السؤال
السلام عليكم
لطالما عانيت من الوحدة فلم يكن لي صديقة مقربة ولا أخت، وحتى الآن لم يتقدم أحد لخطبتي، ومضيت كل سنواتي في الدراسة دون أنيس ولا ونيس، وقد رزقني الله عندما طلبت منه أن يعوضني خيرا عن كثرة ما حل بي من بلاء في حياتي، فرزقني زيارة البيت الحرام -والحمد لله-، وأصبحت أستحي أن أطلب من الله شيئا.
ضاقت علي الدنيا بما رحبت من الوحدة ووحشة الطريق، حتى بكيت وجاءني فتور من كل شيء في الحياة، فما الحل؟
علما بأنني ملتزمة في العبادات، وأحفظ القرآن، وأحضر دروسا دينية.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.
نسأل الله بأسمائه وصفاته أن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرزقك الزوج الصالح الذي تأنسين به.
ولقد من الله -سبحانه وتعالى- عليك بنعم جليلة، فإنه هداك إلى دينه، وأعانك على طاعته، وجعلك ملتزمة في عباداتك، وهذا فضل من الله تعالى عظيم، تفتقده كثير من نساء المسلمين وبنات المسلمين، فينبغي أن تشكري نعمة الله تعالى على هذه المنحة والعطية، فإن من شكر الله زاده، قال سبحانه: {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد}.
ومن عليك -سبحانه وتعالى- بحفظ القرآن، وهذه أعظم عطية ينالها الإنسان في هذه الدنيا، فإن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته، يعني: المقربين منه، والقرآن له فضائل لا تحصى، فهو شافع لأصحابه يوم القيامة، وهو حجة لهم، يدافع عنهم ليقيهم النار، وثوابه يأتي يوم القيامة ظلا لصاحبه، وصاحبه يرتفع درجات في الجنة بقدر حفظه، إلى غير ذلك من الثواب الكثير الذي ستجدينه بعد الممات.
وحضورك الدروس الدينية أيضا عمل جليل، وفقك الله -سبحانه وتعالى- له ومنحك الرغبة فيه، وهذا فضل من الله تعالى عظيم، وأنت تستحقين الشكر لأنك تسببت في كل هذه الخيرات من العبادات وحفظ القرآن والدروس الدينية، فهي كما أنها بتقدير الله تعالى وعطائه هي أيضا بتسبب منك واختيار، والله -سبحانه وتعالى- لا يضيع أجر من أحسن عملا.
وموضوع الزواج لا ينبغي أن يشغلك كثيرا، فأنت أولا لا تزالين في سن مبكرة، فلست كبيرة، وأغلب البنات يخطبن للزواج بعد هذا السن الذي أنت فيه، فلا ينبغي أن يسيطر عليك اليأس والقنوط، وأحسني ظنك بالله سبحانه وتعالى، وفوضي أمرك إليه، فإنه -سبحانه وتعالى- أعلم بمصالحك من نفسك، وأرحم بك من أمك، وأشفق عليك من نفسك بنفسك، فإذا كان الله تعالى متصفا بهذه الصفات، أرحم بك وأعلم بمصالحك وقادر وقدير على أن يفعل بك ما يشاء، فكيف بعد ذلك تقلقين وتفزعين؟ فإن لك ربا رحيما، علميا، قديرا، لا يعجزه شيء، ولكنه -سبحانه وتعالى- يضع الشيء في موضعه، ويختار لك ما هو الخير والأفضل والأحسن والأكمل، ففوضي أمورك إليه، والتزمي دينه، وخذي بالأسباب.
نصيحتنا لك أن تعملي بالأسباب التالية:
أولا: أكثري من مصاحبة النساء الصالحات والبنات الصالحات، فهن خير عون في البحث عن الرجل الصالح والزوج المناسب.
ثانيا: أكثري من دعاء الله -سبحانه وتعالى- وتلمسي الأوقات التي يشتد فيها رجاء إجابة الدعاء، كالدعاء حال السجود، وبين الأذان والإقامة، وفي الثلث الأخير من الليل، ونحو ذلك من اللحظات والساعات والأحوال، فأكثري من دعاء الله سبحانه وتعالى أن يرزقك الزوج الصالح، ولا تقنطي، ولا تقولي بأنه قد دعوت كثيرا فلم يستجب لي، فهذا سبب في رد الدعاء. فاجتهدي في الدعاء، واسألي الله تعالى بيقين تام أنه سيعطيك ما تسألين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة).
ثالثا: حاولي أن تستعيني بمن تقدرين على الاستعانة به من أقاربك الذكور – لو كان لك إخوان أو نحوهم – في التعريف بك لدى من يرغب في الزواج، فهذا ليس عيبا، وقد كان الصحابة يعرضون بناتهم لمن يرون صلاحيته للزواج، فإذا أمكن هذا فهذا سبب آخر، وإن لم يمكن فكوني على ثقة ويقين بأن الله -سبحانه وتعالى- قد كتب المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، فأنت قد كتب أمرك هل ستتزوجين أو لا، ولكنك مأمورة فقط بأن تأخذي بما تيسر لك من الأسباب المباحة – الأسباب الشرعية – وستصلين بهذه الأسباب البسيطة إلى ما قدره الله تعالى لك.
كوني راضية بما يقدره الله وستلقين في هذه الدنيا الفرح والسرور والسعادة، والأعظم من ذلك أنك ستنالين السعادة الأبدية بعد الممات بالاستمرار على هذه الطريقة التي أنت فيها من الالتزام بالعبادات وحفظ القرآن وقراءته ونحو ذلك من الأعمال الصالحة.
نسأل الله أن يقدر لك الخير حيث كان ويوفقك لكل خير.