السؤال
السلام عليكم
لي صديقة أحسبها من الصالحين، أحبها وتحبني، ومنذ أكثر من 6 سنوات ونحن نسير سويا على طريق الهداية ونبتغي أن تدوم هذه الصحبة الصالحة، ولكن منذ 3 أشهر تزوجت هي وأصحبت تشغلها الدنيا والحياة عن الطريق الذي تعاهدنا علي السير فيه، ولكنها لازالت متمسكة بي وبهذا العهد، وتخبرني دوما بأنها تريدني بجانبها لتصل إلى غايتنا (الجنة)، ولكني أجد صعوبة كبيرة لكي نسير سويا!
أصبحت أشعر بأنها حمل بعد أن كانت عونا، أبذل الكثير من المجهود لأجل أن تثبت ونسير معا، ولكن لا تزال خطواتها بطيئة ومتكاسلة، وأشعر أن هذا يستنزف مني الكثير، وبدلا ان أخذها للأمام هي تجرني للخلف.
أشهد الله على أن قلبها سليم ونفسها صالحة وأنها حقا تريد الفلاح، ولكن الدنيا تلهيها، لا أشعر أنها تقاتل باستماتة في الطريق الذي تعاهدنا عليه، أبسط أمور الدنيا تجعلها تقصر في أمور دينها، وهذا يؤملني جدا، أحزن كثيرا مما أصبحنا عليه بعد أن كانت خطواتنا شبه ثابتة ومنتظمة أصبحنا نتخبط كثيرا!
أحبها ولا أريد أن أفقدها، وهي أيضا تحبني بصدق ولا تريد تركي، أدعو الله كثيرا أن يبقيها بجواري وأن يجعلها سندا صالحا لي ويجعلني سندا صالحا لها، أشعر أني أريدها هي معي في هذا الطريق لا أحد آخر وأدعو الله بذلك، ولكن لا أعلم ماذا علي أن أفعل؟ هل أظل متمسكة بها حتى ولو تعطلت خطواتي للسير في هذا الطريق على أمل أننا سنعود بخطوات منتظمة وسنصل -بفضل الله- إلى الجنة أم علي أن أسير ولا أوقف الطريق من أجلها وأكتفي بالدعاء لنا عسى الله يعيدها من جديد لتسير معي بخطوات منتظمة؟
هل لو تركتها من أجل أن أظل ثابتة على الطريق يكون هذا تخلي؟ أم سيكون خطأ مني إن بقيت بجوارها لتعود مرة أخرى حتى وإن أدى ذلك لتعطل الحركة في الطريق إلى الله؟
أخشى أن أتركها فيصحبها الشيطان إلى الهاوية، وأخشى إن بقيت معاها وانتظرتها أن أفقد حماسي للسير في هذا الطريق.
ماذا علي أن أفعل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Aya حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة-، وشكرا لك على هذا السؤال الرائع، الذي يدل على الخير، ونبشرك ونبشرها بأن هذه الأخوة في الله تبارك وتعالى مما يرضي الله تبارك وتعالى، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل هذه الصداقة في الله وبالله ولله، وأن يصلح الأحوال، وأن يعيننا وإياكم على طاعة ربنا الكريم الكبير المتعال، سبحانه وتعالى.
لا شك أن سبب هذا الذي يحدث من هذه الصديقة هو هذه الصفحة الجديدة من الحياة التي دخلتها، فالمرأة بعد أن تتزوج تصبح عليها تبعات وحياة ونمط جديد، وهذا لا يعني أنها تتوقف، لكن يعني أن برنامجا جديدا يدخل إلى حياتها، فهناك زوج أصبح في حياتها، له حقوق، وعليها أن تحتسب ذلك؛ لأن احتسابها لذلك وطاعتها لزوجها ثم خدمتها لأطفالها الذين سيأتون بعد ذلك؛ هذا كله لون من العبادة ولون من التقرب إلى الله، بل هذه من واجبات الشريعة، أن حقوق الزوج من الواجبات الشرعية التي ينبغي للمرأة أن تهتم بها، وهي تأتي بعد العبادات والطاعات، وواجب أيضا، فالذي قال: {وأقيموا الصلاة} هو الذي قال: {وعاشروهن بالمعروف}، وعليها أن تعاشر زوجها كذلك بالمعروف.
لعل هذا يحدث بعض الأثر، ولكن نحن نشكر لك هذا الحرص عليها، ونشكر لها أيضا محاولة الاستمرار في السير، ونتمنى أيضا أن تحافظي عليها صديقة، وأن تجتهدي في أن تسير معك على نفس طريق الهداية، واصطحابها أيضا هو لون من القرب لله تبارك وتعالى، فصححي نيتك، واصبري عليها، وهذا لا يمنع أن يكون لك عبادات خاصة في الخفاء بينك وبين الله تبارك وتعالى، فطاقتك أكبر في العبادة، وفرصتك أكبر في العبادات المألوفة المعروفة. لكنها أيضا في عبادة من نوع آخر، وعليها أيضا أن تهتم بزوجها، وتهتم بحياتها الخاصة وبعلاقتها به، لأن ذلك أيضا مما يجلب لها رضوان الله تبارك وتعالى.
ستشعرين بهذا عندما – إن شاء الله – ييسر الله أمرك أيضا ويدخل زوجا إلى حياتك، ستشعرين أن كثيرا من الأمور تغيرت. هنا بعض بناتنا تقول: (أنا الآن لا أستطيع)، لا، هي تستطيع، بل ينبغي أن نصحح فهمنا لهذا الدين العظيم، فإن خدمة الزوج لزوجته طاعة لله، وخدمة الزوجة لزوجها طاعة لله تبارك وتعالى، سعي الرجل على أطفاله عبادة لله، سهر الأم مع طفلها عبادة لله تبارك وتعالى، وطبيعي أن يحدث هذا الذي حدث، تشعرين بشيء من الفرق، لأنه أصبح لها، ودخل في حياتها داخل جديد، وهو الزوج، له أوقاته، وله حقوقه، وهذا يؤثر على حملها وعلى سيرها معك في هذا الطريق.
أكرر: لا تخسري هذه الأخت، واجتهدي معها، واحتسبي صبرك على إعانتها على الخير في الله تبارك وتعالى، هذه عبادة وطاعة تؤجري عليها، وليس تعطيل في حركة السير، ولا مانع من الجانب الآخر عندما تشتغل هي بخدمة الزوج أن يكون لك عبادات خاصة بك، خفية بينك وبين الله تبارك وتعالى، ونسأل الله أن يسهل عليك، وأن يسهل عليها، وينبغي أن تصاحبي من تعينك على الطاعة أيا كان وضعها، وأيضا تجتهدي في إعانة هذه الصديقة وغيرها إلى كل ما يقربها إلى الله تبارك وتعالى.
إذا استمري مع الصديقة بحسب ما تستطيعين، احتساب الأجر، ولا مانع أن يكون لك عبادات خاصة خفية بينك وبين الله تبارك وتعالى، فإن سيرنا إلى الله سباق، وقال الكريم: {وعجلت إليك ربي لترضى}، فسارعي في كل أمر يرضي الله، ومما يرضي الله عون هذه الأخت على السير وعلى الطريق، ونسأل الله لنا ولك ولها التوفيق والثبات والهداية.