السؤال
السلام عليكم
أولا شكرا لكم على هذا الموقع الجميل، الذي أفادني كثيرا في حياتي.
أما ثانيا: فسأبدأ بسؤالي مباشرة: في الماضي لم أكن إنسانة ملتزمة، ولم أكن سيئة جدا أيضا، فمثلا كنت أحافظ على صلواتي لكن أستمع إلى الأغاني، وهكذا.
منذ فترة مضت قررت أن أصبح أكثر التزاما وقربا من الله، فصرت مثلا أصلي السنن الرواتب جميعها، ركعتي الضحى، صيام الاثنين والخميس، ونحو ذلك من الطاعات النوافل، وحتى تركت سماع الأغاني، لكن المشكلة هي أنني كل ما زاد تعلقي بالله كل ما زادت الوساوس داخلي، أشعر أني في حال صراع داخلي، فدائما ما أفكر في أي عمل أعمله، أهو صحيح أم خاطئ، وكذلك يزعجني جدا عندما أرى الناس مثلا يخطئون ويستمرون في الخطأ، ثم يصيبني الوسواس، هل أن حقا على هداية؟ وكيف أعرف ذلك؟
معظم الناس الذين يخطئون ربما يعتقدون أنهم على حق، كل من يتخذ مذهبا يعتقد أنه على صواب، وأسئلة أخرى كهل سيقبل الله مني؟ هل خشوعي كاف؟ أقاوم هذه الأفكار داخلي وأحاول الاستعاذة من الشيطان، لكنها لا تلبث أن تعود.
باختصار أنا في حالة وجل، لكني حقيقة أجد لذة عجيبة في الطاعة، وراحة تدوم وقتا ثم تعود هذه الأفكار من جديد.
هل هذا طبيعي أن تصيبني هذه الأفكار في هذه الفترة؟ فقد قال تعالى: (وٱلذين يؤتون مآ ءاتوا۟ وقلوبهم وجلة أنهم إلىٰ ربهم رٰجعون﴾ أم أن هذه الآية لا تنطبق هنا؟ وإذا كان هذا الشعور ناتجا عن خلل ما، فأفيدوني أثابكم الله.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إنصاف حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا وسهلا بك في الشبكة الإسلامية إسلام ويب، والشكر لله أولا وأخيرا، والجواب على ما ذكرت يمكن في الآتي:
بداية نحمد الله تعالى الذي هداك وجعلك من الصالحات، وأعانك على طاعته، ولا شك أن السعادة التي تجدينها في طاعة الله هي من الحياة الطيبة التي جاءت في قوله تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) [ سورة النحل اية ٩٧ ]، وعليك بالاستمرار عليها بإخلاص لله تعالى، وحسن عبادة.
أما ما تجدين من الوسواس فهذا لا شك أنه من أقل مكائد الشيطان على المرأة المسلمة الصالحة، ويريد بذلك صرفك عن طاعة الله، وأن يوقعك في الحزن، ولقد أحسنت في تجاهل ذلك الوسواس وظهر لك الخير العظيم.
مما يمكن أن ننصح به، ينبغي أن تعلمي أن هذه الوسوسة آيلة إلى الزوال بإذن الله تعالى، فقد قال بعض الصحابة -رضي الله عنهم- للنبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال: " وقد وجدتموه؟" قالوا: نعم. قال - صلى الله عليه وسلم-: " ذاك صريح الإيمان ) رواه مسلم، وفي رواية: " سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الوسوسة. قال: " تلك محض الإيمان " رواه مسلم.
مما يمكن أن ندلك عليه للخلاص من هذا الوسواس أن تعلمي أن للخلاص منه طريقين: طريق عام: وطريق خاص:
- أما الطريق العام فيكون: بكثرة الذكر والمحافظة على الصلاة، وقراءة القرآن والاستغفار وحضور مجالس العلم، فإن الذاكر لله تعالى ينصرف عنه الشيطان؛ وتزول عنه الوسوسة،
قال ابن تيمية: "والوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله، فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة، ولا يضجر، لأنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان، قال تعالى: ﴿ إن كيد الشيطان كان ضعيفا ﴾ [النساء: 76]، وكلما أراد العبد توجها إلى الله بقلبه، جاء الوسواس من أمور أخرى، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد أن يسير إلى الله أراد قطع الطريق عليه".
ومن العلاج العام للوسوسة أيضا: الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء بصدق وإخلاص، كي يذهب عنك هذا المرض.
- أما العلاج الخاص للوسوسة: فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته) رواه البخاري.
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا، خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل: آمنت بالله. وفي رواية: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق السماء؟ من خلق الأرض؟ فيقول: الله ثم ذكر بمثله. وزاد: ورسله ) رواه مسلم.
يمكن أن نستخلص طريقة علاج الوسواس من هذين الحديثين، وذلك بالآتي:
- قولي أعوذ بالله من الشيطان الرجيم عندما يطرأ عليك الوسواس.
- ثم قولي آمنت بالله ورسوله، أو قل آمنت بالله ورسله.
- اتركي الاستطراد في الوسواس فلا تلتف لما جاء فيه مطلقا.
قال ابن حجر الهيتمي: "للوسواس دواء نافع هو الإعراض عنه جملة، وإن كان في النفس من التردد ما كان، فإنه متى لم يلتفت لذلك، لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل، كما جرب ذلك الموفقون، وأما من أصغى إليها، فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم، كما شاهدناه في كثير ممن ابتلوا بها، وأصغوا إليها وإلى شيطانها". راجع رقم الاستشارة رقم : (2319982).
أما بخصوص سؤالك هل أنت على الهداية أم لا؟ والجواب عن هذا أن يقال إن من كان مستقيما على دينه مؤديا للفرائض، فإذا طرأ عليه هذا السؤال، فإنما هذا من مداخل الشيطان ومن وسواسه، وينبغي أن لا تفكري في الأمر، وعليك بالاستمرار بما أنتي عليه الطاعات، واسألي الله كثيرا الثبات على الدين.
صحيح أن هناك بعض الناس يفعل الخطأ ويجانب الصواب ويظن نفسه على صواب، وهؤلاء لا ينفعهم اعتقادهم أنهم على صواب، ولكن من كان على صواب وهو على الحق لأنه يعمل بما يرضي الله تعالى، فهذا يجوز له أن يعتقد أنه على صواب، لأن هذا هو الواقع من حاله.
سؤالك عن الخشوع وهل هو كاف؟ أنا لا أعرف ما وصلتي إليه من الخشوع حتى أقول: إنه كاف أم لا، ولا شك أن الاهتمام بالعبادة بخشوع بأن يكون القلب حاضرا واعيا لما يقرأ ويتعبد لله تعالى، وتكون الجوارح منقادة لطاعة الله، فإن وجد هذا في الإنسان فقد تحقق له الخير العظيم الذي حرم منه كثير من الناس.
عن عوف بن مالك أنه قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فنظر في السماء ثم قال: " هذا أوان العلم أن يرفع ". فقال له رجل من الأنصار يقال له : زياد بن لبيد : أيرفع العلم يا رسول الله وفينا كتاب الله، وقد علمناه أبناءنا ونساءنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وهل تدري ما رفع العلم ؟ قال : قلت : لا أدري. قال : ذهاب أوعيته. قال : وهل تدري أي العلم أول أن يرفع ؟ قال : قلت : لا أدري. قال : الخشوع، حتى لا تكاد ترى خاشعا."رواه أحمد.
أتمنى أن تقرئي في بعض الكتب التي فيها الدلالة على الخشوع، مثل كتاب 33 سببا للخشوع في الصلاة، للشيخ محمد المنجد.
أما سؤالك عن قوله قال تعالى: (وٱلذين يؤتون مآ ءاتوا۟ وقلوبهم وجلة أنهم إلىٰ ربهم راجعون ﴿60﴾ فهذه الآية لا تنطبق على ما أنت عليه، فإن هذا الآية معناها أن الصالحين من عباد الله يأتون بالعمل على ما يرضي ويخافون أن لا يقبل منهم، وأما الخوف الذي لديك فهو عبارة عن وسواس، وأن لديك أفكار بأن العمل ليس كما ينبغي، ثم قد يؤثر فيك هذا الشعور حتى تتركي العمل الصالح، والعياذ بالله.
وفقك الله لمرضاته.