السؤال
سلام عليك أيها القارئ، أرجو أن تعتبرني كابن صغير لك.
لقد سمعنا في الآونة الأخيرة عن انتشار الأمراض النفسية الحديثة مثل:(الخوف المرضي - الرعب الداخلي - نوبات الذعر – القلق المرضي -الخفقان وزيادة ضربات القلب عند التحدث أمام الآخرين أو عدم التدريب أمام الناس)، فهل كان الصحابة الكرام كخالد بن الوليد، وعمر، وحمزة، والقعقاع، والمثنى، ومحمد الفاتح، وأسامة بن منقذ وغيرهم من المسلمين وقطز وصلاح الدين هل كانوا مصابين بهذه الأمراض أو بأحد هذه الأمراض؟ فهل كانوا يعرقون أو يرجفون عندما يحدثهم أحد؟ وهل كانت ضربات قلوبهم تزداد عندما يواجهون هذه المواقف؟ وهل كانوا يتدربون للقتال بروح قتالية عالية وحماس ويستخدمون عقولهم في التدريب والعلم مثل الجيوش اليوم؟ وهل كانت لديهم شجاعة الإرادة (القدرة على ضبط شهوات النفس ومنع جنوحها إلى مهاوي الردى والمهالك - التغلب على مخاوف النفس وهواجسها وقهر أوهامها - ألا ينقاد المرء للجلساء وأصحاب المنافع أو الشهوات التي تخل برجولته أو كرامته أو مروءته)؟
أرجو الإفادة وعذرا على كثرة الأسئلة، فأنا طفل عمري 11 سنة وأريد أن أبني شخصية قوية للإسلام وللمسلمين لعلي أستطيع إرجاع الأراضي المغتصبة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
نسأل الله العظيم أن يحفظك ويسدد خطاك، وأن يلهمك رشدك ويعيذنا من شرور أنفسنا..
فحق لنا أن نفتخر بشباب يحرص على السؤال، ويتطلع للتشبه بكرام الرجال صحابة النبي أفضل القرون والأجيال، ومرحبا بك مع آبائك وإخوانك في موقعك، ونحن سعداء بأسئلتك التي تدل على نبوغ ظاهر، وزادك الله حرصا.
إن الصحابة الأبرار الذين رباهم رسول الله المختار على مائدة القرآن والحديث والآثار سلموا من الآفات والأمراض، وسعدوا في الدنيا بإيمانهم بالواحد القهار، وفازوا في الآخرة بالجنة دار القرار.
إن الأمراض النفسية تصيب الإنسان إذا ضعف إيمانه بالله، أو اتخذ معه آلهة أخرى عيإذا بالله، وعند ذلك تسيطر عليه أمواج الخوف على الرزق والأجل، والخوف من الناس؛ لأن من خاف غير الله أخافه الله من كل شيء، ومن خاف الله وحده أخاف الله منه كل شيء.
كما أن ضعف الإيمان بالقضاء والقدر يدخل الإنسان في أزمات نفسية عميقة بخلاف المؤمن الحق الذي يرضى بقضاء الله وقدره، ويحمد الله في كل أحواله، و(عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له).
وإذا تعرض المسلم لأزمات نفسية فإنه يتعافى بسرعة بذكره لله، وبيقينه أنه لن يحدث في كون الله إلا ما أراده الله، وعجبت لمن خاف ولم يفزع إلى قوله تعالى: (( حسبنا الله ونعم الوكيل ))[آل عمران:173] فإنا نجد الله في الآية التي بعدها يقول: (( فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله ))[آل عمران:174].
وعجبت لمن اغتم كيف يذهل عن قوله تعالى: (( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ))[الأنبياء:87] فإنا نجد الله في الآية التي بعدها يقول: (( فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين ))[الأنبياء:88].
والاكتئاب هو مرض العصر، وهو الغم، والعلاج المذكور ليس لنبي الله يونس وحده، ولكن لكل مؤمن يواظب على ذكر الله، ولذا قال: (( وكذلك ننجي المؤمنين ))[الأنبياء:88].
وكان صلى الله عليه وسلم يقول لبلال: (أرحنا بالصلاة يا بلال) وكان الصحابة إذا حزبهم أمر فزعوا إلى الصلاة؛ فكانوا يجدون فيها راحتهم وطمأنينتهم، كيف وقد قال الله: (( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ))[البقرة:45].
إن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم سلموا من كل هذه الأمراض، وكانوا آية في الثبات والشجاعة؛ لأنهم أيقنوا أن الإنسان لا يموت إلا بأجله الذي قدره الله، فقد شهد خالد بن الوليد المعارك العديدة ثم مات على فراشه رضي الله عنه، ولقد استخدم الصحابة الفاتحين خططا عجيبة في معاركهم لا تزال الأنظمة العسكرية تقتبس من تلك العبقريات التي كانت بعد توفيق الله سببا في نجاح الفتوحات وانتشار الإسلام وانتصار قيمه النبيلة.
والصحابة انتصروا على النفس، ولم تستطع الدنيا الدخول إلى قلوبهم العامرة بحب الله وتوحيده والإيمان به، وحتى من وسع الله عليه في رزقه منهم كانت الدنيا في يديه فقدمها لله، ولم تدخل الدنيا إلى قلوبهم وتشغلهم عن الله.
فاجعل قدوتك رسولنا وصحابته، وأكثر من قراءة أخبارهم ودراسة سيرهم، واحرص على التشبه بهم، فإن التشبه بالرجال فلاح.
حفظك الله وسدد خطاك.