السؤال
السلآم عليكم ورحمة الله وبركاته.
أكتب لكم وعيناي تفيض من الدمع حزنا على ما فات وعلى ما أعانيه، منذ صغري وأنا أتعرض للظلم من أهلي من أصحابي من كل شخص تقريبا، لم أحقق شيئا ولا أي هدف في حياتي، أينما حللت وارتحلت إلا وأجد أعداء من حيث لا أحتسب، قلبي محطم داخليا، أصبحت أحقد على العالم كله بسبب ما تعرضت له، لا أقوى على الانتقام خوفا من الله لكن لم أعد أتحمل بطش الناس.
عندما أبحث في الشرع أجد أنه إذا أحب الله عبدا جعل من في الأرض يحبه، وهذا ما يحبطني أن الله كذلك لا يحبني، أنا أتساءل فيم أخطأت، وماذا فعلت لهم كي يؤذونني هكذا، لا أجد جوابا إلا أنني أحسنت لهم وخفت فيهم الله كثيرا.
ضاقت علي الأرض بما رحبت حتى أصبحت أتمنى الموت صباحا ومساء، وبدأت أفقد يقيني في أن بعد العسر يسرا! أنا أعاني من الظلم والبطش منذ كنت في الثانية عشرة، تعرضت للضرب والقذف وكل أنواع التعذيب، وتعرضت لمحاولة القتل من أقرب الناس إلي، وعندما سافرت خارج البلد وجدت نفسي محط أنظار الكل، والكل يريد أذيتي، هل الله غاضب علي هو كذلك؟ لأنه لا ملجأ لي أبدا!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ خديجة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك بنتنا الفاضلة في موقعك، ونسأل الله أن يرفع ما بك من الأذى والأذية، وأن يصرف عنك شر كل ذي شر، وأن يلهمك السداد والرشاد، وأن يصلح الأحوال، وأن يحقق لنا ولك السعادة والآمال.
لن تضيع من تخاف الله تبارك وتعالى وتستقيم في تعاملها مع الآخرين، حتى لو أساء الآخرون، فإن الإساءة تعود إليهم، {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله}، فاستمري على ما أنت عليه من الطاعات، وتجنبي أسباب أذية الآخرين بالنسبة لك، وقوي يقينك بالله تبارك وتعالى، واعلمي أن حب الله للإنسان إنما يأتي بعد صبره على البلاء، (إن الله إذا أحب عبدا ابتلاه)، وبعد الابتلاء والاختبار والامتحان يكون التمكين ويكون الرفعة، لذلك أرجو أن تفهم المسألة بهذه الطريقة، ونتمنى أن تتجنبي العبارات التي تشم منها رائحة الاعتراض، (أتساءل فيما أخطت)، و(ماذا فعلت) وكذا، (ولماذا فقدت يقيني أن بعد العسر يسر)، هذا كلام غير صحيح، تجنبي مثل هذه العبارات، ونتمنى أن تتواصلي مع موقعك وتبيني أنواع الإساءة، حتى نستطيع أن نجيبك تفصيلا، وحتى نعرف أسباب تعرضك للأذى.
أما ما حدث في الصغر فأرجو أن تطوى الصفحات، فمن الخطأ العرف الذي مورس، والضرب الذي كان يمارس عليك وأنت صغيرة: هذا قطعا لا نوافق عليه، لكن هذا لا يعني أن الإنسان يصاحب الذكريات الأليمة والخبرات السالبة، ولا يعطيها مساحات في حياته، بل ينبغي أن نستقبل الحياة بأمل جديد وبثقة في ربنا المجيد.
احرصي على طاعة الله، فهو الرحيم، الذي يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، فكيف إذا كنت أنت تحبين الله وتخافينه وتتقينه في تعاملك مع الآخرين، اصبري على البلاء، واعلمي أن بعده رفعة إذا صبرت، وثبت على الطاعة الله تبارك وتعالى، ولا تتوقفي عن الدعاء واللجوء إلى الله تبارك وتعالى، فإن الله يجيب المضطر إذا دعاه، فكيف بمن تخاف الله وتتقيه في تعاملاتها، واعلمي أن الدعاء سلاح عظيم جدا، ولكن هذا السلاح يحتاج إلى يقين وإلحاح وصدق وتوجه إلى الله تبارك وتعالى، وعزم في المسألة، واستمرار في الدعاء، لأن الشيطان هو الذي يريدنا أن نتوقف عن اللجوء إلى الله، هو الذي يريد أن يفقدنا ثقتنا في ربنا العظيم، القدير، الكبير، المتعال، سبحانه وتعالى. فالجئي إلى الله وكوني معه.
ومن المهم أيضا –كما أشرنا– تفادي أسباب التعرض للأذى، نحن لا نعتقد بأن الإنسان يمشي هكذا فيأتي من يؤذيه، فما هي الأسباب؟ لماذا أنت؟ ولماذا يتعرضون لك؟ هي أسئلة أرجو أن تجيبي عليها، ونحن أيضا نساعدك في فهم هذا الذي يحدث، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعيننا وإياكم على الخير، ونحن لك في مقام الآباء والإخوان الكبار، نرحب بك في موقعك، وسنساعدك، ولكن ساعدي نفسك بتوضيح ما يحدث تفصيلا، حتى نستطيع أن نضع سويا النقاط على الحروف، لكن الذي نوصيك به لا تفقدي ثقتك بالله، ولا تغيري خوفك من الله، ولا تغيري يقينك في الله، فبعد العسر يسر، ولن يغلب عسر يسرين، والله تبارك وتعالى بيده ملكوت كل شيء، وهو على كل شيء قدير، سبحانه.
نسأل الله أن يسهل أمرك، وأن يلهمك السداد والرشاد.