السؤال
السلام عليكم
أشكو من أبي بأنه يقصر في أداء واجبات المعيشة، إلى جانب الإهانة والقسوة، وقد تحدثنا كثيرا في الأمر ولكنه مستمر كثيرا، تحدثنا مع كبار العائلة ولم يتغير شيء، بجانب معاندته لنا واستفزازه كثيرا ليبدو وكأننه في نفس سننا، بجانب التقصير في المعيشه بشكل عام وخاصة في المادية، فإن عليه ديونا، ولا يتحدث لوالدتي عنها، ولا نعرف عنها شيئا.
يصلي ويقرأ القرآن، ولكن أموره كلها عجيبة، ولا يفكر بأختي المقدمة على الزواج، ولا يفكر في تجهيزها، نحن 3 فتيات وولد صغير ووالدتي، نكفي أنفسنا، وكل منا يحمل هم نفسه، كأنه لا وجود لأب في المنزل، من واجبه أن يصرف علينا ويحمل همنا، بجانب عدم وجود علاقة اجتماعية خلقها لنا منذ صغرنا، ويريد أن نتحسن فقط في العلاقة، ولكن هو لا يريد أن يغير من نفسه شيئا، بجانب أن الأكبر هو الذي يحتوي الأصغر، وينبغي أن يحسن معاملته.
هذه العلاقة جعلت أختي لا تكمل الثانوية العامة لتعب نفسيتها الشديدة من عدة أمور في البيت، حتى مع الولد الصغير لا يوجد علاقة بينهم.
كبرنا على هذا الوضع، فلا توجد علاقة بيننا وبينه مثل علاقة الأب بأولاده، وهو لا يفرق معه شيئا، ويطلب منا أمورا مادية نتحملها فوق طاقتنا، مع أن الأمور المادية سهلة التدبير، ولكنه لا يريد أن يصلح أي شيء، رغم الحديث معه منذ سنين طويلة، وجلسات كثيرة من الأقارب، ويصعب علينا ذلك لكبر سنه، ولم يقدم شئا في الحياة، ولم يجعلنا نحبه أبدا، ولم نشعر بوجود أب معنا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هاجر حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
أهلا وسهلا بك.
غاليتي: نحن نأتي إلى الحياة ولم نختر أمهاتنا وآبائنا، ولكننا نملك حسن التكيف وحسن العشرة بالمعروف معهم، ولا يجوز لك أن تعبري عن تصرفات والدك بكلمات غير لائقة، وإن قصر معكم أو مع والدتك؛ فهذا الوصف من العقوق، وواجبنا تجاه والدينا كما أوصانا العزيز الغفار في كتابه الكريم: "فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما"، فانظري إلى عظمة مكانة الآباء عند ربنا -عز وجل- ولو كانا مشركين أوصى الله بهما وقال: "وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا"، وهذا لا يعني تجنب النصح لهم وطلب الهداية، ولكن علينا أن نقترب منهم بالكلمة الطيبة، وخفض جناح الطاعة، والاحترام، وأن نكسبهم في الدارين: دعاء في الدنيا لتسهيل أمورنا، ورضى لدخولنا الجنة، والله سميع مجيب.
بنيتي: خذي بهذه النصائح، واعملي بها؛ وسوف ترين كيف سوف تتيسر أمورك وأمور أسرتك، والله ولي التوفيق:
- تقربي من والدك، وابني علاقة طيبة معه بدل أن تجافيه وتشحني مشاعرك بالغضب منه، واعلمي أنه مهما بلغ بك الجفاء؛ فيبقى له حق البر عليك.
- اجتهدي في خدمته، وقدمي له الطعام والقهوة أو أي شيء هو يرغب به ويسعد قلبه، حتى لو رفض منك هذا الاهتمام، فلا تندمي أو تبدي له أي استياء، بل قولي له: كما تشاء يا والدي، وقبلي يده.
- كوني وسيطة وحنونة في أسرتك، وخففي عن أمك، ولا تزيدي عليها تجاه والدك، فأنت في عمر النضج، ومتعلمة ومثقفة، وسوف يأتي نصيبك وتتزوجين وسوف تحملين المسؤولية، وكل ما تعيشينه اليوم سيكون ذكرى.
- حاولي أن تقنعي أختك بالعودة لإكمال دراستها فهذا مستقبلها، ولن ينفعها الدخول في دوامة الهم والغم بشيء من دون الوصول إلى حل سوى الغرق في الحزن والقلق.
- اجعلي أيامك رضى بما قسم الله من قلة المال، واشكريه على نعمه؛ فأنت بصحة جيدة، وتكملين دراستك، وقريبا ستتخرجين وتحصلين على وظيفة راقية، ونفخر بك كفتاة مسلمة لها دور في المجتمع الإسلامي.
بإمكانك الاستعانة ببعض الأقارب ممن يقبل والدك نصحهم، ويوضحون له وجوب النفقة على زوجته، وأن من أوجب واجباته كرب أسرة أن ينفق على زوجته وأبنائه، ويمكن أن تحنني قلب والدك عليكم من خلال أحد الرجال الصالحين، وبإمكانك أن ترسلي أحد محارمك إلى خطيب المسجد الذي يذهب إليه والدك في صلاة الجمعة، لتتفقوا معه وتخبروه بالمشكلة، وموضوع الديون، وهو سوف يقوم بدوره ويعظه بطريقة غير مباشرة؛ فهذه الطريقة لها أثر بالغ في نفوس المسلمين.
كل ما أوصيك به هو أن تركزي في دراستك ومستقبلك، وأن تعيدي بناء علاقاتك الاجتماعية مع صديقاتك، وأن تزوريهم، وأن يأتوا إليك، وبإمكانك أن تختاري الأصدقاء أصحاب المستوى المادي المتقارب منك؛ وبهذا لا تشعرين بالفرق لا من ناحية اللبس ولا الضيافة، واعلمي أن الصداقة بين الأخوات في الإسلام لا تبنى على المظاهر وحب الدنيا؛ فكلنا سواسية عند الله في أخلاقنا وديننا ومعاملتنا لبعضنا البعض، وما نقوم به من أعمال خير وبر.
صبري أمك على بلائها في هذه الدنيا، وأخبريها أن أجرها عند الله الباري العزيز الغفور الجنة والفردوس الأعلى، وأدخلي على قلبها الرضى والسعادة، وخففي من شكواك وتذمرك أمامها وهي تقف لا حول ولا قوة لها، ولا تشعريها أنها ضعيفة في صبرها على والدك؛ فهي اختارت الصبر بحكم ظروفها، ومن المؤكد أنها حاولت جاهدة تغيير والدك، ولكنها لم تصل إلى النتيجة المرجوة؛ فتعبت واستسلمت، وسلمت أمرها إلى الله، وهي تعلم أن الجزاء على قدر البلاء.
أكثري من الدعاء لوالديك ولك، وأكثري من الاستغفار، والزمي الطاعات من صوم وصلاة وتلاوة القرآن الكريم "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".
أسأل الله الهداية لكم، وأن تعم المودة والرحمة والرضى لقلوبكم.