السؤال
السلام عليكم.
أنا أكبر أخواتي، وعلاقتي بأمي ليست عميقة، ومنذ الصغر وأنا أتخذ قراراتي بنفسي، وليس لدي أحد من الأقارب أخبره بمشاكلي، وإن فعلت فإني أندم على ذلك، فأنا لا أريد أن أظهر بصورة الضعيفة.
أثق جدا في قراراتي حتى وإن كانت خاطئة، وأرفض النصيحة من أحد خصوصا الغرباء، مثلا إن قابلت شخصا بالصدفة في السوق أو المستشفى أو أي مكان، ونصحني بشيء فإني أغضب جدا، ولا أتقبل النصيحة، وينقلب الأمر إلى عناد، وأرى أني لم أفعل شيئا خاطئا، وأن الذي نصحني ليس له أي حق في التدخل في حياتي.
هذا الموضوع بدأ يشككني في نفسي وقراراتي وسلوكياتي، علما أني ناجحة في أغلب أمور حياتي، لكن مشكلتي أني أفسر النصيحة على أنها انتقاد، وأستمر في تذكرها مدة طويلة، وأتضايق منها جدا، فماذا أفعل لأتجاوز هذا الموضوع وأتقبل النصيحة بكل حب؟
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ خلود حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول:
- ليست كل قرارات الإنسان صائبة مهما كانت قدراته، ولذلك فالعالم كله على مستوى الفرد والجماعات والمؤسسات بل والدول مفتقرة للاستشارات، وما لم يعمل بتلك الاستشارات فما الفائدة منها؟
- لقد أسس ديننا هذا الأمر وجعل الشورى والتشاور ركيزة من ركائز المسلمين، فقال الله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (فبما رحمة من الله لنت لهم ۖ ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ۖ فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر ۖ فإذا عزمت فتوكل على الله ۚ إن الله يحب المتوكلين) وقال: (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورىٰ بينهم ومما رزقناهم ينفقون).
- لقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام يستشير أصحابه في كل القضايا الهامة، بل ربما تراجع عن قراره وأخذ برأي بعض الصحابة كما حصل في غزوة بدر حين نزل النبي -صلى الله عليه وسلم- عند أقرب بئر للماء، فقال الحباب بن المنذر بن الجموح: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه، ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم، فننزله، ثم نغور ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لقد أشرت بالرأي، فنهض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن معه من الناس، فسار حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه، ثم أمر بالقلب فغورت، وبنى حوضا على القليب الذي نزل عليه، فملئ ماء، ثم قذفوا فيه الآنية، فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يوحى إليه من ربه يقبل مشورة أحد أصحابه.
- من القواعد المهمة في حياة الإنسان أن يستشير أصحاب الخبرة والرأي والتجربة، وليس في ذلك عيب ولا يعتبر نقصا في شخصية الإنسان، بل إن ذلك ينبأ عن رجاحة عقله، لأن من السفه أن يعتمد على قراراته في كل أمر، ولذلك يقال في المثل: (ما خاب من استخار ولا ندم من استشار).
- كان العقلاء قديما ولا يزالون يقولون رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطا يحتمل الصواب، فلا ينبغي أن تعاندي من يحاول نصحك، ولكن عليك أن تتفهمي مقصده وخاصة المحبين لك فإنهم لا يريدون إلا مصلحتك.
- قد يكون قرارك صائبا ولكن المشورة أصوب فلم تستنكفي عن قبولها إن كانت كذلك؟! فمثلا لو أن شخصا ذهب إلى طبيب عام من أجل علاج مرض في الكبد فهذا شيء طيب، ولكن أشار عليه بعض الناس أن يذهب للمختص في أمراض الكبد فذلك أصوب؛ لأنه تخصص أدق، فليس عيبا أن يقبل المشورة بل الواجب كذلك.
النصيحة ليست نقدا، بل النقد منه ما هو نقد بناء ويجب تقبله بصدر رحب، فالمؤمن مرآة أخيه كما يقال، والمؤمنون فيما بينهم نصحة والمنافقون غششة.
- عليك أن تحسني الظن بالآخرين ولا تسيئي الظن بهم فإساءة الظن قد تتسبب بما تفسرين به النصيحة.
- لقد وهبك الله عقلا تفكرين به وتوازنين بين الأمور فتعرفين الحسن من القبيح والصحيح من الفاسد، ولا يلزم أن تتقبلي كل ما يقال لك، لكن عليك أن تشكري كل من يقدم لك النصح حتى ولو كان مخطئا؛ لأنه كان يقصد مصلحتك وإن أخطأ فمقصده يشفع له.
آمل أن يكون ما ذكرته لك عونا على اجتياز ما تشعرين به تجاه النصيحة، وأسأل الله تعالى لك التوفيق.