السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة، عمري 22 سنة، مشكلتي بدأت بعد البلوغ، حيث أصبحت أخجل كثيرا وخاصة داخل قاعة الدرس، أخجل عندما أتحدث أو أجيب، رغم أنني كنت متفوقة -الحمد لله-، ولكن زال هذا الخجل في الثانوي؛ لأنني وجدت أساتذة يثقون بي ويحبونني عن بقية الطلبة، حتى مدير المعهد كان يشجعني كثيرا، ويدافع عني لأنني ألبس النقاب -والحمد لله- أتممت الثانوي بامتياز.
في الجامعة عاد لي نفس الشعور بالخجل رغم أنني أدرس في جامعة علوم شرعية، فكنت لا أتكلم أبدا، وأخاف من تقديم البحوث، وكنت أصدم كل من حولي في الامتحانات، لأني الحمد لله كنت دائما الأولى.
وعندي مشكلة أخرى مع الناس، هي أنه عندما يؤذيني أحد لا أرد عليه، وأدفن إهانته داخلي، ولا أرد عليه، ولكن عندما يصدر مني أمر يزعج أحدا يصبح يتحدث عني وكأنه ملاك، أغضب في داخلي وأصبحت أتحدث مع نفسي، وأريد الرد عليه، ولكن لا أقول شيئا له، كما أنه إذا أحضر لي أحد من الأشخاص شيئا أفرح به ولو كان بسيطا جدا، ولو كنت أعلم أنه لم يكلفه شيئا، حتى ولو لم يعجبني أحاول أن لا أجرح مشاعر أحد، لكن من حولي إذا قدمت لهم شيئا بسيطا يسخرون مني فورا، ويمنون علي ببعض الأشياء.
كما أنني أخاف من الزواج، وأشعر أن حياتي بعده قد تؤول إلى الجحيم، آسفة على الإطالة لكن نفسيتي تعبت من البشر، وبارك الله فيكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ مسلمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول:
الحياء خير كله، وهو شعبة من الإيمان، وإن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت، فالحياء خلق عظيم والمتصف به ممدوح غير مذموم، وأفضل ما تتجمل به المرأة بعد العفاف الحياء، فلا خير في امرأة وقحة تضحك مع الرجال وتتحدث وكأنها منهم.
من صفاء نفسك قبول أي شيء من الناس وفرحك بذلك، ومن صفاتك الجميلة حفاظك على مشاعر الآخرين وخوفك أن تنجرح، تعاملي مع الناس بأخلاقك لا بأخلاقهم، ولا تنتظري منهم أن يعاملوك بأخلاقك، فكل إناء بالذي فيه ينضح، وعليك أن تتحملي سلوكيات الناس، ففي الحديث الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم.
إذا أهديت للناس شيئا فأظهري كرمك، وإن أهدي إليك فتقبلي ذلك ولو كان يسير، وأظهري الفرح، وأكثري للشخص من الدعاء فتلك هي أخلاق الكبار، وقد من أخلاق رسولنا الكرم عليه الصلاة والسلام أنه لو أهدي له كراع لقبله، والكراع هو العظم الذي أسفل يد البهيمة.
عدم ردك على من أساء إليك وغضك لطرفك عن إساءتهم إليك من الأخلاق الفاضلة، فخلق التغافل من أعظم الأخلاق، وقل من يتصف به في هذا الزمان، ولقد كان من أخلاق الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم يقول الله عن نبيه -صلى الله عليه وسلم-: ( وإذ أسر النبي إلىٰ بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض)، فلقد تغافل عليه الصلاة والسلام عن بعض تصرفات زوجته، وهذا يوسف عليه السلام حين قال إخوته: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل)، قال الله عنه: (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم) ولم يبدها لهم أي تغافل عنها فلم يذكرها، قال عمرو بن عثمان المكي: المروءة التغافل عن زلل الإخوان، وعن أبي بكر بن أبي الدنيا أن محمد بن عبد الله الخزاعي قال: سمعت عثمان بن زائدة يقول: العافية عشرة أجزاء تسعة منها في التغافل. قال: فحدثت به أحمد بن حنبل فقال: العافية عشرة أجزاء كلها في التغافل.
تعاملي مع السلوكيات السلبية بإيجابية وتقبليها، وانظري إليها من منظور آخر، فالرقم سبعة يمكن أن تنظري له من زاوية أخرى وتقرئيه ثمانية، والصفر الذي على الشمال الذي ليس له قيمة ينظر إليها الشخص المقابل لك على أن له قيمة فأنت تقرئين هذا الرقم (01) واحد والشخص المقابل لك يقرؤه عشرة فعودا، ومن هنا ستتعودين على إعذار من حولك، ولن تحملي في قلبك أي بغض لأحد.
من خلال نظري في بعض صفاتك الظاهرة في استشارتك، أعتقد أنك ستكونين من أفضل الناجحات في الحياة الزوجية فلا تتردي في ذلك أبدا، وعليك أن تتيقني من توفر الصفات التي ينبغي أن تتوفر في شريك الحياة وأهم ذلك كما أرشدنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن يكون صاحب دين وخلق، يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، فالدين والخلق صفتان متلازمتان لا تنفكان أبدا، وهما صمام أمان للحياة الزوجية السعيدة، وصاحب الدين والخلق إن أحب زوجته أكرمها، وإن كرهها سرحها بإحسان.
نسعد بتواصلك، ونسأل الله لك التوفيق.