السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا متزوج منذ 6 سنوات، وبيتنا لا يخلو من المشاكل الزوجية، أعترف بالضرب لزوجتي من ناحيتي، وذلك لنشوزها، وعدم احترامي، والخروج عن طاعتي، كل ذلك سبب لي المشاكل، كنا في السابق عندما تكون هناك مشكلة نحلها بيننا، ويكون الود بيننا على أكمل وجه، ومنذ حوالي شهر بدأت المشاكل، وذلك عندما أرادت زوجتي الذهاب إلى إحدى بيوت العائلة لوجود عزيمة دون توجيه الدعوة لها، فرفضت ذهابها لكثرة خروجها مع صديقاتها والذهاب لأهلها بشكل شبه يومي، وهي لا تسمع الكلام، ولا تقوم بواجبات الزوجة، وهو عدم القيام بعمل الطعام لي، أو عدم انتظاري على الغداء، وعدم الاهتمام بي أبدا، فقامت وطلبت الطلاق مني، فلم أتكلم لأني لا أريد تكبير الموضوع، بعد يومين قامت بحمل أغراضها والذهاب إلى أهلها دون علمي، وفوق كل هذا قمت بالذهاب لإصلاح الأمور فلم تتقبل مني الحضور، ورفضت العودة معي، وطلبت الطلاق، وقد أرسلت أحد المشايخ لحل المشكلة، وبعد الاتصال عليها رفضت الكلام وأصرت على الطلاق.
بالأمس ذهبت وقمت بإعطاء والدتها مصروفا لها ولابنتي، فقالت أمها: هي لا تريدك أن تعطيها مصروفا، فرفضت لأني أرضي ربي قبل كل شيء.
أرجو منكم الدعاء لي ولزوجتي، وحل مشكلتي، حتى لا أقوم بعمل أندم عليه.
اللهم يا جامع الناس في يوم لا ريب فيه اجمعني وزوجتي على خير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ العزيز/ حفظه الله!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
فنسأل الله العظيم أن يغفر الذنوب ويؤلف القلوب وأن يعيننا جميعا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
إن الإسلام يبني الحياة الزوجية على حسن المعاشرة والمودة والرحمة، ويدخل في حسن المعاشرة احتمال الأذى وبذل الندى وكف الأذى، وقد أحسن أبو الدرداء عندما قال لزوجته: "إذا غضبت فرضيني، وإذا غضبت رضيتك وإلا لم نصطحب"، وقد أحسنتم بحل المشاكل بينكم لأن هذا هو الصواب الذي ينبغي أن تستمرا عليه، فإن المشاكل إذا خرجت تصعب السيطرة على الوضع لكثرة التدخلات.
وأرجو أن تعرف أن هذا الدين ما ترك خيرا إلا ودلنا عليه، ولا ترك شرا إلا وحذرنا ونهانا عنه، وقد رسم الإسلام منهاجا عظيما للحياة الزوجية تقوم على حقوق مشتركة، وحقوق للزوجة وحقوق للزوج، والمسلم يؤدي ما عليه من واجبات أولا ثم يسأل عن الحقوق.
ولابد من التفاهم والتناصح عند حدوث الأزمات، وعلينا أن نتذكر أن الشيطان يفرح بخراب البيوت وحدوث الفراق؛ لأن هذا يؤدي إلى ضياع الذرية وانتشار الغيبة والنميمة والكراهية، وقد عالج الإسلام شبح الطلاق ووضع منهجا محكما لعلاج النشوز فقال تعالى: (( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا ))[النساء:34].
فإذا حصل النشوز وهو الارتفاع والتعالي والخروج عن طاعة الزوج، فإننا نبدأ بوعظ الزوجة بلطف وحكمة وتذكير بالعواقب، مع ضرورة أن يقدر الرجل الظروف التي حدث فيها هذا النشوز؛ فإن المرأة تمر بظروف نفسية عصيبة في أيام حملها الأول وفي أيام حيضها ونفاسها، مع حرصنا على أن نختار للوعظ وقته المناسب وأسلوبه المناسب، ونحرص على مدخل حسن نذكر فيه المرأة بما كانت عليه من الخير، ونخوفها بالله إن هي خالفت وتمردت على زوجها؛ لأن طاعة الزوج في المعروف من طاعة الله، فإذا لم ينفع هذا العلاج فإننا نلجأ للخطوة الثانية وهي الهجران في المضجع، وليس عن المضجع، فالمطلوب أن يكون معها على الفراش ويعطيها ظهره، وبذلك تدرك المرأة أن تطورات الأمور سوف لا تكون في صالحها، ومن فوائد الهجر أنه يفسد للمرأة أقوى أسلحتها التي تستخدمها في العناد وهو سلاح الإغراء؛ فإذا علمت أن غضب الرجل وصل لدرجة أصبح لا يلتفت معه إلى جمالها ورقتها فعند ذلك سوف تراجع نفسها.
وإذا لم ينفع الهجر فإننا نأتي للوسيلة الثالثة وهي الضرب، وليس القصد منه الأذى، ولكن الهدف منه التأديب والتنبيه لخطورة الطريق الذي تسير فيه المرأة، وفي الضرب دليل على حرص الزوج على استمرار الحياة مع هذه الزوجة، وفيه كسر لتكبرها، وهذا من إعجاز الشريعة؛ فإن من النساء من تربت على الضرب ولا تفهم إلا هذا العلاج، ومن النساء من لا تقيم لزوجها وزنا ولا تحفظ له هيبة؛ فإذا عاقبها بضرب غير مبرح أدركت أنها أمام رجل له قوته وشخصيته، والشريعة عندما أباحت الضرب أرادت أن يكون علاجا متأخرا وحددت مقداره، واشترطت أن يتفادى الضارب المواطن الحساسة، وأن يكون القصد من ورائه التأديب لا الانتقام.
وإذا لم تنفع هذه الوسائل كلها فإننا نقف مع أنفسنا وننظر إلى أطفالنا وإلى مصالحهم، ونحاول أن نتذكر الجوانب الإيجابية في كل طرف قبل أن ننظر إلى السلبيات، فإذا غلبت الحسنات - ولابد أن تغلب – كان في ذلك عون على الصبر والاحتمال حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
ولا شك أن السنوات الأولى في الحياة الزوجية تحتاج إلى صبر وتحمل حتى يأخذ كل طرف على صاحبه ويعتاده، ونحن لا نوافقك على كثرة الضرب ولا على اللجوء إليه قبل تجربة الحلول المذكورة أعلاه، مع ضرورة أن يعرف الإنسان آثار الضرب؛ فقد لا ينفع مع بعض النساء، ومن الضروري أن يكون الضرب بعيدا عن الأطفال أو الجيران.
والمرأة لا تخرج وزوجها حاضر إلا بإذنه، ومن واجب الرجل أن يحسن استخدام هذا الحق، فلا يبالغ في منعها من الخروج، ولا يحرمها من أشياء تعلقت بها، ولا يتخذ معها أسلوب العناد؛ فإن الشيطان يدفعها للرفض، ولا يمنعها من الخروج لأنها لم تعد طعام الإفطار مثلا، ولكن علينا أن نتحاور بهدوء بعد كل موقف، ولا تجعل المشاكل تتراكم حتى لا يحدث الانفجار.
وقد أحسنت التصرف عندما لم ترد على طلبها للطلاق، وهنا تتجلى عظمة هذا الدين الذي جعل هذا الحق بيد الرجل لأنه يتصرف بالعقل، والأنثى تحكمها العاطفة، ولو كان الطلاق بيد الأنثى لحدث في اليوم مرارا، وإذا خرجت المرأة من بيت زوجها دون أن يخرجها أو يقصر في حقها، فالصواب أن ينتظر الرجل قليلا ولا يتعجل الذهاب إليها؛ لأن هذه مرحلة مهمة في العلاج؛ فإن المرأة لا تجد راحتها إلا في بيتها، فإذا ذهبت إلى منزل أبيها أحست بالفراق واشتاقت إلى العطف ورددت في نفسها: وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر! ونفس الأمر يحدث للرجل الذي يدخل إلى بيته، فيجد الأوضاع لا تسر، وعند ذلك يردد في نفسه قائلا: "هذه الزوجة مع مشاكلها فأنا لا أصبر على فراقها"!
ويفضل بعد هذه المرحلة أن يدخل الحكمان، قال تعالى: (( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ))[النساء:35]، ونلاحظ أن القرآن لم يقل رجلا، وإنما قال حكما ليكون عدلا عالما أمينا تقيا، وقال: (من أهلها...) ليكون أحرص على الستر وأقدر على الكتمان، وحدد القرآن المهمة بإشارة لطيفة فقال: (إن يريدا إصلاحا).
وأنت تشكر على حسن إدارتك لهذه الأزمة، ونوصيك بمزيد من الصبر وإظهار النوايا الحسنة حرصا على مصلحة بيتك ورغبة في صيانة منزلك؛ فإن الطلاق هو آخر علاج وهو بيدك فلا تتعجل، والصواب أن تتريث قليلا حتى تهدأ الأمور وتلتزم بالواجب عليك تجاه أسرتك، ولا تستمع لكلام من يحرضك، وأرجو أن تحمل الزوجة نفس المشاعر، وإذا قدم كل طرف شيئا من التنازلات فإن الاتفاق وشيك، ولن يجد الرجل امرأة بلا مشاكل، ولن تجد المرأة مثل والد أطفالها وحبيبها الأول.
ونسأل الله أن يغفر الذنوب ويؤلف القلوب، ونوصيك بتقوى الله وطاعته والإكثار من الاستغفار، وعليك باللجوء إلى من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء.
والله الموفق.