السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم على هذا الموقع، وجزاكم الله كل الخير.
أنا فتاة، عمري 20 سنة، الحمد لله الذي هداني الله إلى طريق الحق، لكن في الفترة الأخيرة أشعر أن الله لا يتقبل مني صلواتي، لأنني كلما دخلت في الصلاة أوسوس بأنني نسيت تكبيرة الإحرام، أو نسيت آية من الفاتحة، أو لم آت بالركوع، وفي أغلب الأحيان أقطع صلاتي وأعيدها، أو أعيد قراءة الفاتحة، وهذا يحدث لي تقريبا في كل الصلوات.
وفي كل مرة أقوم بمجاهدته وعدم الالتفات إليه، لكن أشعر بتأنيب الضمير، وأخاف أن تكون صلاتي خاطئة، كما أني أحاول أن أتذكر هل أتيت بذلك الركن؟ ولكن في الغالب لا أتذكر، حتى وصل بي الأمر عند التسبيح في السجود أو الركوع أن أحسب بأصابعي.
كما أنه ينتابني أيضا وسواس خروج الريح، فلا أدري هل خرج مني أم لا؟ وعندما يخرج من الأمام ينتابني شكل أنه خرج من الخلف، وهذا مما يسبب لي القلق في الصلاة، فأقطع صلاتي وأعيدها مرتين وثلاثة، والله لقد اشتقت أن أصلي بدون وسواس، وقد وصلت الوساوس لدرجة أني أشك هل احتلمت؟ هل خرج مني المني؟
فهل ما أعاني منه وسواس أم حقيقة؟ وهل تجاهلي له هو الصواب؟ وهل سيحاسبني الله عليه؟ وكيف أتخلص منه؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ كاتيا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك ومرحبا بك -أختي العزيزة- وأسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياك على الدين، ويهدينا صراطه المستقيم، ويرزقنا العلم والإيمان واليقين وسعادة الدارين.
- لاشك أن ما تعانينه من كثرة الوساوس في الصلاة، ووساوس خروج الريح والمني والاحتلام ونحو ذلك مما يشكك في كونه صحيحا أو هي وساوس فقط ونحو ذلك، كل ذلك يعود إلى ابتلائك بما يسمى بالوساوس القهرية، وهي نوع من الاضطرابات النفسية غير المنطقية المرتبطة بالقلق، وتؤدي إلى تكرار بعض التصرفات اجباريا، مما يعوق الحياة اليومية والحالة النفسية لديك، وقد يؤدي لك إلى ترك الصلاة، كل هذه الوساوس القهرية وإن كانت شاقة على النفس إلا أن علاجها ممكن، ويتلخص في التالي:
- الثبات على معرفتك من غير شك ولاتردد في إدراك أن هذه الوساوس غير شرعية؛ لأن أحكام الشرع لا تبنى إلا على الدليل والحجة والبرهان (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)، ولا هي بحقيقية ولا واقعية أيضا؛ لعدم وجود دليل واقعي محسوس صحيح وصريح، مما يستلزم ضرورة تجاهلها والتغافل والإعراض عنها وعدم أعتبارها، والاعتماد فحسب على اصل اليقين وهو الطهارة، وبالتالي فلا يجوز تأنيب ضميرك لك، وتوهم ما ذكرتيه من خشيتك أن الله تعالى سيحاسبك عليها، بل العكس هو الصحيح، فإن الاسترسال مع الوساوس طاعة للشيطان الرجيم من حيث لا تشعرين، وهو خطأ ظاهر مبين، فلا يجوز ظن بطلان الطهارة بتوهم خروج الريح والمني والاحتلام، بل اجزمي بيقين الطهارة، وأن هذا الوهم باطل شرعا وعقلا، فقطع الصلاة، أو توهم بطلان العبادة من صلاة أو صيام بمجرد الشكوك والظنون والوساوس والأوهام كل ذلك غير جائز، ولكن بدليل يقيني فحسب، قال تعالى : (وما يتبع أكثرهم إلا ظنا، إن الظن لا يغني من الحق شيئا)، وصح في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه: أخرج منه شيء أم لا؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) أخرجه مسلم.
وهذا الحديث يدل على أن الشك في الحدث سواء الأصغر أو الأكبر لاغ ولا يؤثر ولا يعتبر، والطهارة باقية على أصلها حتى يتحقق ما ينقضها، وفي هذا دلالة على الأخذ بالأصول في أمور الطلاق والنكاح والمعاملات والصلاة وغير ذلك كالطهارة، وهذا أصل أصيل عند أهل العلم، وهو أن الواجب الأخذ بالأصول والتمسك بالأصول؛ حتى يعلم ما يخالفها ويناقضها.
- وكذا فإن وساوس خروج الماء والاحتلام، فاحرصي فحسب على البعد عن أسباب الإثارة من مشاهد وصور آثمة، واحمدي الله تعالى على هدايته إياك لهذا الدين، واعلمي أن الإثم مرفوع مع عدم توفر العمد والقصد والإرادة والاختيار، فقد ثبت في محكمات الشرع أنها معفو عنها، حيث قال تعالى حاكيا قول المؤمنين: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين)، وقد ثبت في الحديث : (إن الله تـجاوز لي عن أمتي الـخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)؛ حديث حسن.
- كما وقد ورد في بعض النصوص وصيته صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتغافل عن هذه الوساوس وعدم الالتفات إليها، بأن تسعى لإيقاف تلك الوساوس وعدم الخوض معها في السؤال والجواب حيث أنه لانهاية لها ولاخلاص منها، فلن تنتهي حتى ينجح الشيطان في الوصول إلى مبتغاه في إيقاعك في الحيرة والضيق وكراهية الطاعات .،لذا فإن الانسياق لها نوع مكيدة من الشيطان الرجيم.
- ويكون الحل في التغافل عنها ومدافعتها بالاستعاذة بالله تعالى من الشيطان الرجيم ، وكثرة ذكر الله تعالى وقراءة القرآن ، لاسيما سورة الفاتحة والبقرة والمعوذات وآية الكرسي ، فأكثري من ذلك ما استطعت . قال الله تعالى : (إما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم)، وقال تعالى : (وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين * وأعوذ بك رب أن يحضرون).
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (وآمركم أن تذكروا الله ، فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعا ، حتى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم . كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله) رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
- وقد جمع الرسول صلى الله عليه وسلم بين هذين الأمرين في حديث واحد فقال حينما سئل عن بعض تلك الوساوس التي تأتي للإنسان: (فليستعذ بالله ، ولينته) رواه البخاري ومسلم.
- ومما يسهم في صرف هذه الوساوس إدراك أنها من الشيطان، ولا يخفى حرصه على إضلال بني آدم، ووجوب معاداة المسلم العاقل له (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير).
- ومن المهم هنا أيضا لطرد وساوس النفس والهوى والشيطان، وتحصيل الراحة النفسية والاطمئنان والدرجات العلا في الجنان: تعميق الإيمان بطلب العلم النافع والعمل الصالح، ولزوم الذكر وقراءة القرآن الكريم والصحبة الصالحة الواعية، والإكثار من الاستغفار والقراءة في الكتب الإيمانية والوعظية، ومتابعة المحاضرات والبرامج المفيدة، وإعطاء النفس حقها من الاسترخاء والرياضة.
- ولا أجمل وأفضل من اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء، وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى، ورزقنا الصبر واليقين وسعادة الآخرة والأولى، والله الموفق والمستعان.