السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في الواقع هذه المشكلة في أخي - 21 عاما طالب بهندسة القاهرة - ليست في أنا، والحال أن الله تعالى قد من علي أنا وأخي بالالتزام والتمسك بدينه الإسلام منذ ما يقرب من عام تقريبا، ولكن المشكلة تكمن في أن أخي كثيرا ما يشعر بالضيق والاكتئاب؛ فيشعر أنه مقيد ومكبل ليس حر التصرفات كما كان من قبل، فمثلا لا يستطيع أن يشاهد التلفاز والأفلام أو اللعب كثيرا على الكمبيوتر لما في ذلك من فتن ومضيعة للوقت؛ لذلك فإنه يشعر بالضيق والاكتئاب.
هذا غير أنه عندما يسمع من سير الصحابة والتابعين والصالحين، فإن ذلك بدلا من أن يعلي من همته ويرقي من نفسه إلا أنه يعود عليه بالإحباط واليأس ويقول لي: أي درجات الجنة ننالها بعد هؤلاء بما فعلوه؟ وقد حاورته كثيرا في ذلك، لكني لم أفلح! فبالله عليكم حاولوا أن تساعدوني وأخي، بارك الله فيكم وجزاكم عنا كل خير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ العزيز/ خادم الدعوة حفظه الله!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
فنسأل الله العظيم أن يعينكما على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يلهمنا الرشاد والسداد.
فهنيئا لك بهداية الله وتوفيقه، وحق لنا أن نفخر بشباب يحرص على السؤال ويرغب في بلوغ الكمال، وأرجو أن تعلم أن من تمام التوبة وكمالها هجران بيئة المعاصي والتخلص من رفاق السوء، والاجتهاد في اكتساب الحسنات الماحية ((إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين))[هود:114] مع ضرورة أن تكون هذه العودة خالصة لله؛ لأنه ما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل.
وإذا استطاع الإنسان أن يستبدل رفاق السوء بجلساء صالحين فإنه ما أعطي المسلم بعد الإيمان عطاء أفضل من صديق صالح يذكره بالله إذا نسي ويعينه على طاعة الله إن ذكر، فإن ذلك مما يعينه على الثبات والاستمرار.
ولا ينال الإنسان الحرية الحقة إلا بكمال العبودية؛ فالذي لا يطيع الله عبد للشهوة والشهرة والناس وغير ذلك من الأصنام والأوثان، بل فيهم من هو عبد للهوى وذلك هو الهوان، وأحسن من قال:
إن الهوان هو الهوى قلب اسمه .. ... .. فإذا هويت فقد لقيت هوانا
فليس صحيحا أن الطاعة تكبل الإنسان، ولكن القيود والكآبة والهموم مرتبطة بكثرة الذنوب، فإن للمعصية ضيقا في الصدر وظلمة في الوجه وبغضة في قلوب الخلق، قال تعالى: ((ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق))[الحج:31] وقال تعالى: ((ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء))[الأنعام:125].
والإنسان مسئول عن لحظات العمر وهي أغلى ما يملك الإنسان (ولا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع وفيها: وعن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه...)، وإذا شعر المسلم بالضيق فعليه أن يكثر من تلاوة القرآن وذكر الرحمن، وخاصة أذكار الصباح والمساء والاستغفار والصلاة والسلام على النبي المختار.
كما أرجو أن يتذكر أن الشيطان لا يرضى بتوبتنا ورجوعنا إلى الله، ولذلك فهو يحاول أن يفتننا؛ فعلى هذا الأخ أن يشغل نفسه بالمفيد ويتجنب الوحدة؛ فإن الشيطان مع الواحد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
وإذا سمع الإنسان سيرة السلف فعليه أن يتأسى بهم ويملأ قلبه بحبهم والدعاء لهم، ولابد أن نعرف أن للصالحين المصلحين في آخر الزمان فضل عظيم؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "للعامل منهم أجر خمسين" فقال الصحابة: يا رسول الله، أجر خمسين منا أم منهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بل منكم"، فتأمل هذا الفضل العظيم لمن تمسك بدينه في زمن الفتن والشهوات، وهذه هي الغربة وطوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس.
والله الموفق.