كيف أصل إلى اليقين عندما أدعو الله؟

0 48

السؤال

السلام عليكم.

كيف أصل إلى اليقين عندما أدعو الله؟!
لم أذكر أني دعوت الله وكان قد استجاب لي إلا في أمور قليلة، ولا أستطيع الجزم أني كنت سعيدة فيها، وحتى تمنيت لو أنها لم تحصل، أرجو أن لا يكون سؤالي يغضب الله -جل وعلا- ولكن أريد أن أفهم فقط.

أفكر دائما عن سبب عيشي في تعاسة، لا أجد سبب سوى ذنوبي وسببها الأخطاء التي أرتكبها، ثم أعود وأفكر هل كنت أرتكب الأخطاء التي تزيد من ذنوبي عندما كنت طفلة؟! لماذا عشت طفولة سيئة إذا؟! لا أجد إجابة! أين العدل إذا؟!

إن كان من يعيش في سعادة هو في اختبار، وأنا التي أعيش في تعاسة أيضا في اختبار، فلماذا لم أكن مع الذين ينعمون في سعادة ويخوضون هذا الاختبار؟ أين العدل؟

أرجو من القارئ أن لا يضع في رأسه فكرة أن هذه الفتاه التي تتحدث لا تعرف الله، فأنا أكافح حتى أرضيه، ووحده -جل وعلا- يعلم ما بداخلي من حب له، أنا أعلم جيدا أن الدين الإسلامي يستطيع أن يجيب على كل الأسئلة، لكني في الحقيقة لا أجد الشخص الذي يستطيع أن يجيب على كثير من أسئلتي فأنا حتى لا أسطيع فهم معنا " القضاء والقدر"..

لا أدري حتى إن كان سؤالي عن كيفية الوصول لليقين عند الدعاء سيكون هذا حلا أم لا، إن كان هو الحل فأرجو أن تجيبوا عليه وإن لم يكن فما هو إذا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ وردة النرجس الحمراء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فعلا عندك مشكلة في فهم معنى القضاء والقدر واستشكالاتك ناتجة عنها، وتحتاجين إلى تبسيط لهذا الركن العظيم من أركان الإيمان؛ حتى تفهميه، فنقول:

اعلمي وفقك الله أن حقيقة الإيمان بالقضاء والقدر هي: التصديق الجازم بأن كل ما يقع في هذا الكون فهو بتقدير الله تعالى، قال سبحانه:﴿إنا كل شيء خلقناه بقدر﴾.[القمر: 49].

وأن القدر سر الله في خلقه، فما بينه لنا علمناه وآمنا به، وما غاب عنا سلمنا به وآمنا، وألا ننازع الله في أفعاله وأحكامه بعقولنا القاصرة وأفهامنا الضعيفة، بل نؤمن بعدل الله التام وحكمته البالغة، وأنه لا يسأل عما يفعل سبحانه، قال سبحانه: ﴿لا يسأل عما يفعل وهم يسألون﴾ [الأنبياء: 23].

إن الإيمان بالقدر هو المحك الحقيقي لمدى الإيمان بالله تعالى على الوجه الصحيح، وهو الاختبار القوي لمدى معرفة الإنسان بربه تعالى، وما يترتب على هذه المعرفة من يقين صادق بالله، وبما يجب له من صفات الجلال والكمال، وذلك لأن القدر فيه من التساؤلات والاستفهامات الكثيرة لمن أطلق لعقله المحدود العنان فيها لذا جاءت النصيحة والتوجيه النبوي بعدم الخوض فيما لا يعلم الإنسان، فقد روى أحمد وغيره من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم والناس يتكلمون في القدر، قال: وكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب قال: فقال لهم: (ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض؟ بهذا هلك من كان قبلكم).!.

قال عبد الله بن عمرو: فما غبطت نفسي بمجلس فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم أشهده بما غبطت نفسي بذلك المجلس أني لم أشهده. إسناده صحيح.

وروى الطبراني من حديث ثوبان عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكر النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا) إسناده حسن .

والمقصود بذلك كونه سبحانه وتعالى أضل وهدى، وأمات وأحيا، ومنع وأعطى، وقسم ذلك بين عباده بقدرته ومشيئته النافذة، فمحاولة معرفة سر الله في ذلك لا تجوز؛ لأن الله حجب علمها حتى عن أقرب المقربين.!!

وبناء على ذلك محاولة معرفة لماذا خلق الله فلان سعيدا وفلان شقيا، وأن هذا ليس من العدل، خوض فيما لا يجوز لك الخوض فيه؛ لقصر علم الإنسان بحكمة الله تعالى، وتجاوزه لحدود الأدب مع خالقه ومالكه والمتصرف فيه سبحانه.

وعلى الإنسان الذي يحب الله وبسعى في مرضاته أن يستلم لحكمته ويثق بعدله سبحانه، فهو حكم عدل عالم بما يصلح الإنسان، قال سبحانه: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير).

وبالنسبة للدعاء فعلى المسلم أن يدعو الله وهو موقن بالإجابة.

وأن يحسن الظن بالله فإن استجاب له فالحمد لله، وإن لم يستجب فلا يسخط، بل يرضى بما قسم الله له سبحانه، فإن الله لطيف بعباده ولا يضيع دعاء الإنسان أبدا، فعن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذا نكثر؟ قال: الله أكثر) رواه أحمد وهو صحيح.

وعلى المسلم أن يستجمع آداب وشروط الدعاء حتى يستجيب الله له، قال ابن القيم رحمه الله:
(والأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح، والسلاح بضاربه، لا بحده فقط، فمتى كان السلاح سلاحا تاما لا آفة به، والساعد ساعدا قويا، والمانع مفقودا، حصلت به النكاية في العدو ومتى تخلف واحدا من هذه الثلاثة تخلف التأثير، فإن كان الدعاء في نفسه غير صالح، أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء، أو كان ثم مانع من الإجابة لم يحصل الأثر).

فننصحك -أيتها الأخت المباركة- بحسن الظن بالله، والرضى بقضائه، والبعد عن التعمق في البحث عن أسرار القدر المخفية عن البشر، والإيمان بأن الله حكيم عليم عدل لا يظلم أحدا.

وعليك حتى يستجاب دعاؤك أن تتحلي بآداب الدعاء وقصد مواطنه وأوقاته الفاضلة، وابتعدي عن عصيان الله، واحتاطي لنفسك من الوقوع في الشبهات والريب، وأحسني الظن بالله: فإذا فعلت ذلك، فجدير أن يستجاب لك الدعاء -بإذن الله-.

وفقك الله لما يحب ويرضى ورزقك اليقين بربك ودينه أنه سميع مجيب.

مواد ذات صلة

الاستشارات