هل الإلحاح في الدعاء لطلب أمر دنيوي إساءة أدب مع الله؟

0 92

السؤال

السلام عليكم

هل من إساءة الأدب مع الله سبحانه وتعالى أن نقصده بالدعاء لأمور في الدنيا، وأن نلح في الدعاء بها؟

سمعت أن علامة الإذن التيسير، فهل إن تعسر أمر لأعوام علينا أن نقبل إرادة الله ونتوقف عن تعيين الدعاء نفسه أم ندعو الله تعالى آملين بالإجابة؟

أي الخيارين أقرب للأدب مع الله؟ وهل هي فتنة أن نلح في الدعاء فتتعلق قلوبنا أكثر بما لم يكتب لنا من البداية؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ heba حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك في موقعنا، ونسأل الله أن ييسر أمرك، والجواب على ما ذكرت.

إن الدعاء عبادة عظيمة، قال تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ۚ إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) [ سورة غافر اية ٦٠ ].
عن النعمان بن بشير، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدعاء هو العبادة، قال ربكم :{ ادعوني أستجب لكم })، رواه أبو داود، وحتى يستجيب الله دعاءنا لا بد من تحقيق شروط الدعاء، من قوة الإيمان وحسن العبادة، والحذر من موانع الإجابة من التعجل في الإجابة، أو الدعاء بقلب غافل غير حاضر، أو أكل المال الحرام، ويمكن أن تراجعي كتب أهل العلم في ذلك.

أما مسألة دعاء الله في أمر دنيوي مباح فيه مصلحة لك فهذا جائز إن شاء الله، وليس في ذلك أي حرج من الدعاء به، ولو بشكل مستمر، فقد أثنى الله على عباده الذين جمعوا بين الدعاء بخيري الدنيا والآخرة، فقال تعالى: (ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) [ سورة البقرة اية ٢٠١ ].

سمعت أن علامه الإذن التيسير فهل إن تعسر أمر لأعوام علينا أن نقبل إراده الله ونتوقف عن تعيين الدعاء نفسه أم ندعو الله تعالى آملين بالإجابة؟

الجواب: عليك الاستمرار في الدعاء، لأننا لا نعلم متى يستجيب الله لنا، ثم إنه إذا لم يحصل إجابة الدعاء، فإن لك أجرا في الآخرة، ولك أيضا أن يصرف الله عنك سوءا كان يمكن أن يقع، ولكن صرفه عنك بسبب الدعاء، فعن أبي سعيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مسلم يدعو بدعوة، ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذن نكثر، قال: الله أكثر).

إذن استمري بالدعاء، كما قال الصحابة إذن نكثر، فقال صلى الله عليه وسلم" الله أكثر".

أما سؤالك وهل هي فتنة أن نلح في الدعاء فتتعلق قلوبنا أكثر بما لم يكتب لنا من البداية؟ فالجواب ليس فتنة أن نلح في الدعاء، لأن الإلحاح في الدعاء مما يحبه الله ويرضاه، وليس فيه اعتراض على القدر، بل هو إصرار على بلوغ المراد ضمن الأسباب المشروعة، والدعاء أحد هذه الأسباب، فهو من قضاء الله وقدره، قال ابن القيم: "ومن أنفع الأدوية: الإلحاح في الدعاء" وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل: يقول دعوت فلم يستجب لي) رواه البخاري ومسلم.

هناك أمر ينبغي التنبه له وهو أنه إذا لم يستجب الله لنا في أمر معين، وخاصة إذا كان من أمور الدنيا الفانية، فيجوز لنا ترك الدعاء ولا نستمر فيه، ولنا أسوة في الأنبياء، فيقول ابن الجوزي: "من الجهل أن يخفى على الإنسان مراد التكليف، فإنه موضوع على عكس الأغراض، فينبغي للعاقل أن يأنس بانعكاس الأغراض، فإن دعا وسأل بلوغ غرض، تعبد الله بالدعاء: فإن أعطي مراده، شكر، وإن لم ينل مراده فلا ينبغي أن يلح في الطلب؛ لأن الدنيا ليست لبلوغ الأغراض، وليقل لنفسه (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم) البقرة/216، ومن أعظم الجهل أن يمتعض في باطنه لانعكاس أغراضه، وربما اعترض في الباطن، أو ربما قال: حصول غرضي لا يضر، ودعائي لم يستجب، وهذا كله دليل على جهله وقلة إيمانه وتسليمه للحكمة، ومن الذي حصل له غرض ثم لم يكدر؟! هذا آدم، طاب عيشه في الجنة، وأخرج منها، ونوح سأل في ابنه فلم يعط مراده، والخليل ابتلي بالنار، وإسحاق بالذبح، ويعقوب بفقد الولد، ويوسف بمجاهدة الهوى، وأيوب بالبلاء، وداود وسليمان بالفتنة، وجميع الأنبياء على هذا.

أما ما لقي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الجوع والأذى وكدر العيش فمعلوم، فالدنيا وضعت للبلاء، فينبغي للعاقل أن يوطن نفسه على الصبر، وأن يعلم أن ما حصل من المراد فلطف، وما لم يحصل فعلى أصل الخلق والجبلة للدنيا، كما قيل:
طبعت على كدر وأنت تريدها ** صفوا من الأقذاء والأكدار".

وفقك الله لمرضاته.

مواد ذات صلة

الاستشارات