر النفسية السلبية، عافاك الله وسلمك من كل سوء ومكروه.
- أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يفرج همك ويكشف غمك, وأن يرزقك الصبر والثبات والسداد, ويلهمك الحكمة والهدى والرشاد, ويجمع شملك وزوجتك على سكن نفسي ومودة ورحمة وخير.
والله الموفق والمستعان.