أرفض النجاح والاستمتاع بالحياة وغيري محروم منها.

0 27

السؤال

السلام عليكم.

هناك شعور يؤرقني في حياتي، وهو أني لا أريد الاستمتاع بنعم الله علي وغيري محروم منها، فكلما رأيت مريضا أو مشردا أو مبتليا أشعر ناحيته بالذنب، ولا أريد أن أمر أمامه كي لا أشعره بالحزن على ابتلائه، ولا أعرف كيف أساعده، ومن ناحية أخرى أشعر بوسواس وأفكار مؤرقة ناحيتهم، فلماذا خلقهم الله فقراء وبلا مأوى؟ وهل سيحاسبهم الله مثلنا؟ فمنهم من يعيش ويموت في الشوارع والطرق، ولا يصلي ولا يعرف شيئا عن دينه، وأعوض هذا الشعور بأني لا أريد تحقيق نجاحات في حياتي، وأستحي أن أشكو من مشاكلي وابتلائي، وهم لا يملكون ربع ما عندي.

وأعتذر عن عدم ترتيب كلامي، وأرجو استيعاب شعوري هذا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك – أختنا الكريمة – في استشارات إسلام ويب.

أولا: نشكر لك شعورك بحاجة المحتاجين وإشفاقك عليهم والإحساس بأهمية مراعاتهم ومراعاة مشاعرهم، وهذا دليل على رقي في أخلاقك وحسن في إسلامك، فنسأل الله تعالى أن يزيدك هدى وصلاحا.

ولكن ما ذكرته من عدم الاستمتاع بنعم الله تعالى هو في الحقيقة أمر مناف ومغاير لمقصود الله تعالى من خلق هذه النعم، فالله سبحانه وتعالى خلق هذه النعم وأهداها إلينا، وكل واحد منا غارق في نعم الله تعالى عليه، يستوي في ذلك الفقراء والأغنياء، ويستوي في ذلك المريض والصحيح، ولكنك ربما أسرك النظر في بعض النعم التي هي موجودة فيك ويفتقدها الآخرون، فظننت أنهم محرومون، ولكن الحقيقة أن نعم الله سبحانه وتعالى تشمل جميع خلقه، وإن تفاوتت هذه النعم.

فالذي ينبغي لك أن تفعليه – أيتها الكريمة – أولا أن تشعري بنعم الله تعالى عليك، وأنه فضلك فيما أعطاك ولم يعطه لغيرك، فقابلي هذا بما ينبغي أن يقابل به من الشكر لهذا المنعم المهدي، كما يقول الشاطبي رحمه الله تعالى: "هذه النعم هدايا من الله للعبد، وهل يليق بالعبد عدم قبول هدية السيد؟ هذا غير لائق في محاسن العادات، بل قصد المهدي أن تقبل هديته، وهدية الله إلى العبد ما أنعم به عليه، فليقبل ثم ليشكر له عليها"، فهذا هو الذي ينبغي أن يفعله الإنسان المسلم، أن يقبل نعم الله تعالى عليه، ويحس بها في قلبه، ويثني على الله تعالى بها في لسانه، ويوظفها بعد ذلك فيما يرضي الله تعالى عنه.

ولا ينبغي أن يكون الشعور بنقص هذه النعم عند الآخرين مانعا من القيام بهذه الوظيفة الجليلة، نعم إخفاؤك لبعض النعم أمام بعض الناس المحرومين منها أمر حسن، ومحاولة عدم إدخال الألم عليهم بالنظر إلى ما حرموا منه شيء حسن، ولكن ينبغي أيضا أن يكون في حدود مقبولة.

أما كيفية مساعدة الآخرين: فمجرد هذا الهم أن يكون الإنسان شاعرا بضرورة مساعدة الآخرين، فهذا بحد ذاته شعور جميل وطاعة لله تعالى، إذا فعلها الإنسان ابتغاء مرضاة الله فإن الله تعالى يثيبه عليها، فإن الله يثيب على حديث النفس إذا هم الإنسان بالحسنة ولو لم يعملها، فإن الله تعالى يكتبها له حسنة، فإذا كنت تقصدين وتنوين فعل الخير للناس فإنك في هذه الحال أنت في خير عظيم، والله تعالى يأجرك عليه، فما قدرت على فعله فاحرصي على أن تفعليه، وما لم تقدري على فعله فإن الله تعالى لا يطالبك به، بل يكتب لك الأجر بذلك الشعور، ولكن عليك أن تحذري من أن يتحول هذا الشعور إلى عذاب نفسي، فهذا مدخل من مداخل الشيطان، يريد أن يدخل الحزن إلى قلبك ليقطعك عن الطاعات والقربات التي تقربك إلى الله سبحانه وتعالى.

فالحزن المثبط عن العمل، الحزن الميئس للإنسان، الحزن الذي يجعل الإنسان في هم وضيق هذا ليس مما يحبه الله تعالى، ولا يريده من عبده، بل هو نوع من أنواع الكيد الشيطاني، كما قال الله عز وجل في سورة المجادلة: {إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا} يعني: الشيطان حريص على إدخال الحزن إلى قلب الإنسان المسلم، فأنت في مساعدة الآخرين لا بد أن تعلمي أن الله تعالى لا يكلفك بما لا تطيقين، كما أنه سبحانه وتعالى لا يكلفك أيضا ما تطيقينه كله، فهناك مساعدات واجبة يطول الحديث عنها، لكن إذا كانت لديك أموال فإخراج الزكاة ومساعدة الآخرين بها هذا أداء لفريضة من فرائض الله، فما زاد على ذلك من أنواع الصدقات قربات يثيبك الله عليها، وإذا قصرت في شيء منها لا يحاسبك عليه.

فإذا أزيحي عن نفسك هذا القلق وهذا الهم، واعلمي أن هؤلاء المساكين ومن ترين من المبتلين لهم ربهم، يثيبهم على ما هم فيه، وأنه سبحانه وتعالى قدر عليهم ما قدره من الآلام والمصائب لحكم جليلة، فهو يريد أن يكفر سيئاتهم، أو يرفع درجاتهم، أو غير ذلك من الحكم العظيمة التي قد تظهر لك وقد لا تظهر.

نسأل الله بأسمائه وصفاته أن يوفقك لكل خير.

مواد ذات صلة

الاستشارات