السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رأيت من الدعاء عجائب كثيرة، واستجاب الله لي كثيرا و-لله الحمد-.
منذ سنوات أدعو ولا أرى الإجابة، أدعو في رمضان وأجتهد بإصلاح قلبي وألزم الاستغفار والدعاء ويمر رمضان وينتهي ولا أرى شيئا، منذ خمسة أعوام وأنا على هذا الحال، أجتهد بالدعاء في كل رمضان وخاصة بأوقات الإجابة، وفي العشر الأواخر أيضا، ويوم عرفة، وبكل جمعة، علما أنني والله لا أستعجل وأحقق شروط الدعاء من اليقين والانكسار وحضور القلب.
أعلم أن كل دعاء مستجاب، إما أن يعجله الله للعبد في الدنيا، أو يذخره له في الآخرة، أو يبعد عنه شرا، وأعلم أن الله قد يمنعنا الإجابة لأن الذي نطلبه قد يكون شرا لنا، لكن وضعي مختلف، فلا يستجاب من دعائي شيئا، أدعو لنفسي بالهداية والصلاح كثيرا، ومازلت أعود للذنوب بعد التوبة، جاهدت نفسي على ترك الغيبة ثم عدت لها بعد فترة.
أشعر أن حياتي توقفت، قبل سنوات أرى الناس من حولي أمورهم طبيعية، وأنا كلما تمنيت شيئا يتحول للعكس تماما.
أعلم أن الدنيا فانية، ولكنني أخشى أن أكون ممن خسر الدنيا والآخرة.
لا أعلم أين الخطأ، وصلت لمرحلة أكره فيها الاستماع لمن يتكلم عن فضل الدعاء، لم أترك الدعاء حتى لا يغضب الله علي، ولكنني أصبحت أدعو بلساني فقط، بداخلي يقين أن الله لن يستجيب لي مهما فعلت، لا أريد من الدنيا شيئا سوى الشعور برضا الله علي، فهل من حل؟
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريمان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختي الكريمة- في موقعنا، ونسأل الله أن يتولاك بحفظه، والجواب على ما ذكرت:
لا شك أن عبادة الدعاء عبادة عظيمة، ولا يوفق إليها إلا القليل، وأنت لديك اطلاع واسع عن فضل الدعاء وأسباب الإجابة وموانعه، وكذلك ماهو سبب عدم إجابة الدعاء.
ومما أحب أن أنبه عليه أن الاستمرار في الدعاء هذه له فضل عليك كبير، ولعلك تدركين ذلك، وأتمنى أن لا تستعجلي في إجابة الدعاء، فالله أعلم متى يجيب دعاء عبده؟ وهناك أمر ينبغي التنبه لهأ وهو أنه إذا لم يستجب الله لنا في أمر معين، وخاصة إذا كان من أمور الدنيا الفانية، فيجوز لنا ترك الدعاء ولا نستمر فيه، ولنا أسوة في الأنبياء.
يقول ابن الجوزي: (من الجهل أن يخفى على الإنسان مراد التكليف، فإنه موضوع على عكس الأغراض، فينبغي للعاقل أن يأنس بانعكاس الأغراض، فإن دعا وسأل بلوغ غرض، تعبد الله بالدعاء: فإن أعطي مراده شكر، وإن لم ينل مراده فلا ينبغي أن يلح في الطلب؛ لأن الدنيا ليست لبلوغ الأغراض، وليقل لنفسه: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم) [البقرة/216]، ومن أعظم الجهل أن يمتعض في باطنه لانعكاس أغراضه، وربما اعترض في الباطن، أو ربما قال: حصول غرضي لا يضر، ودعائي لم يستجب، وهذا كله دليل على جهله وقلة إيمانه وتسليمه للحكمة، ومن الذي حصل له غرض ثم لم يكدر؟! هذا آدم ، طاب عيشه في الجنة، وأخرج منها، ونوح سأل في ابنه فلم يعط مراده، والخليل ابتلي بالنار، وإسحاق بالذبح، ويعقوب بفقد الولد، ويوسف بمجاهدة الهوى، وأيوب بالبلاء، وداود وسليمان بالفتنة، وجميع الأنبياء على هذا، وأما ما لقي نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم -من الجوع والأذى وكدر العيش فمعلوم، فالدنيا وضعت للبلاء، فينبغي للعاقل أن يوطن نفسه على الصبر، وأن يعلم أن ما حصل من المراد فلطف، وما لم يحصل فعلى أصل الخلق والجبلة للدنيا، كما قيل: طبعت على كدر وأنت تريدها، صفوا من الأقذاء والأكدار).
وأخيرا ليس لديك خطأ في التعبد في عبادة الدعاء، وبما أنك مقبلة على طاعة الله، وتكثرين من الدعاء، فهذه من علامات توفيق الله لك، فلا تقلقي وأحسني الظن بالله، وأبشري بخير -بإذن الله-.
وفقك الله لمرضاته.