بسبب زواجي الفاشل كرهت الحياة ولا أجد لها معنى

0 104

السؤال

عمري 24 سنة فقط، فقدت صبري وطول بالي بسبب كثرة الضغوط، جربت العلاج النفسي ولكن بلا جدوى، أصبحت شديدة النسيان والانفعال، وهناك مشكلة تشغل بالي حاليا، وهي أني أصحبت شديدة الانفعال على بنتي وعمرها 6 سنوات، فأنا مطلقة حاليا بسبب أن والدي أجبرني على الزواج من شخص لا يعرف الله، ودمرني نفسيا، ووالدي أحد منغصات حياتي، لأنه ظالم ولا يخاف الله.

أصبحت أرفض الزواج بسبب كرهي لتحمل ضجيج الأطفال، أصبحت لا أرى في الأطفال أي متعة، أعتبرهم مصدر إزعاج إضافي في هذه الحياة المزعجة، أكره الحياة وأتمنى الموت، وداخلي شخص ميت يدعي الحياة، لأني أصبحت أؤثر على أمي بالطاقة السلبية، وأشعر بثقلي ولا أبين ما بداخلي الآن، وأحاول التعايش.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جنات حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك، وفرج الله همك، وشرح صدرك ويسر أمرك, وكان الله في عونك وعون والدتك، ورزقكم الصبر الجميل والثواب الجزيل، وأسأل الله تعالى أن يصلح والدك ويهديه، إنه سميع مجيب.. آمين.

ينبغي تفهم طبيعة الحياة عامة، والاجتماعية والأسرية خاصة، وما يعتريها من مشكلات وخصومات بسبب ضغوطات الحياة المتنوعة, فهذا قد يخفف من مشاعر الغضب والحزن لديك, وإن كان لا يبرر تصرف والدك بمقتضى الظلم والإساءة في إجبارك على الزواج بالرجل المذكور -هداه الله وأصلحه وغفر له وعفا عنه-.

كما أن من المهم أن تعلمي أن الواجب مع الوالدين ولو كانا قاسيين -بل وكافرين- التعامل معهما بمقتضى البر والإحسان, كما في قوله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) وقال سبحانه: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا).

من المهم ضرورة تنبيهه بهدوء وحكمة إلى خطأ تصرفاته ومخالفتها للشرع الحنيف، في تكريم المرأة عامة والزوجة خاصة والبنات أيضا, وتذكيره بما ورد في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم: "الظلم ظلمات يوم القيامة" وفي الأثر: "لا يكرمهن إلا كريم, ولا يهينهن إلا لئيم" ووجوب معاملته لها بما يحقق مقاصد الشرع في النكاح الوارد في قوله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا)، وما ثبت في صحيح مسلم من قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يفرك -أي لا يبغض- مؤمن مؤمنة, إن كره منها خلقا, رضي منها آخر).

لا بأس ولا مانع -بل قد ينبغي ويستحسن- إذا لزم الأمر شكوى والدك بمقتضى الحب والأدب إلى بعض عقلاء الأهل ممن تتوفر فيه صفات الحكمة والحنكة والمروءة والشهامة، والستر وحفظ السر، وقبول والدك له وتأثره به؛ ليقوم بدوره بنصحه بالأسلوب المناسب دون تعريض والدك للحرج.

ينبغي لك ولوالدتك -حفظها الله وعافاها- أن تتجنبوا الأخطاء والسلبيات ما أمكن, لاسيما التي تعلم أنها محل لاستفزاز والدك وإثارة غضبه وهيجانه ودواعي العنف لديه؛ طاعة لله تعالى أولا ثم سدا لذريعة إساءته إليكما، واحرصي على حسن التعامل مع والدتك وخدمتها والصبر عليها، وأن تكوني عونا لأمك وأخواتك في التخفيف عن مشاعر الهم والضيق والتوتر والاكتئاب، ومواساتها بالكلمة الطيبة والطاعة والخدمة، وتذكيرهن بفضل الصبر على البلاء عامة, وعلى خطأ الوالدين خاصة, والتزام عبادة وعقيدة الشكر على النعماء، والإيمان بالقدر والرضا بالقضاء، وما أعده الله تعالى للصابرين من حسن الجزاء يوم اللقاء (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب).

واحذري -ابنتي الفاضلة- من المبالغة في ردة فعلك في حمل مشاعر الهم الزائد، والقلق والخوف من المستقبل والمجهول والعقدة من نعمة الأنوثة, أو كراهية جنس الذكور والرجال والحقد عليهم ، بسبب تصرفات الوالد المخالفة للشرع, مع ضرورة الحزم في تجنب السوء منه والجدال معه.

أوصيك بحسن الظن بالله، وتعزيز الثقة بالنفس، وتنمية مواهبك وقدراتك، والتفاؤل والطموح والأمل في النجاح، والمضي قدما على بركة الله في إكمال دراستك, فاحرصي على تقوية إرادتك والاحتفاظ بشخصيتك ومكانتك واحترامك في حدود اللطف، منعا من زيادة أذاه -هداه الله- فإن لم يكن فالواجب الصبر والتحمل, حيث لا يجب أن يكدر صفو حياتك واستقرارك, ولا يؤثر سلبا في المضي قدما في نجاحك وسعادتك في دينك ودنياك.

احمدي الله تعالى أن وفقك لمفارقة الزوج سيء الدين والخلق والعشرة والنفسية, ولا ينبغي لك أن تصابي بعقدة نفسية تجاه جميع الرجال والأزواج, لمخالفة ذلك الشرع والعقل والحس والفطرة السليمة, فبادري بالزواج إذا تهيأت أسبابه, أو إذا هيأت أنت وسائطه وأسبابه، ولا تقلقي على مستقبل زواجك, حيث يمكن انتقال ولاية النكاح إلى من بعد الأب من الأقارب, وذلك إذا ثبت لدى القاضي -كما هو الواقع- تعسف الأب وظلمه وفرضه تزويج ابنته بمن لا ترغب، وكان على غير المعيار الشرعي, وهو ما يعرف شرعا بـ (العضل) الأمر الذي سيسهم -بإذن الله- في إحراجه ودعوته لإعادة النظر في معاملتك بمقتضى واجب الأبوة والمحبة والاحترام.

ومما سيخفف من حدة الضغوط النفسية والسلبية عليك، زيادة الإقبال منك على الله بالطاعة والذكر وقراءة القرآن، واللجوء إليه بالدعاء، ولزوم الصحبة الطيبة, والتنفيس عن النفس بمزاولة الرياضة والثقافة والنزهة المباحة والأنشطة الاجتماعية، ومتابعة دراستك -إذا أمكن- والبرامج النافعة والمفيدة, والاستعانة بالله على ذكره وشكره وحسن عبادته، واللجوء إلى الله تعالى والإلحاح عليه بالدعاء بأن يصلح والدك ويهديه, وأن يحفظك ووالدتك من كل سوء.

من المهم أن أذكرك بالرفق ببنتك الصغيرة، فالله سبحانه وتعالى قد استرعاك إياها وأمرك برعايتها والاهتمام بها، فلماذا تجعلينها ضحية خطأ غيرها؟ سواء كان الأب أو الزوج، فيجب عليك أن تنظري في عينيها البراءة وجمال الطفولة، لكي تخفف عنك ضغوطات الحياة، حتى وإن كان هناك بعض الإزعاج منها فلابد أن تتحملي ذلك، فالأم تفهم معاني الصبر والتحمل، لكن الطفل الصغير ما الذي يفهمه ذلك؟ وأذكرك بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تقبلون الصبيان فما نقبلهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوأملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة" رواه البخاري، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: من لا يرحم لا يرحم" رواه البخاري.

أسأل الله أن يرزقك الصبر على ابنتك، وأن يرزقك الزوج الصالح والحياة السعيدة في الدنيا والآخرة.

مواد ذات صلة

الاستشارات