السؤال
السلام عليكم
نسمع عن السحرة والكهنة ولا نعرف حقيقتهم، ونسمع أنهم يخبرون بأشياء خافية على الناس، أو التأثير على الناس، ولا نجد من يوضح لنا هذه المسائل، فهل الكاهن يطلع على الغيب؟ مع العلم أن الله سبحانه قال:"عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول"، فكيف اطلع الكاهن على بعض الغيب؟
ثم ما الفرق بين ما جاءت به الرسل والأنبياء -عليهم السلام- وبين ما يدعيه الكهان والسحرة؟ وما حقيقة تواصل الجن مع البشر من السحرة والكهان؟ وهل هم قادرون على الإتيان بشيء خارق للعادة مثل الإخبار بأشياء غيبية؟ وهل يستطيعون تعليم السحرة؟
نرى في القرآن أن المشركين اتهموا الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه ساحر (قال الكافرون هذا ساحر كذاب) فأرجو التوضيح، فقد التبس علي الموضوع.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أخي الكريم- في موقعنا، ونسأل الله يرزقنا وإياكم العلم النافع، والعمل الصالح، والجواب على ما ذكرت:
- فاعلم أن حقيقة السحر: هو عقد في خيط ونحوه ورقى وكلام يتكلم به، أو يكتبه، أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له.
- أما الكاهن فقد ورد في ذمه ونهي عن الذهاب إليه، فعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "من أتى كاهنا، أو عرافا، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد "رواه أحمد وغيره، فالكاهن الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان ويدعي معرفة الأسرار ويدعي علم الغيب، وكان في الجاهلية الكاهن يزعم أن له تابعا من الجن يلقي إليه الأخبار، ومنهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله وهي من أخبار قرين الأنس من الجن يخبره عن حاله.
- أما ادعاء علم الغيب فهذا لا شك يدعيه الكاهن، وهو كاذب فيه، فعلم الغيب مما استأثر الله به، قال تعالى:" قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون" (النمل :65)، فيخبر تعالى أنه المنفرد بعلم غيب السماوات والأرض؛ كقوله تعالى:" وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين" [الأنعام]، وكقوله:" إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام" [لقمان] إلى آخر السورة.
علم الغيب هذه الغيوب اختص الله بعلمها، فلم يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل، ومن ادعى علم الغيب فهو كافر، وينبغي أن يعلم أن الكاهن إذا أخبر عن شيء في المستقبل، وقد يحدث كما أخبر، فهذا ليس من علمه للغيب، بل هذا مما استرقته الجن من الأخبار، فيخبرون الكاهن، فيخبر به، ولكنه يزيد معه كذبات من عنده، يفضحه الله به، فعن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الملائكة تنزل في العنان - وهو السحاب - فتذكر الأمر قضي في السماء، فتسترق الشياطين السمع، فتسمعه فتوحيه إلى الكهان، فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم ".رواه البخاري، وجاء في رواية عند البخاري عن عن عائشة رضي الله عنها قالت : سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناس عن الكهان، فقال : " ليس بشيء ". فقالوا : يا رسول الله، إنهم يحدثونا أحيانا بشيء فيكون حقا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تلك الكلمة من الحق، يخطفها من الجني، فيقرها في أذن وليه، فيخلطون معها مائة كذبة "، قال الخطابي : بين صلى الله عليه وسلم أن إصابة الكاهن أحيانا إنما هي لأن الجني يلقي إليه الكلمة التي يسمعها استراقا من الملائكة فيزيد عليها أكاذيب يقيسها على ما سمع، فربما أصاب نادرا وخطأه الغالب.
- أما سؤالك هل للسحر تأثير؟
فالجواب نعم له تأثير يؤدي إلى الإضرار بالمريض الذي ابتلى بالسحر، قال تعالى: "فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله"( البقرة)، فالسحر يسبب التفريق بين الزوجين اللذين جمعت بينهما أواصر المودة والرحمة، بدون سبب ظاهر أو وجود خلاف، وتأثير السحر وإن عظم لا تأثير له إلا بإذن الله عز وجل، لأن الأسباب مهما بلغت في قوة التأثير فإنها تابعة للقضاء والقدر ليست مستقلة في التأثير، ولهذا جاء في الآية،" وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله" ( البقرة)؛ فينبغي لمن ابتلي بالسحر اللجوء إلى الله دائما، سواء في جلب المنافع، أو في دفع المضار، ولكن ينبغي أن يعلم أن الساحر لا يمكنه تغيير حقائق الأمور، فلا يقدر أن يحول الحجر إلى ذهب، ولا يقدر على جعل الذكر أنثى أو العكس، وما حدث من سحرة فرعون فإنهم سحروا أعين الناس، فتخيلوا أن الحبال كأنها ثعابين، بل حبال ملئت بمادة الزئبق ووضعت على نار، فلما اشتد الحر تحركت الحبال كأنها ثعابين وهي ليست كذلك.
- أما سؤالك عن الفرق بين الأنبياء والسحرة: فهناك فرق ظاهر وجلي، فالأنبياء يوحى لهم من الله، ويؤيدهم الله في دعوتهم، وهم رجال صادقون أمناء في تبليغ الوحي، وأما السحرة فهم كفار دجالون من شر الخلق، وأشدهم فسادا، ولعلك تقصد من سؤالك أن الأنبياء يأتون بخوارق للعادة، والسحرة يأتون أيضا بخوارق العادات، فاعلم -أخي الكريم- أن الرسول والنبي يجري الله على يديه معجزة ظاهرة كعلامة له حتى يظهر للناس صدق دعوته، وأن الذي أتى به وحي من الله، وأن الله أجرى المعجزة على يديه حتى يكون لها تأثيرا في استجابة الناس له، وأما الساحر وإن جرى له خارق للعادة، فإنما هذه إهانة له واستدراج له ولمن يصدقه من الناس، وهي ابتلاء للعباد هل يصدقون هذا الساحر مع ما يرون من حاله وفجوره وفساده، وبهذا يظهر الفرق.
- أما سؤالك عن إمكانية تواصل الأنس بالجن: فالأصل أن عالم الجن عالم خفي عنا، ولا نعرف عنه إلا ما جاء في الشرع عنهم، ولا ينبغي التواصل معهم بأي حال من الأحوال، ولن يستفيد من يتصل بهم أي خير يرجى، ولا شك أن السحرة والكهان لهم تواصل مع الجن، فهم يعين بعضهم بعضا فيما يقومون به من أذى للناس، وقد وجد أن بعض الجن من المسلمين الصالحين قد يخدمون بعض الأنس من عباد الله الصالحين كنوع من التعاون على البر والتقوى، وهذا قليل ونادر، ولا ينبغي التفكير والاشتغال به.
- أما سؤالك هل الجن يعلمون الناس السحر؟ والجواب: نعم فيستعان بالجن في تعلم السحر بقراءة بعض الكتب التي يتعلم منها السحر، ثم بالتقرب إلى الشياطين بارتكاب القبائح؛ قولا؛ كالرقى التي فيها ألفاظ الشرك، ومدح الشياطين، وتسخيرهم، وعملا؛ كعبادة الكواكب، والتزام الجنابة، وسائر الفسوق والمعاصي، فالساحر لا يتمكن من سحره إلا بالخروج من هذا الدين إما بالذبح للجن أو الاستغاثة بهم أو إهانة كلام الله، أو غير ذلك من الموبقات.
- أما سؤالك عن اتهام الرسول بأنه ساحر من قبل الكفار في زمنه: فالجواب عن ذلك، فقد أخبرنا الله عن ذلك في كتابه العزيز حكاية عنهم فقال { وقالوا إن هذا إلا سحر مبين }[ سورة: الصافات ]، أي ما هذا الذي جئت به إلا سحر ظاهر بين، أإذا متنا وصرنا ترابا وعظاما بالية أإنا لمبعوثون من قبورنا أحياء، أو يبعث آباؤنا الذين مضوا من قبلنا؟ وقال تعالى:{ فقال إن هذا إلا سحر يؤثر }[ سورة: المدثر ]، فقال عن ذلك الكافر المعاند نظرته للقرآن: ما هذا الذي يقوله محمد إلا سحر ينقل عن الأولين، ما هذا إلا كلام المخلوقين تعلمه محمد منهم، ثم ادعى أنه من عند الله.
أنت تعلم -أخي الكريم- أن هذا الاتهام كذب وهم يدركون ذلك، ولكنهم يتهمون الرسول -صلى الله عليه وسلم- بذلك حتى يصرفوا الناس عنه وعن دعوته، وقد اتهم بهذا من قبله الأنبياء والمرسلين مثل موسى -عليه السلام-، وإلا كيف يدور في الأذهان، أو يتصوره ضمير كل إنسان، أن يكون أعلى الكلام وأعظمه، كلام الرب العظيم، الماجد الكريم، يشبه كلام المخلوقين الفقراء الناقصين؟! أم كيف يتجرأ هذا الكاذب العنيد، على وصفه كلام المبدئ المعيد.
وفقك الله لمرضاته.