السؤال
السلام عليكم ورحمة الله
عمري 21 سنة، أعاني من مشاكل وكثرة هموم، ولكن أهمها ظلم أمي الشديد لي منذ صغري الذي يكاد يصيبني بالجنون، والذي لا ذنب لي فيه مطلقا، ولكني صابر فإن الله مع الصابرين، ولكن مشكلتي هي أني حتى في منامي أحلم أنها تظلمني ولا تستمع لكلامي ودفاعي عن نفسي، فأرى أني أصرخ بشدة من القهر، وهي حتى لا تستمع لي، وعندما أستيقظ من النوم أجد أن حزن العالم جمع على صدري، بمعنى أني أشعر بحزن شديد جدا، لم أشعر به من قبل في أقصى درجات الحزن في اليقظة.
لا أستطيع الراحة والهرب من الواقع حتى في النوم، ومع كثرة مشاكلي فأنا دائما ما أرى في منامي ما أريد تحقيقه إلا مشاكلي مع أمي، فهي في المنام كما الواقع وأشد بكثير، فأنا أرى أحلاما فيها ظلم أمي لي، وصراخي الشديد لها في منامي، وعدم استماعها لي منذ سنين، فقد سبب لي هذا كآبة فأنا صابر على أمر الله في الواقع، ولكن أريد الراحة على الأقل في نومي.
مشكلة الحزن الناتج عن ظلمها لي في المنام أشد بكثير عن الحقيقة رغم معرفتي أنه ظلم فقط في المنام، ولكني أشعر بحزن شديد جدا يستمر لساعات بعد النهوض من النوم، فما الحل؟
علما بأن هذه الحالة أحيانا تحدث في نفس يوم المشكلة وأحيانا بعدها بأيام.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد جبريل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أخي الحبيب -في موقعك إسلام ويب، وإنه ليسرنا تواصلك معنا في كل وقت، ونسأل الله أن يفرج الكرب، وأن ينفس ما تعسر على البشر تنفيسه، وأن ييسر بقدرته ما كان عسيرا على خلقه، وأن يلهمك طريق الصواب، وأن يرشدك إلى الحق، وأن يأخذ بناصيتك إليه، وأما بخصوص ما تفضلت به فإنا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:
أولا: إننا نحمد الله إليك تدينك وحرصك على الحديث عن الصبر دليل على ذلك، وبحثك عن المخارج يدل على خير فيك، نسأل الله أن تكون أفضل مما نقول.
ثانيا: المنام الذي أرهقك والذي أظهر لك الوالدة بمثل هذه الصورة التي أضرتك هل مصدره الشيطان أم مصدره الرحمن؟ نريدك أن تجيب على هذا السؤال بينك وبين نفسك، إن أصل الحلم منك من الضغط النفسي المتولد من كثرة تفكيرك في طريقة معاملة الوالدة لك، ولكن الشيطان استغل هذا الحدث ليضخمه في منامك ويجعل منه مادة للصراع النفسي تغذيه بعض الأخطاء أو بعض التصورات.
ثالثا: هناك قطعيات في الحياة لابد أن تعيها يا أخي، وخذها منا واضحة ولا تغضب، لا يوجد على ظهر الأرض أحد يحبك كأمك، هي الوحيدة من بين أهل الأرض التي تتمنى نجاحك ولو كان في ذلك هلكتها، هو حب فطري يا أخي ليس لها من الأمر فيه شيء، هي من تحملتك ثقلا في بطنها تسعة أشهر، هي من تحملتك عامين كاملين، أو أقل، تأكل من طعامها من صدرها، هي من مسحت عنك الأذى وهي راضية، يا أخي انظر إلى أي امرأة تحمل رضيعها بين يديها وتذكر أنك كنت يوما ما مثل هذا الصغير.
الأم يا أخي هي أجمل ما في الحياة وأصدق من فيها بالنسبة لك، وللأسف يا أخي بعض الناس لا يدرك هذه الحقيقة إلا بعد وفاة أمه، فيظل متحسرا حياته كلها، نعرف شابا كان يكره والدته إلى حد أنه أراد يوما ضربها وطردها من بيتها، وعندما ماتت واكتشف هذه الحقيقة بكى بكاء الثكلى ونادى عليها صارخا: أمي ردي عليه فقط ، أريد أن أسمع منك كلمة يا ابني . لكن للأسف فات الوقت ، هذا الشاب يوميا منذ خمس سنوات يذهب إلى قبر أمه يبكى ويعود ، فالله الله يا أخي في أمك
رابعا: هناك فارق بين المحبة الفطرية التي تحدثنا عنها وبين الأخطاء، نعم قد تخطئ الوالدة فهي ليست معصومة، لكنها وإن أخطأت لا تفعل عن عمد، بل لا تتمنى لولدها إلا العافية.
خامسا: عمرك واحدا وعشرين عاما، وعليه فالأم الآن مقبلة على الخمسين أو كادت، أي أنها في ضعف تحتاج إلى من يساعدها ويساندها، وسؤالنا لك: هل ما ذكرته من أخطاء نابع من كثرة الضغوط عليها؟ هل حاولت أخي أن تكون معوانا لها لا معول عليها؟ الأم يا أخي تحتاج إلى سند لها خاصة في مثل هذا الوقت من العمر.
سادسا: أحيانا يأتي الشيطان على الإنسان مقتحما عليه باب الثوابت الفطرية التي لا تتزعزع؛ من أجل أن يجعل منه كيانا هشا لا يحسن أن يتخذ قرارا ولا أن ينجز شيئا، وقد أتاك الشيطان ليجعل من وجود أمك معك هما لا يكاد أن يطاق، ويجعل منها كابوسا لا يزاح؛ بدعوى السب أو سوء المعاملة أو ما شابه، وعوضا أن تفسر الأمر بالحب والحرص فسرته تفاسير أخرى أضرت بك وأساءت إلى أجمل عطاء أنعم الله به عليك بعد الإسلام، ولو قابلت من فقد أمه لعلمت ذلك جيدا، أمك أصدق حب لك من الشمس في رابعة النهار، حبها لك فطرة مجبولة عليها، هذه بدهيات لا تملك هي من أمرها شيئا، قد جبلها الله على ذلك، وقد أمرك الله ببرها، وشدد على إكرامها حتى لو كانت كافرة، حتى لو كانت تحرضك على الكفر بالله عز وجل: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا} فالله يوصيك -أخي- ببرها والإحسان إليها ببرها حتى وإن دفعتك للكفر.
سابعا: بر الوالدة حتى مع الإساءة واجب عليك؛ لأن البر أخي ليس مقرونا بإحسانها إليك ، بل هب أخي أنها مجنونة أليس واجبا عليك برها؟
أخي الحبيب: الحل في أمرين لا ثالث لهما:
1- إعادة النظر إلى أمك من منطلق أنها أم وأنها مصدر نجاتك في الدنيا والآخرة، وأن يكون هذا مقرونا بمساعدتها حتى تحظى بدعائها لك.
2- أن تقترب من الله أكثر، وألا تنام إلا على وضوء، وأن تقرأ أذكار النوم ومنها آية الكرسي.
وأخيرا : والدتك راحلة عنك يا أخي فاستثمر اليوم وجودها بين يديك.
نسأل الله أن يحفظك، وأن يحفظها، والله الموفق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة د. أحمد المحمدي استشاري العلاقات الأسرية والتربوية
وتليها إجابة د. محمد عبد العليم استشاري الطب النفسي وطب الإدمان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أرحب بك في الشبكة الإسلامية.
لا أظنك سوف تجد إجابة أفضل مما ذكره لك الدكتور أحمد المحمدي – حفظه الله - . خذ ما ذكره لك من نقاط وإرشادات، استوعب النقاط السبعة الواردة ثم ملحقاتها.
أيها الفاضل الكريم: هذا الذي تعاني منه هو نوع من الإسقاط – كما يسمونه في علوم النفس – بمعنى أنك تسقط غضبا معينا أو عدم رضى على والدتك، تسقطه على حياتك ونفسك مما ينعكس عليك في هذه المنامات الكاذبة. ولا تنس أن الأمر الفطري والجبلي هو أن والدتك تحبك، ولا شك في ذلك، لكن ربما تعبر عن هذا الحب في بعض الأحيان بطريقة خاطئة، تريدك أن تكون أفضل الناس في سلوكك وفي علمك وفي منهجك، لكنها ربما تأتيك من أبواب خاطئة.
فيا أيها الفاضل الكريم: غير منهجك، وغير طريقة تفكيرك حول والدتك، وفي ذات الوقت أريدك أن تراجع نفسك، سوء العلاقة هذا الذي بني بينك وبين والدتك – إن كان أصلا موجودا – لابد أن تكون لك مساهمات فيه، لا يمكن لمثل هذا التفكير السلبي عن أم حنون يأتي إلا إذا كانت هناك مساهمة سلبية من الابن.
أريدك إذا أن تكون على درجة عالية من الشفافية والإنصاف لك ولوالدتك، إن كان من جانبك هنالك أخطاء فيجب أن تصححها، وإن لم تكن هنالك أخطاء وتعتقد أن كل الخطأ من والدتك يجب أن تغير هذا المفهوم؛ لأنه ليس صحيحا.
وأريدك أن تتقرب إلى والدتك، أن تصل لها الحنان، وأن تصل لها البر، ودائما كن على هذا المنوال، أنا متأكد أن طريقتها في التعامل معك سوف تختلف تماما.
وبصفة عامة: اصرف اهتمامك عن هذا الموضوع، أي عن هذا التفكير السلبي، أنت الآن في سن تؤهلك؛ لأن تقوم بأشياء كثيرة في الحياة: أن تواصل تعليمك، أن تجتهد، أن تنتج، أن تكون شخصا فاعلا، أن تكون شخصا منتجا، أن تكون شخصا صالحا بكل معنى... هذا هو الذي يجب أن ينصب تفكيرك حوله، ولكن إذا حاصرت نفسك في هذا الدهليز الضيق حول ما أسميته بكراهية أمك لك ومعاملتها القاسية، هذا لن يجدي ولن يوصلك إلى نتائج مرجوة.
إذا غير مفاهيمك، كن بارا وودودا لوالدتك، وانطلق في الحياة بكل قوة وأمل ورجاء، واجعل لنفسك مستقبلا باهرا -إن شاء الله تعالى-.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.