السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
منذ حوالي شهر تقريبا استيقظت من نومي مفزوعا من رؤية والدي -رحمه الله- يبكي في قبره، من هذا التوقيت وأنا في خوف وهلع شديدين مما أثر على صحتي النفسية والجسدية.
أنا في أواخر الخمسينات من العمر، كل ما أفعله الآن هو التفكير في حياتي في السابق، وأيقنت كم حجم الفشل في كل قراراتي السابقة، بدت ذنوبي أمامي كبيرة، بحيث أني بدأت أشك أن الله لن يغفرها لي، وأني ضائع لا محاله، فهل هذا من الشيطان؟ هل هذا غضب من الله علي؟ هل هذا دعاء من شخص ما قد أكون ظلمته بدون قصد؟ هل هذا حسد أو عين أو مس؟
أفيدوني أفادكم الله.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو وليد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا –أخي الكريم– في استشارات إسلام ويب.
لا نحسن تعبير الرؤى، وليس من اختصاص الموقع القيام بذلك، لكن نرجو الله تعالى أن تكون هذه الرؤية فيها خير لك، ولا نوافقك الرأي في تحميلها ما لا تحتمل من الاحتمالات التي ذكرت بكونها من الشيطان وغضب من الله عليك، أو غير ذلك مما ذكرته في الاستشارة، بل نظنها تنبيه وإيقاظ، وهذا من رحمة الله تعالى بك، فما دامت قد أثرت فيك هذا التأثير ودعتك إلى النظر في الماضي وتقليب الصفحات والتفكر في الأعمال؛ فهذا كله خير أراده الله تعالى بك، وكلنا خطاء، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)).
فمن رحمة الله تعالى بالإنسان أن يلهمه التوبة والنظر في أعماله ليصحح مساره، فنصيحتنا لك أن تغتنم هذه الحالة التي وصلت إليها، وأن تجعل من هذا الأثر إيجابيا في حياتك، مصححا لأعمالك، باعثا لك على الاستزادة من الخير، وبهذا تغنم وتسلم بإذن الله تعالى.
كل ما سبق – أيها الحبيب – من السيئات يمحوه الله تعالى بالتوبة، كما قال سبحانه وتعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم}، فالله تعالى لا يتعاظمه ذنب، فكل الذنوب يغفرها الله تعالى بالتوبة، والقرآن مليء بالآيات التي عرض الله تعالى فيها بالتوبة على كبار المجرمين، الذين أشركوا به وسبوه وشتموه، فضلا عن غير ذلك من الذنوب أو ما هو دون ذلك من الذنوب.
فإذا لا يأس من رحمة الله تعالى، ولا قنوط من فضله جل شأنه، ولكن على الإنسان أن يبادر الأوقات ويستغل الزمان الذي هو فيه. فنصيحتنا لك أن تستمر فيها.
التوبة تعني الندم على ما كان من الذنوب، والعزم على عدم الرجوع إليها في المستقبل، والإقلاع عن الذنب في الزمن الحاضر، فإذا فعل الإنسان ذلك في الذنوب التي هي مما بينه وبين الله تعالى غفرها الله تعالى له، وإذا كانت ثم ذنوب متعلقة بحقوق العباد فمن أجزاء التوبة أن يتخلص الإنسان من هذه الحقوق، وهنا – أي في مسألة الحقوق – تفصيلات كثيرة بحسب هذه الحقوق، إذا كان فيها شيء من الإشكال عندك ينبغي أن يفرد بسؤال مستقل.
إذا اجتهد – أيها الحبيب – في استغلال ما بقي من عمرك، واشكر نعمة الله تعالى على هذا الإمهال، وعلى هذا التنبيه أيضا، فإن لحظة واحدة قبل الممات يتوب فيها الإنسان إلى ربه ويستغفر من خطيئاته كفيلة بأن تسعده سعادة لا يشقى بعدها أبدا، والأعمال بالخواتيم كما قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالخواتيم)).
فنسأل الله تعالى أن يحسن ختامنا وختامك، وأن يرزقنا التوبة ويرضى عنا وعنك.