السؤال
السلام عليكم ..
أسأل الله أن يجعل هذا الموقع عملا خالصا لوجهه الكريم، وأسال الله أن يجعل عملكم هذا في ميزان حسناتكم، وأن يجزيكم عنه خير الجزاء.
مشكلتي باختصار شديد هي أني لا أستمتع بفعل أي شيء، ليس لي الرغبة في فعل أي شيء، أنا طالبة بالمرحلة الجامعية، ولكن للأسف لا أستمتع بأي شيء في حياتي، رغم أني -ولله الحمد- أحاول أن ألتزم قدر المستطاع، والحمد لله، ولكن لا أستطيع أن أفعل شيئا بإجازتي، لأني لا أفعل شيئا سوى النوم، دائما أشعر بالتعب من أقل مجهود.
بدأ الأمر معي هكذا، وتطور الأمر لأكثر من ذلك، حيث أصبحت لا أحب الجلوس مع أحد، أقضي أغلب وقتي وحيدة، فقط أزور جدتي لأنها مريضة، أيضا من أحد الأسباب التي تجعلني أشعر بالضيق هي والدتي، فبالرغم أني أطيعها دائما ولا أعصي لها أمرا، ولكنها دائما تعلق على طريقة لبسي، وتقول لما لا تلبسسين مثل فلانة؟ ولم لا تفعلين مثل فلانة؟
علما أني من بلد عربية لا يلتزمون فيها باللباس الشرعي الصحيح، ودائما أمي تثور علي إذا ما أخبرتها أني تركت شيئا يفعله المجتمع، وأعلم أنه لا يجوز، مثلا أخبرتها منذ فترة أني تركت الأغاني لله، فغضبت مني وحزنت ومرضت، وأصبت بنوبة بكاء استمرت ليومين، وكرهت نفسي، وكنت أدعو دوما أن يأخذني الله عنده.
أصبحت ألوم نفسي بأنني السبب في مرضها، كما أنها تضغط علي لحضور الأعراس التي تكون مختلطة وبها من المحرمات ما بها، وأصاب بنوبة اكتئاب بعد كل عرس أحضره، لأني أعلم أنه حرام حضور مثل هذه الأعراس، ولكن أهلي يغضبون مني إن لم أحضر، وقد تنقطع صلة الرحم بسبب هذه الأعراس!
علما أن والدتي كان لها تجربة مع أناس كثيرين متشددين فأصبح لديها عقدة من كل من يحاول الالتزام.
أرجوكم أشيروا علي، كيف أرضي الله دون أن أغضبها؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريمي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا وسهلا بك، ونشكرك على ثقتك بموقعنا، ونسأل الله أن يثبتك على الحق.
من خلال ما ذكرت أنت فتاة لديك حرص على الالتزام بدين الله، ولكنك تعيشين في وسط اجتماعي لا يساعدك على ذلك، بل إنه يدعوك إلى ترك التدين، وخاصة فيما ذكرت من أن والدتك لا يعجبها اللبس الذي أنت عليه، وحزنها لأنك تركت سماع الموسيقى، أو غضبها لعدم رغبتك في حضور الأعراس المختلطة.
كل هذه التصرفات منهم جعلتك في حال من الحزن والقلق، فنشأ في نفسك حب العزلة، وكثرة النوم، والانطواء، ونصحيتي لك أن لا تلتفتي لما يقولون عنك، واصبري واحتسبي ما يجري لك، واعلمي أنه مع مرور الأيام سيعتادون على ذلك، وسيرون أن تصرفاتك طبيعية، بل يمكن يحصل لهم اقتناع بحب التدين وتكون هدايتهم على يديك، إن شاء الله.
كثير من الفتيات اللاتي كن متدينات والبيئة التي يعشن فيها لا تقبل منهم ذلك، ولكن مع مرور الوقت تغيرت تلك البيئة إلى الأحسن، بفضل الله ثم بسبب صبرهن وحسن الخلق والتعامل، وممارسة الدعوة إلى الله.
أتمنى أن تمارسي حياتك بشكل طبيعي جدا، استغلي وقت الإجازة في القراءة والبرامج النافعة، اجلسي مع أهلك بشكل طبيعي، لا داعي للجلوس منفردة من غير أي اشتغال بأي أمر نافع، ولقد أحسنت عندما تزورين جدتك المريضة -شفاها الله- عندما تكونين في حالة طبيعية من العلاقة مع الآخرين، بما يرضي الله، فإن هذا سيجعلهم يتغيرون إلى الأحسن.
أما إذا ظللت على ما أنت عليه من الوحدة والكسل وحب النوم، فإنهم قد يفهمون فهما خاطئا عن المتدينين، وأنهم أناس معقدون نفسيا، ليس لديهم عمل إيجابي في المجتمع، فقط نوم وكسل وانطواء ونحو ذلك.
ذكرت أن الوالدة -حفظها الله- لديها عقدة من بعض المتدينين، وهذا قد يكون له سبب، فلعلها وجدت منهم شيئا من الغلو في فهم الدين أو ممارسته، ولهذا لزم عليك أن تغيري هذه الصورة في نفس الوالدة، وذلك من خلال البر بها والجلوس وتبادل أطراف الحديث معها، وخدمتها، ولا تخوضي في الجدل معها فيما تنكر عليك في أمر يكون الحق معك، ولكن ابتسمي وخذي الأمر بشيء من المدارة والتغاضي.
عليك أيضا الدعاء في ظهر الغيب للوالدة وجميع الأهل، بأن يشرح الله صدورهم للحق والعمل الصالح، إذا فعلت ذلك فلعل نظرة الوالدة للمتدينين تتغير، بل لعلها تكون منهم إن شاء الله.
لقد أحسنت في ترك حضور الأعراس التي فيها أغاني أو اختلاط بين الرجال والنساء، ولكن إن كانت صاحبة العرس قريبة لك أو صديقة معروفة، فيمكن أن تتصلي بها عبر الهاتف وتباركي لها زواجها، وبهذا تكونين قد أديت ما لزم عليك نحوها من التهنئة لها، واعتذري عن الحضور، فإن أصرت على حضورك فقولي لها السبب الذي يمنعك من الحضور، وهو وجود منكر لا يرضي الله تعالى.
أما سؤالك الأخير كيف أرضي الله دون أن أغضبها؟ أي الوالدة، ما تقدم ذكره من حسن التعامل مع الوالدة سيجعلها تحبك، ومن ثم تكون من أهل الصلاح والتقى، ولكن إذا احيانا يحصل أن الوالدة تطلب منك شيئا فيه معصية الله، فلا ينبغي أن تطيعها، ولكن اعتذري منها بلطف وأدب، ولا تظهري الغضب ولا التأفف.
اقرئي هذا الحديث، عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى الناس عنه ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس) رواه ابن حبان.
إذا عملت بما يرضي الله فلا تلتتفي لسخط أي أحد عليك، ومع مرور الوقت سترين أنهم يرضون عنك، ولا ينكرون عليك لما يرون عليك من حسن التدين وحسن الخلق، فصاحبة الإيمان والعمل الصالح سيكون لها محبة في قلوب الخلق، وصدق الله، قال تعالى (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمٰن ودا).
نسأل الله لك الثبات والاستقامة.