السؤال
السلام عليكم.
نية أحد الأفراد في إرسال الأسئلة على الموقع الإسلامي أن تكون سببا في:
1) إعانة الموقع على الاستمرار؛ لأنه لو لم يرسل أحد أسئلة على الموقع لأغلق، فهو يريد إرسال السؤال بنية أن يظل الموقع مفتوحا لينشر الخير بين المسلمين.
2) أن يكون هو مساهما في نشر الخير بين المسلمين مع من يعملون في الموقع بإرسال السؤال نية التعاون على البر والتقوى، وينابه الثواب والخير العظيم الذي تنشره هذه المواقع والذي لا يعرف عظمته إلا الله -عزوجل-.
3) نية الدعوة إلى الله -عز وجل- بما في سؤاله من أمور وفوائد ومعلومات دينية تخدم ويستفيد منها المسلمون من إجابة الشيخ على سؤاله.
4) نيته أخذ ثواب من عدد المشاهدين لسؤاله وممن يستفيدون من سؤاله بأمر الله عز وجل فى ميزان حسناته.
5) صدقة جارية عظيمة له بعد موته بأمر الله عز وجل من يستفيدون من سؤاله لأنه بأمر الله قد تنشر هذه المواقع سؤاله لسنوات وسنوات وقد تمتد ليوم القيامة صدقة جارية له وعلم ينتفع به.
6) أن يستفيد هو من إجابة السؤال ليتقرب به إلى الله ويعلمه وينشره لغيره من المسلمين ويأخذ عظمة ثواب الحديث: (إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير).
7) أن يفيد غير المسلمين ممن يشاهدون هذه المواقع الإسلامية لمعرفة الإسلام ولعله يسلم أحدهم ويكون فتحا عظيما لإسلام غيره، وكل عظيم أعمالهم بأمر الله في ميزان حسناته، فكيف نربي ونعرف وندرب ونعلم أولادنا على عظيم هذه النية في إرسال السؤال؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ هاني حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك – أخانا الفاضل – في موقعك، ونشكر لك هذا السؤال الرائع عن النية وكيفية التربية عليها، ونسأل الله أن يصلح نياتنا وذرياتنا والعمل إنما يعظم بمقدار نية صاحبه، ونحن بحاجة إلى أن نخص في نياتنا ونصدق فيها مع الله تعالى، فلا فائدة في عمل إلا بنية، ولا فائدة في نية أو عمل إلا بإخلاص، ولا ثمرة في عمل وإخلاص ونية إلا إذا صحبته متابعة للنبي - عليه صلوات الله وسلامه-.
وقد اهتم سلف الأمة الكرام بأمر النية، حتى قال ابن الجوزي: وددت لو أن بعض العلماء تفرغوا ليعلموا الناس فقه النيات، فالإنسان ينال بنيته المراتب العليا، بل أحيانا تكون نية المرء خيرا له من العمل، لأن الإنسان قد ينوي الخير ولا يستطيع فعل الخير، والإنسان لا يزال بخير ما نوى الخير وعمل الخير.
وأحسنت في مسألة السؤال؛ فإن الأمر كما ذكرت، فالتواصل مع الموقع يشجع الموقع على الاستمرار، يجلب الفائدة لعباد الله تبارك وتعالى، تكتب الآثار الطيبة والمعلومات الجيدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، يستفيد منها البشر.
كذلك أيضا حسن العرض للسؤال واصطحاب نية أن يتعلم منه من لا يحسن، من لا يقدر على عرض السؤال. كذلك أيضا احتساب أجر كل من يستفيد من يشاهدوا السؤال أو يستفيد من هذا السؤال من المشاهدين أو من الباحثين أو حتى من العلماء الذين اجتهدوا وبحثوا حتى وصلوا إلى الصواب.
وأيضا السلف – عليهم من الله الرضوان – كانوا يفرحوا بالسائلين وبالسؤال، خاصة عندما نهي الصحابة عن أن يسألوا عن أشياء تبد لهم تسؤهم حتى لا تصعب عليهم التكاليف؛ لأن بعضهم كان يسأل عن أمور تجلب الحرج ولا داعي ولا فائدة من ورائها، فكانوا يفرحون لمجيء الأعراب وسؤالهم للنبي – صلى الله عليه وسلم – وبيان النبي – عليه الصلاة والسلام – لهم، ثم فتح لهم الباب، بل كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يشجعهم على السؤال، وكان يسأل في الصباح: ((هل منكم من رأى رؤيا)) فإن رأى أحدهم رؤيا يعبره له، أو كما جاء عن النبي – عليه صلاة الله وسلامه - .
ففقه النية أمرها عظيم، وهو مطلوب في كل الأمور، ولذلك هذا رجل من السلف قالوا له: (هي نشيع جنازة) فدخل البيت ثم خرج، ثم دخل ثم خرج، قالوا: (يا فلان، ماذا عندك؟)، قال: (أردت أن أستحضر نية)، قالوا: (وما النيات؟)، قال: (تعزية الإخوان، تشييع الجنازة، تكثير الثواب، الدعاء للمسلمين، الاتعاظ والاعتبار)، يعني: أعظم بها النيات، فرب عمل صغير تكبره النية، ورب عمل كثير تصغره النية.
فلذلك فعلا نحن بحاجة إلى أن نتعلم فقه النية، ونعلمه لأبنائنا والبنات، فأحيانا الإنسان قد تكون المعلومة عنده واضحة، لكن يريد أن يعرض السؤال ليستفيد الناس، لينبه الناس، ويعين العالم أيضا على حسن العرض لبعض المسائل، كل ذلك مما يؤجر عليه الإنسان، والسلف كان عندهم فقه في هذا الباب، حتى كان فيهم من إذا قابل صاحبه يقول: (كيف أصبحت) أو (كيف الحال)، وكانوا يسمونها (استخراج الحمد)، لأن هذا الذي أقول له (كيف الحال) لما يقول (الحمد لله) هذا ذكر لله وثناء على الله، ما كان له أن يخرج لولا سؤال (كيف حالك) أو (كيف أصبحت)، فبالتالي لما أعقد النية أنا أؤجر وهو يؤجر، فيكون المستنطق مأجورا والناطق أيضا مأجورا، لأنه طفح لسانه بذكر الله تبارك وتعالى.
نعلم أبناءنا فقه النية ببيان مثل هذه الأمور، ببيان هدي السلف، ببيان أهمية النية وعلاقتها بالعمل، قبولا ورفضا. كذلك أيضا بأن نضرب أروع الأمثلة أمامهم، ونجتهد في أن نجعل كل عمل بنية، كل حركة وسكنة، الإنسان يستطيع أن يؤجر عليها، وهذا كان من فقه معاذ الذي قال: (أما أنا فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي)، رضي الله عنه وأرضاه.
نسأل الله أن يفقهنا الدين، وأن يعيننا على أن نتعلم فقه النية ونعلمه لأبنائنا من خلال عرض النصوص والآيات التي جاءت في كتاب الله وعن رسولنا – صلى الله عليه وسلم – ومن خلال فقه سلف الأمة الذين كانوا يحرصون على نياتهم في كل أمر من أمورهم، لأنه لا فائدة في عمل بلا نية، والذي يعمل بلا نية – كما قال ابن القيم – مثل الذي يحمل على دابته رمل، يثقل ظهره ولا فائدة.
فنسأل الله لنا ولكم الفقه والتوفيق والعمل والسداد والقبول، وأن يعيد علينا وعليكم الصيام أعواما عديدة وسنوات مديدة في طاعته، وأن يرفع الغمة عن الأمة.