السؤال
السلام عليكم
أعاني من الخوف من والدي منذ صغري، ووصلت لمرحلة أشعر أنه برحيله سأرتاح للأبد، والآن أنا بعمر ٢٥ سنة، وما زلت بنفس الخوف والمشاعر وبشكل أكبر.
والدي بطبعه إنسان متسرع، وكلامه جارح، وعانى جميع أفراد الأسرة من لسانه، وسوء ظنه، وعنفه، لكن لا أحد منهم يخاف منه بقدر خوفي منه.
راجعت أخصائية نفسية، لكني أشعر بأني لم أجد الحل، وكأني أريد دواء يعطيني نتيجة بدون أي مجهود، وأخاف من ضرر الأدوية.
أريد أن أكون قوية، ولا ألجأ للبكاء والدراما، وشعوري بأني ضحية عندما أواجهه، أريد أن لا أخاف إلا من الله، وأن يقوى إيماني بالله، ساعدوني، جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عبير حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نسأل الله لك التوفيق والسداد، حالتك ليس لها علاقة بأي علاج دوائي، هذا الأمر ينظر فيه كإشكالية في التواصل ما بينك وما بين والدك، وفي هذه الحالات نحن لا نستطيع أن نحمل طرفا واحدا سبب ما يجري مع احترامي الشديد لرأيك، لكن ربما يكون لديك أيضا مشكلة عدم قدرة على التكيف أو عدم قدرة على التوائم.
والدك هو والدك، وطبعه ليس وليد اللحظة، فأرجو أن تنظري للموضوع من زاوية أخرى ومن منظور مختلف، وتسألين نفسك هل قل تحملك؟! هل والدك بالفعل بالقسوة والشدة والفظاظة كما وصفته للدرجة التي تجعلك تتمنين رحيله من الدنيا؟! هذا أمر ليس صحيحا، هذا أمر خاطئ جدا، وهذه أمنية آثمة من وجهة نظري (ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما ) الوالد هو الوالد، وأنا أعتقد أنك محتاجة لجهد حتى تغيري مفاهيمك عنه.
الخوف يجب أن يصحبه التقدير والاحترام، والتقدير والاحترام سيزيلان الخوف عنك، ودائما الضحية في كثير من الأحيان تشارك في الخطأ، خاصة في مثل هذه المواقف، إذا كنت أنت ضحية كما ترين نفسك، فأنا أقول لك ربما تكونين شاركت بصورة مقصودة أو غير مقصودة في الفزع والهرع والمشاعر السلبية حيال والدك.
أرجو أن تتقبلي نصيحتي، وأن تعيدي النظر تماما في مفاهيمك حول والدك، وتتعاملي معه بلطف، تعاملي معه بود، باحترام، بتقدير، تقربي إليه حتى وإن كان عندك ملاحظات حول الطريقة التي يتواصل بها معكم، فتشاوري مع بقية إخوتك مع والدتك كيف نجعل الوالد أكثر راحة وأكثر قدرة على التفاهم معكم بصورة سلسلة، ودائما في التخاطب.
يجب أن يتحين الإنسان الوقت واللحظة التي يتواصل فيها مع الطرف الآخر، وسرعة الاستجابة لطلبات الوالد أو لمناشدته أمرا مهما، وأمرا مطلوبا، وأمرا لا بد أن تقومي به، هذا هو الذي أنصحك به.
ليس هناك علاج دوائي، الدواء التفاهم، الدواء في التواصل، الدواء في الكيفية التي أخبرتك بها.
إن كان لوالدك علة نفسية واضحة مثلا تجعله حاد الطباع كالاكتئاب النفسي مثلا فهذا أيضا يمكن أن يعالج، ويمكن أن يتحمل أحد أفراد الأسرة المسؤولية، ويتحدث مع الوالد بأن يعرض على طبيب نفسي مثلا، وهذه كلها أمور يمكن أن تعالج وتعالج بصورة ممتازة جدا، أنا أعتقد أنك محتاجة للتكيف، للتطبع، للمرونة، ولا تجعلي هذا الموضوع موضوعا مركزيا في حياتك، الحياة فيها أشياء طيبة أخرى، حاولي أن تكون إيجابية الأفعال فيما يتعلق بأنشطتك الأسرية، هذا قطعا سوف يجعل نظرة والدك نحوك تتغير، هذا هو الذي أنصحك به.
وبارك الله فيك وجزاك الله خيرا.
_________
انتهت إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم -استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-.
وتليها إجابة الشيخ. الدكتور/ أحمد الفرجابي -مستشار الشؤون الأسرية والتربوية-
__________
فمرحبا بك -ابنتنا وأختنا الفاضلة- في موقعك، ونشكر لك التواصل والسؤال، ونسأل الله أن يصلح الأحوال، وأن يقدر لك الخير، وأن يجلب لك الحب لوالدك، وأن يرزقك الطمأنينة، وأن يحقق لنا ولك في طاعته الآمال.
نرجو أن تستفيدي من توجيهات دكتورنا محمد، وهو من القامات الكبيرة في ميدان الطب النفسي، وهو أب لك، وكلنا لك في مقام الأب، ونحب أن نؤكد لك أن أي أب يحمل مشاعر جميلة تجاه أبنائه، ومشاعر أجمل تجاه بناته، وأن كل ما تشاهده البنات من مظاهر للقسوة عند الآباء لا تعبر عن الحقيقة، ولكن من الآباء من لا يحسن التعبير عن حبه لبناته مع امتلاء القلب بالحب، بل ربما كان الخوف الزائد على البنات يتحول بكل آسف إلى ما يشبه القسوة، وأرجو أن تدركي حقائق الأمور، وتطردي كل الوساوس وتقبلي على والدك وتقتربي منه وسوف تجدين ما يسرك.
إذا كانت المعاناة حاصلة من أسلوب الوالد، فكوني مثل بقية أفراد الأسرة الذين نعتقد أنهم تأقلموا مع الوضع، بل نحن نتطلع إلى أن تتقدمي خطوات أكثر نحو والدك؛ ومما يساعدك على ذلك ما يلي:
1- اللجوء إلى الله وسؤاله التوفيق.
2- معرفة الواجب الشرعي تجاه الوالد، وضرورة الصبر عليه، والدعاء له والسعي في إرضائه.
3- إدراك منزلتك الحقيقية عنده؛ لأن حب الأبناء والبنات فطرة فطر الله الآباء والأمهات عليها، ولذلك كانت الوصية للأبناء هي الأكثر بضرورة البر لآبائهم وليس العكس.
4- فهم نفسية الوالد والبحث عن المداخل المناسبة إلى نفسه.
5- الاستمرار في التواصل بموقعك للتشاور.
هذه وصيتنا لك بتقوى الله، ثم بكثرة اللجوء إليه، وتعوذي بالله من الشيطان همه أن يحزن أهل الإيمان، ونسأل الله أن يؤلف القلوب، وتعوذي بالله من مجرد التفكير في إصابة الوالد بضرر أو أذى.
ونسأل الله أن يطيل عمرك وعمره وأعمارنا في طاعته سبحانه.