السؤال
السلام عليكم.
ما يعيقني كل يوم عن الارتقاء والتقدم هو اعتقادي بأني في مستوى عال، وأني أملك ما لم يمكله من هو أمامي، وأني خير وأفضل منه، وكل هذا ليس بصحيح! فأرجو أن تساعدوني للتخلص من هذا! وهل هناك كتب تربي المرء على الانشغال بعيوب نفسه والسعي لإصلاحها؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ صالح حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابننا الفاضل- في موقعك، ونشكر لك هذا السؤال الرائع، ونسأل الله أن يعيننا على إصلاح عيوبنا، وأن يلهمنا رشدنا، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا، وأن يعينك على الخير، وأن يصلح الأحوال، وأن يحقق لك الآمال.
لقد وضعت يدك على أمر في غاية الأهمية، ونسأل الله أن يعينك ويفتح بصيرتك، ويبصرنا جميعا بعيوب أنفسنا، فطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، والإنسان حقيقة ينبغي أن يعرف مقدار هذه النفس، فإن نجاة السلف كانت في أنهم وضعوا هذه النفس في موضعها الصحيح، ولذلك استطاعوا أن يرتفعوا بها، وأن يترقى الواحد منهم في سلم المعالي، أما نحن ففينا من يرى نفسه، ويعظم نفسه، وينفخ هذه النفس، فيخدعه الشيطان وتخدعه هذه النفس الأمارة بالسوء.
وأنت وصلت إلى الإشكال، ووصولك إلى هذا الإشكال من نفسك هو البداية الصحيحة والموفقة إن شاء الله للوصول إلى العلاج، والإنسان ينبغي أن يتواضع، والمتواضع يرفعه الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وما تواضع أحد لله إلا رفعه))، وسلف الأمة الكرام كان الواحد منهم إذا رأى – كما قال عمر بن عبد العزيز -: (ما رأيت إنسانا أكبر مني إلا قلت: سبقني إلى الخير قبلي، وما رأيت إنسانا أصغر مني إلا قلت: هذا أقل مني ذنوبا، ولا رأيت إنسانا في سني إلا قلت: هذا أفضل مني).
دائما كان الواحد يرى نفسه ناقصا فيرتفع بها، لكن الإشكال إذا رأى نفسه كاملة وأنه أفضل الناس وأنه أحسن الناس فإنه يصعد بنفسه، ويهلك، وهذا يفتح عليه أبواب التكبر، وقد يدخله إلى باب الحسد، أنه إذا مدح الناس إنسان فإنه يحسده ويمقته ويحقد عليه.
لذلك من المهم جدا أن نذكر أنفسنا بأن أشرف الخلق كان أكثر الناس تواضعا – عليه صلوات الله وسلامه – كانت الجارية تأخذ بيده فتنطلق به حيث شاءت، ولذلك من وسائل العلاج المهمة أولا:
1. أن تجتهد في الدعاء لنفسك.
2. أن تعرف أن هذه النفس خداعة وأمارة بالسوء، وأنها عدو للإنسان.
3. أن تخالف الهوى (هوى النفس).
4. أن تتعوذ بالله من الشيطان الذي ينفخ في الإنسان بهمزه ونفخه ونفثه، ويريد من الإنسان أن يعظم نفسه.
5. كذلك من المهم أن تدرس سير العظام، وعلى رأسهم الإمام النبي العظيم – عليه صلاة الله وسلامه – الذي كان إمام الناس في التواضع – عليه صلوات الله وسلامه -.
6. أن تدرس كذلك سير المتواضعين من أصحابه ومن سلف الأمة الكرام.
7. أن تدرك أن الثمرة أو السنبلة المليئة بالثمار هي التي تتدلى، لكن الفارغ هي التي ترفع نفسها وتتطاول بلا فائدة.
8. ينبغي أن تجلس دائما مع من يذكرك بالله تبارك وتعالى.
9. عليك دائما أن تحرص على رصد ما فيك من نقص لتصل للكمال، لأن تركيز الإنسان على إيجابياته يجعل الإنسان يعجب بنفسه وانتباه الإنسان للنقائص التي عنده، ولذلك من المهم أن يتذكر الإنسان إحسان الناس إليه، وينسى إحسانه إليهم، حتى لو مدحك الناس ينبغي أن تمدح رب الناس الذي ستر عنهم عيوبك، لذلك السلف كان من تواضعهم أن يقول قائلهم: (لو كان للذنوب ريح لما استطاع أحد أن يجالسني)، قال طاووس يوم عرفه: (اللهم لا تردهم من أجلي) من أجل ذنوبي لا ترد هؤلاء. فكان دائما يضعون أنفسهم في هذا الموضع، وهذا كان يعينهم – كما قلنا – على الصعود بأنفسهم.
10. الكتب التي تتكلم عن ذلك مثل كتاب (البحر الرائق) ومثل كتاب (الدنيا والدين)، بعض الكتب التي تتكلم عن تربية النفس، أيضا (إحياء علوم الدين) للإمام الغزالي – رحمه الله – من الكتب المفيدة في تربية النفس، كذلك كتاب (مدارج السالكين) وغيرها من الكتب التي فيها كلام عن حقائق هذه النفس.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يعينك على الخير، ونسعد بتواصلك مع الموقع، حتى نتعاون جميعا في تربية أنفسنا، والسلف كان الواحد يحرص على أن يربي نفسه، بل كان في السلف من إذا شعر أن النفس تكبرت حاول أن يؤدبها، وهذا ما كان يفعله عمر – رضي الله عنه وأرضاه – وقد صعد المنبر يوما فقال: (أيها الناس كنت في الجاهلية أسمى عميرا، وكنت أرع الأغنام، ثم أصبحت أسمى عمر، ثم أصبحت أسمى بأن أنادى بأمير المؤمنين، بخ بخ يا عمر)، قال له عبد الرحمن بن عوف: (يا أمير المؤمنين ما زلت على أن وضعت نفسك)، قال: (إليك عني يا ابن عوف، فإن نفسي أرادت أن تتكبر فأردت أن أذلها).
فما أحوجنا إلى تربية أنفسنا، وهذه وصيتنا لك بتقوى الله ثم بمراقبته، ثم بالمواظبة على ذكره وشكره، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعيننا وإياك على التخلص من عيوب أنفسنا، هو ولي ذلك والقادر عليه، وشكر الله لك هذه الاستشارة، ونكرر لك الترحيب بك في الموقع.