الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحسست برجفة في الصلاة ودوخة، فهل هي أعراض مس؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عندي سؤال، بارك الله فيكم.

كنت أصلي الفجر في جماعة، وبدأ الشيخ بقراءة الفاتحة، وكانت أموري كلها جيدة، ولكن بعد أن بدأ في قراءة سورة الرحمن، شعرت بتغييرات في قدميّ، أصبحتا ترتجفان بقوة وتوتر، لدرجة أنني قطعت الصلاة، وقد كنت في الصف الأول، ولا أعلم كيف قطعتها، شعرت أنها حركة لا إرادية، ثم أردت الذهاب إلى المنزل، ولكن قلت في نفسي: أكمل الصلاة، فرجعت إلى الصف الثاني، وهنا شعرت بدوخة، وسمعت صوتًا قويًا عند باب المسجد، يصرخ بصوت مرتفع، تقريبًا صوته كاد أن يطغى على صوت الإمام.

علماً أن هذا الموقف تكرر معي أكثر من مرة، لدرجة أنني لا أريد الذهاب إلى المسجد بعد اليوم، لما تعرضت له من إحراج.

فما نصيحتكم؟ وهل بي جن، أم أصبت بالمسِّ أو غيره؟ وما العلاج؟

بارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ماجد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك في إسلام ويب، ,نسأل الله أن يربط على قلبك، ويشرح صدرك، ويصرف عنك كل همٍّ وبلاء، ويثبتك على طاعته.

لقد وصفت حالةً تكرّرت معك أثناء الصلاة، تميزت برجفان شديد في القدمين، وتوتر مفاجئ، ودوخة، وانسحاب لا إرادي من الصلاة، مع تزامن غريب لصوت خارجي، وكل ذلك تسبب لك في ضيق نفسي وحرج شديد، بل دفعك للتفكير في ترك المسجد.

أولًا: ما تعانيه لا يدل بالضرورة على مسّ أو سحر، فالحكم بوجود أذى غير مرئي (كالمسّ أو السحر) لا يكون بمجرد الشعور بنفور أو خوف، أو توتر في موقف ما، بل يحتاج إلى علامات واضحة ومستمرة، مثل:
- أعراض متكررة أثناء الرقية الشرعية (صرعًا، صراخًا، تشنجًا، نفورًا من القرآن).
- أحلام مزعجة متكررة متعلقة بالجن.
- تغير مفاجئ ومستمر في السلوك، أو الصحة النفسية أو الجسدية، دون سبب طبي واضح.

وما ذكرته قد يكون نوبة هلع نفسية مفاجئة، وهي حالة يشعر فيها الشخص برجفان، توتر، دوار، ضيق في التنفس، وإحساس بفقد السيطرة، وغالبًا ما تحدث في أماكن عامة، أو مواقف تستدعي الخشوع والتأمل، وقد يكون وسواساً قهرياً، أو قلقاً مرتبطاً بالصلاة أو المسجد، خاصة إذا تكرر الموقف، وأصبح مرتبطًا بذهابك للمسجد.

ثانيًا: لا تترك المسجد ولا تُسلِّم نفسك لهذه المشاعر، فالشيطان يفرح حين يدفعك لترك الصف الأول والصلاة جماعة، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ يُخَوِّفُ أَوۡلِيَآءَهُۥ فَلَا تَخَافُوهُمۡ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ﴾ [آل عمران: 175] واعلم أن المؤمن يُبتلى ليرفع، ويُختبر ليثبت، فاثبت، وتذكّر أن كل خطوة تخطوها إلى المسجد تُكتب، وكل خشوع تحاوله تُؤجر عليه، حتى المشقة يُثاب المؤمن عليها، وقد قال رسول الله ﷺ: «عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» [رواه مسلم].

ثالثًا: خطوات عملية للتعافي والثبات:
مع أننا لا نجزم بوجود مس أو جان ، إلا أن الاحتمال -ولو كان ضئيلاً- يجب أخذه في الاعتبار، لذا ننصحك بما يلي:

- الرقية الشرعية اليومية:
- داوم على أذكار الصباح والمساء والنوم، فهي حصنك الحصين.
- لا تستجب لنداء الانسحاب من المسجد، بل واجهه، وكلما ثبت على ذلك رغم شدة التوتر؛ ضعفت سطوة الخوف، وفي المقابل كلما استسلمت، تضخّم الوسواس.

- ننصحك بالتحدث إلى طبيب نفسي، أو معالج شرعي ثقة؛ لتقييم حالتك، وهل هي أعراض هلع نفسي أم شيء آخر؟ فقد تحتاج إلى جلسات بسيطة جداً، لكنها ضروية.

- اذهب للمسجد مع رفيق صالح، فالمؤانسة تخفف وطأة التوتر، والشيطان أضعف ما يكون مع الجماعة.

رابعًا: أكثر من الدعاء دائما، وقل: "اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجَلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي"، فقد قال النبي ﷺ: «ما قالها أحدٌ إلَّا أذهبَ اللهُ حزنَه، وأبدلَه مكانَه فرحًا»، وقال: «يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ» (أخرجه أحمد).

وختامًا: ما حدث لك ليس دليلًا على ضعف الإيمان، بل دال على حضور عدوٍّ يحاول أن يُوهمك بما يصرفك عن الطاعة، فلا تترك الجماعة ولا المسجد، وكن على يقين أن الله معك.

نسأل الله أن يحفظك وأن يوفقك الله ويسددك، وأن يعيد عليك الطمأنينة والخشوع، وأن يثبّتك على صراطه المستقيم.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً