بسبب تأخر زواجي أصبحت أعيش حياتي ألما وحسرة

0 123

السؤال

السلام عليكم

أنا فتاة، أبلغ من العمر 28 سنة، موظفة، ولدي الكثير من النعم ولله الحمد، مشكلتي أني لم أتزوج، وهذا الشيء أتعبني، وأصبح هاجسا لدي، فأنا أشعر بالنقص النفسي، ولم أعد مرغوبة، أصبحت حساسة، وسريعة الانفعال، قلقة، لم أعد أستطيع السيطرة على نفسي، كثيرة التذمر، وتراودني أفكار سلبية فيما يخص الموضوع، ثم أنفعل وأتسخط، أعلم أن الله أنعم علي بنعم كثيرة، لكني أصبحت لا أرى شيئا إلا الزواج.

خطبت قبل فترة، ووصلنا لنهاية الأمر، لكني رفضت لوجود سبب يمنع الزواج، وزادني ذلك الموضوع ألما وحسرة، لأني أنا التي رفضته.

متعبة جدا، وأشعر بأنه لا أحد يفهمني، أريد أن أوقف التفكير في هذا الموضوع، حتى أني فقدت متعة الحياة ومتعة الاستمتاع بالخروج وشراء الملابس وغيرها، أصبحت أعد الأيام خوفا من التقدم بالعمر، أحس أيام شبابي تمر في حزن وحسرة وألم، أصبحت حزينة ومتذمرة، ولا أريد أن أكون كذلك، فكرت أن آخذ مهدئا من الصيدلية، لكن أختي قالت لي: أنت من تمرضين نفسك، وستدخلين في دوامة، تستطيعين التجاوز بنفسك، ولا أحد يمكنه مساعدتك، أريد إنهاء هذه المعاناة والعيش بشكل طبيعي، تمر علي أيام تخنقني أفكاري، ولا أستطيع النوم، هل تنصحوني بالطب النفسي؟ وما تشخيص حالتي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نورة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

ينبغي أن تكوني على يقين تام بأن كل شيء يسير وفق قضاء الله وقدره، وأقدار الله على العبد كلها خير له، وإن بدت أنها على خلاف ذلك؛ لأن الله أرحم بعباده من الوالدة بولدها، ويعلم ما يصلح العباد مما يفسدهم.

يقول تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر)، وقال عليه الصلاة والسلام: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء)، ولما خلق الله القلم قال له اكتب قال وما أكتب قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة)، وقال عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس) والكيس الفطنة.

قد يكره العبد أمرا ما وفيه خير له، وقد يحب شيئا وفيه شر له، يقول تعالى: (وعسىٰ أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ۖ وعسىٰ أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ۗ والله يعلم وأنتم لا تعلمون).

المؤمن يتقلب بين أجري الشكر والصبر قال عليه الصلاة والسلام: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكانت خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكانت خيرا له).

الإيمان بقضاء الله وقدره جزء من إيماننا كما ورد في حديث جبريل عندما سأل عن الإيمان فقال عليه الصلاة والسلام: ( ... وأن تؤمن بالقدر خيره وشره).

المؤمن مبتلى في هذه الحياة، والابتلاء ينزل به على قدر إيمانه، فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، ففي الحديث الصحيح أنه سأل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء؟ قال: (الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة).

إنني أشعر وأحس بما تعانينه، لكن لو نظرت إلى من حولك لوجدت الكثير ممن تعاني أشد من معاناتك، بل إن بعض المتزوجات يقاسين من أزواجهن الأمرين، ويتمنين أنهن لم يتزوجن، وهنالك من طلبت الطلاق، فانظري إلى من هو أشد بلاء منك تحمدي الله على ما أنت عليه، وقد ذكرت في استشارتك أن الله قد أنعم عليك بكثير من النعم، فاحمدي الله يزدك الله من فضله، يقول تعالى: (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ۖ ولئن كفرتم إن عذابي لشديد).

احذري من الأفكار السلبية؛ فإن العقل يتفاعل معها، ويصدر أوامره لأعضاء البدن بالتفاعل مع تلك الأفكار، والاستسلام لها، وهذا سيؤثر سلبا على حياتك، وما انفعالك وتسخطك إلا دليل على ذلك، لكنك لو استغفرت الله تعالى وحمدته لوجدت ارتياحا في صدرك.

إن كنت رفضت الزواج بذلك الشخص لأسباب وجيهة فيما يمس دينه وأخلاقه، وكان تركك له من أجل الله تعالى فلا شك أنه سبحانه سيعوضك خيرا منه كما ورد في الحديث: (من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه). ورفض النعمة بطرا هو الأمر الخطر؛ لأن الله تعالى قد يعاقب ذلك الشخص كونه رفض نعمة أنعم الله عليه بها.

الحياة الطيبة لا تكون بالزواج فقط، فكم من متزوجة لا تجد للحياة طعما بسبب سلوكيات زوجها السيئة، وكم من شخص ذكر أو أنثى غير متزوج ومع هذا يعيش حياة طيبة؛ لأنه عرف الأسباب التي تجلب له تلك الحياة المستقرة الآمنة والمطمئنة، ومن أعظم تلك الأسباب الإيمان والعمل الصالح يقول تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).

أنصحك أن تجتهدي في توثيق صلتك بالله تعالى، وأن تجتهدي في تقوية إيمانك من خلال العمل الصالح، ومن هنا ستتغير حياتك جذريا بإذن الله تعالى، لأن من وجد الله فماذا فقد؟ ومن فقد الله فماذا وجد؟

الزواج رزق من الله يسير وفق قضاء الله وقدره، وسيأتيك رزقك بإذن الله تعالى بالشخص والوقت الذي قدره الله.

الزمي الاستغفار، وأكثري من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن ذلك من أعظم أسباب تفريج الهموم يقول عليه الصلاة والسلام: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا ، ومن كل هم فرجا ، ورزقه من حيث لا يحتسب) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك).

ارفعي شكواك لخالقك الذي إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون، فانطرحي بين يدي الله، وتضرعي بالدعاء في أوقات الاستجابة، كما بين الأذان والإقامة، والثلث الأخير من الليل، ويوم الأربعاء ما بين الظهر والعصر، وألحي على الله بالدعاء أن يرزقك الزوج الصالح، ولا تنقطعي ولا تيأسي، فالله قد أمر بالدعاء ووعد بالإجابة فقال: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) وقال: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ۖ أجيب دعوة الداع إذا دعان ۖ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون).

أكثري من دعاء ذي النون، فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له)، فقد ذكر الله عن يونس أنه قال وهو في بطن الحوت ﴿لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين﴾ قال الله في الآية التي تعقبها: ﴿فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين﴾.

أنصحك أن ترقي نفسك صباحا ومساء، ولو بحث أهلك عن راق أمين وثقة ليرقيك ويشخص حالتك لكان أمرا حسنا، فإني أخشى أن تكوني قد أصبت بعين حاسدة، فإن تبين ذلك فاستمري بالرقية بحضور أحد محارمك حتى تشفي بإذن الله تعالى.

لا تيأسي، وكوني متفائلة، فإن التفاؤل يفتح الآفاق، ويشرح الصدر، والتسخط يجعل الصدر ضيقا، والطرق مظلمة.

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح الذي يسعدك في هذه الحياة إنه سميع مجيب.

مواد ذات صلة

الاستشارات