الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أقدم النصيحة لمعلمتي بطريقة مقبولة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لي 3 استفسارت مترابطة، أرجو الإجابة عليها.

أنا طالبة في المرحلة الثانوية، أبلغ من العمر 19 سنة، والنية هي نفع الأمة، وأنا مقبلة على الإجازة، والسند الغيبي في القرآن.

1- عندما بدأت الحفظ بنية الوصول للسند الغيبي، دعوت الله أن يكافئني مقابل ذلك، ويرزقني زوجًا صالحًا كما يتمناه قلبي، فهل تصح هذه الدعوة؟ وهل فيها نوع من سوء الأدب مع الله؟

2- كما سبق وتحدثت أن نيتي نفع الأمة، ولكني عندما أشاهد أحوال المسلمين تأتيني طاقة شديدة، وتفكير زائد بطرق نفع الأمة، وهذا التفكير يعطل دراستي كثيرًا، علمًا أني في سنة مصيرية، فكيف أردع هذا التفكير؟

3- في المدرسة التي أدرس بها هنالك معلمة لمادة التربية الإسلامية، لا تتحلى أبدًا بأخلاق المعلمة، فلباسها قصير، وتتلفظ بكلمات بذيئة، وتضع المكياج، ودائمًا تتحدث بأمور خاطئة عن الدين، حتى أنها وصلت لدرجة التطاول على الذات الإلهية، وفسرت آية {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}، على أن الله يخشى من العلماء، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا!!

كتبت لها رسالة أُذكرها بعذاب الله، وذكرت لها عيوبها، وأعترف أني قسوت بالكلام، فجاءت تخبرني أنها قادرة على أن تشكوني، فقلت لها: افعلي ما شئت، كفى بالله شهيدًا، قالت: إنها لن تتخذ أي إجراء، لكنها ستحتفظ بالورقة.

أوجست في نفسي خيفة منها، وهي ازدادت تبرجًا، وضيقت ثيابها أكثر بكل وقاحة، وكنت قبل أن أنصحها قد ذهبت لأحد مراكز الإدارة لأشتكي عليها، ووعدونا خيرًا، لكن لا يوجد أي إجابة منهم، والمشكلة أن الفتيات يقتدين بها، فهي تنتف حواجبها، وأباحت ذلك للجميع، وتقول: أنا سأحمل وزرهم إن كان النتف حرامًا!

فكيف أتعامل معها؟ وأصبر عليها؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ زينب حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك مجددًا في استشارات اسلام ويب.

قرأت سؤالك كلمة كلمة، وسألخص لك الجواب عن هذه الأسئلة كلها في النقاط الآتية:

أولًا: كونك تقصدين بحفظك للقرآن ثواب الله تعالى، ومنه الثواب الدنيوي، بأن يرزقك زوجًا صالحًا، ليس في هذا أي إساءة في الأدب مع الله تعالى، فإن المؤمن يعمل وهو يرجو ثواب الله تعالى العاجل والآجل، كما قال الله -سبحانه وتعالى-: {من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة}، ولا حرج على الإنسان في أن يبتغي ثواب الله تعالى العاجل، مع رغبته في نيل ثواب الآخرة، وكما قال الله تعالى عن الحج: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلًا من ربكم}، ومن ثّم فلا ينبغي لك الانشغال بهذا النوع من الأفكار، وجاهدي نفسك على إخلاص العمل لله تعالى، وإرادة وجه الكريم سبحانه وتعالى، وإرادة ثوابه وخيره العاجل والآجل.

وأما السؤال الثاني: فنصيحتنا لكِ أن تجتهدي في الاشتغال بما ينفعك وينفع من حولكِ في حدود طاقتك وقدراتك، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز"، فهذه وصية عظيمة فيها الإرشاد إلى تحصيل الشيء النافع، واستفراغ الوسع والجهد، وعدم الركون إلى الكسل والدعة، ولكن ينبغي أن يكون كل ذلك في حدود القدرة، والاستطاعة، والشاعر يقول:
إذا لم تستطع شيئًا فدعه .. وجاوزه إلى ما تستطيعُ.

ينبغي للإنسان المسلم أن يكون واقعيًا، بمعنى أن يتفاعل ويتعامل مع الواقع الذي هو فيه، وبحدود القدرة، وأن لا يضيع أوقات أعماره بمجرد الخيال والتفكير.

وأما السؤال الثالث: فنصيحتنا لكِ أن تحسني التعامل مع هذه المعلمة، وأن تصبري على أذيتها، وما ذكرتِه أنت من مخالفات لها، نظن أنها لو نُصحت ونُوقشت بأدب وإحسان في العبارة، فإنها قد تتراجع أو قد تستحي، فلا تجهر أو تعاند، بينما الإساءة إليها، والاستفزاز لها قد يؤدي بها إلى العناد أو الزيادة، ونحن مأمورون بأن ندعو إلى الله تعالى بأحسن الأساليب وأفضل السبل، كما قال الله -عز وجل-: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}، وأنت في هذا المقام ليس لك إلا الموعظة الحسنة والنصح، وربما إذا أظهرت لها الأدب، فقد تتجاوب مع كلامك بطريقة أفضل مما لو تعاملت معها بعبارة قاسية، أو غير ذلك مما وصفت في كلامك.

وأما تفسيرها للآية القرآنية، فإن كانت تفعل ذلك، لأن بعض المفسرين، أو بعض العلماء فسرها على ذلك النحو، فهذا كلام محتمل وقريب، ويقبل منها، وليس المعنى أن الله تعالى يخاف من العلماء، وإنما معنى أن الله تعالى يُعظمهم، لما هم عليه من الطاعة والعبادة، وهذا المعنى قد قاله بعض المفسرين، وليس محل إنكار بالمطلق.

بل ينبغي أن يستفسر عن ماذا تريد هي بهذا القول، ولماذا قالته؟ وكونها قابلت تصرفك السابق بعدم التصعيد، وعدم اللجوء إلى الجهات المعنية لاتخاذ إجراء ضدك، هذا يدل على أنها لا تريد الشر الكامل، فينبغي أن تستفيدي مما لديها من اللين، وتحاولي أن تغيري الأسلوب، وتبيني لها أنك ربما قد انفعلت في المرات السابقة، وفعلتِ ما كان ينبغي أن تفعلي خلافه، ولكن الدافع لذلك هو الحرص على مصلحتها وحب الخير لها، وهذا النوع من الكلام ربما يكون فيه استمالة إلى قلبها بشكل أفضل.

فإن لم تستجب لكل ذلك؛ تكونين قد أديت ما عليك من النصح والوعظ بالطريقة الجميلة الحسنة، ودعي بعد ذلك الأمور لله سبحانه وتعالى أولًا، ثم لمن يستطيع الإنكار عليها بطريقة أفضل.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات