السؤال
السلام عليكم
أنا شاب عمري 18 سنة، بعد التفكير الطويل وجدت نفسي عندما أترك طيبة القلب، وأترك هراء حب الدنيا وأصبح جديا في هذه الحياة، وأحب نفسي بشكل أكبر، وأصبح أقرب إلى الإنسان الأناني والمغرور أجد نفسي أعلم ما أرد به على الناس، وكيف أجادلهم بدون قلق أو توتر، فقد أدركت أن اللطف الزائد لا يصلح مع أغلب البشر؛ لأنه جعل السيء يتسلط علي.
قررت أن أصبح شخصية محبة لنفسها بشكل زائد (مع العلم أنني لا أكره الآخرين وأحب لهم مثلما أحب لنفسي)، شخصية مصلحتها فوق كل مصلحة، شخصية لا تكترث لأحد.
سؤالي: هل علي إثم إن أصبحت شخصيتي هكذا؟ لأن الإسلام يبغض الأنانية والغرور.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Mohammed حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
- أهلا وسهلا ومرحبا بك في موقعك، وأسأل الله تعالى أن ينفعنا وينفع بنا وينفعك، ويصلح أمورنا ويحقق آمالنا في الخير.
- من المهم أن يكون مصدر توجيهنا وتعاليمنا هو الإسلام، بما يتضمنه من اتباع العقيدة الصحيحة والقيم والأخلاق الكريمة، وأن نحرص على التأثير بواقعنا إيجابا، وعدم التأثر به سلبا، والبعد عن الإفراط والتفريط في أمور حياتنا عامة؛ وذلك باتباع الكتاب والسنة، واعتبار مرجعية الشرع وسؤال أهل العلم والسير على منهج الوسطية والتوازن والاعتدال في حياتنا عامة.
- الشخصية التي يريدنا الشرع أن نكون عليها هي الشخصية المتوازنة في أقوالها وأفعالها وأحوالها، وأن نتفاعل مع محيطنا الاجتماعي بكل مرونة وفاعلية ونجاح، والبعد عن التوتر والقلق والارتباك والاضطراب، وحسن إدارة الغضب والانفعال، وعدم اعتزال الناس والحياة والتهرب من المجتمع، أو التعامل معهم بكراهية وعدائية.
- ومن المهم إدراك أن هذه الحياة الدنيا طبعت على الابتلاء، وما يتفرع عن ذلك ما نجده من تناقضات في طبائع الناس من الأهل والأسرة والأصدقاء، وحسن الفهم لها والتعايش والتكيف معها بالحذر من ردود الأفعال التي تعود علينا وعليهم بالسوء.
- ومن المهم هنا التحلي بحسن الظن بالله، والاستعانة به وطاعته والتوكل عليه، ولزوم ذكره وشكره وحسن عبادته، وتنمية الشخصية عبر تقوية الوازع الديني والإيماني والأخلاقي، ولزوم القراءة النافعة وتوسيع دائرة الثقافة، والاطلاع والمواهب والقدرات والمهارات العلمية والعملية، وحسن الصحبة وتقوية الإرادة.
- ومما يسهم في تحقيق التوازن حسن الفهم للقرآن الكريم وقصص الأنبياء، والقراءة الواعية للسيرة النبوية وتراجم الناجحين على مدى الأجيال، وكيف تعاملوا بكل صبر وحلم وشجاعة وثبات مع واقعهم وأوضاعهم السيئة.
- ومن مقتضى توازن الشخصية تقديم مصالح الدين والآخرة على مصالح الدنيا (وللآخرة خير لك من الأولى)، لكن ذلك لا يتنافى مع واجب أن يجمع الإنسان بين مصالح الدنيا والآخرة وحاجات الروح والجسد والحاضر والمستقبل والعقل والبدن والعلم والمال من غير إفراط ومبالغة أو تفريط وتقصير.
- وفي التعامل مع الناس، فإن من مقتضى الفطرة الإنسانية والطبيعة البشرية حب الإنسان لذاته بجلب المنفعة لها ودفع المفسدة عنها، لكن مع حب الخير للناس وكراهية الشر لهم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، وأما مرتبة الإيثار بتقديم مصالح الناس على مصالح النفس، فهو خلق فضيل لكنه نادر لا يبلغه إلا أهل الكمالات من الناس، وله ضوابط ليس هنا محل تفصيلها.
- والأهم في هذا الأمر أن تحرص على تكميل نفسك بالعلم النافع ومنه الشرعي والطبيعي العصري، وتنمية مهاراتك ومواهبك العلمية والعملية بأقصى حد ممكن، مع أهمية حسن العلاقة بالناس والتعامل معهم بإيجابية وحسن الظن، مع لزوم الحذر والحيطة والتثبت والتوثيق للأمور بدقة لا سيما في هذا الزمان، حيث تغير كثير من الناس وابتلاؤهم بالأنانية والطمع، ولكن ينبغي في ذلك التلطف والرفق والاعتدال، وبهذا الصدد فقد قال الحسن البصري -رحمه الله-: (إن سوء الظن من الفطن)، وقوله: (من حسن ظنه بالناس كثرت ندامته).
- وأخيرا فلا أفضل ولا أجمل من حسن الصلة بالله، واختيار البيئة والصحبة الطيبة والزوجة الصالحة، واللجوء إلى الله تعالى بالذكر والدعاء.
- أسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد والصبر والحلم والحكمة، والرفق والصواب والرشاد.
والله الموفق والمستعان.