السؤال
السلام عليكم.
أنا شاب ولدت يتيما بلا أب منذ أن كان عمري 3 سنوات، من عائلة فقيرة جدا، مكونة من ولدين وبنت والوالدة.
منذ صغري ومع كل الظروف الصعبة المحيطة بنا سواء سوء وغدر الأقارب، والأوضاع الاقتصادية الصعبة، كنت ناجحا في تعليمي، أحصل دائما على المراكز الأولى بين أصدقائي، أنهيت الثانوية العامة بتفوق، وأكملت تعليمي الجامعي بمجهودي الخاص، حيث إنه وطول فترة التعليم وأنا أعمل من أجل توفير مصروفي الجامعي.
حاليا عمري 27 سنة، إنسان متعلم، ولدي وظيفة محترمة، وأعتبر نفسي إنسان ناجح، لكن المشكلة تكمن في الظروف العائلية، أعاني وبشكل خاص من سوء معاملة الوالدة، السب والشتم والتقليل من القيمة والمقارنة بالآخرين، أصبحت الآن إنسان مليء بالحقد والكراهية للآخرين، فاقد للثقة بنفسي، كثير التفكير، خائف من المستقبل، لا أنسى الماضي والمواقف الصعبة التي مررت بها، العائلة متفرقة لا أحد يتكلم معي، أخي يقاطعني بلا سبب وأختي كذلك، رغم أننا نعيش في نفس المنزل.
ووالدتي وأشقائي دائما ينادوني بالمريض النفسي والإنسان المصروع والمعقد، ودائما الوالدة تغضب علي بدون سبب، في الفترة الأخيرة أصبحت عدواني بشكل غير طبيعي، كثير العصبية أفقد السيطرة على نفسي، وأعتدي على والدتي بالضرب لكن والله بلا إرادة وتحكم.
ما الحل؟ والدتي معاملتها سيئة جدا معي، دائما تناديني بألفاظ محبطة كالمريض النفسي، المعاق، والمعقد، والمصروع وبالصوت العالي وأمام الجيران، ما الحل؟ وهل أحاسب أمام الله؟ والله أنني بدأت أخاف من حصول الانهيار العصبي أو الجنون!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ صالح حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك في استشارات إسلام ويب.
أولا نهنئك بما من الله تعالى به عليك من عطاء ونجاح في حياتك وتعليمك، وما يسره لك من تحقيق هذه الإنجازات، وفي الوقت ذاته نذكرك -أيها الحبيب- بأن هذه الإنجازات التي أنجزتها في حياتك كان لأسرتك ولأمك خاصة دور عظيم في تحقيقها، وينبغي أن تكون عاقلا منصفا فتعلم أنه ما كان لك أن تقوم بهذا كله -لا سيما في مراحل عمرك الأولى- دون أن يكون لأمك دور ودور كبير في ذلك، وهذا من شأنه أن يحبب إليك أمك، ويجعلك تقدر قدرها وتعرف منزلتها.
هذا مع سابق إحسان الأم إليك، فإن أمك تعنت كثيرا من أجلك، وتعبت كثيرا، ويكفي في إقرار هذا المعنى أن الله سبحانه وتعالى شهد بهذه الشهادة في كتابه الكريم: {حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا}، وشهد بأنها {حملته وهنا على وهن}، فلا يمكن أن يدرك الإنسان قدر الآلام والمتاعب التي تتحملها الأم في حمل ولدها ووضعه والقيام على شؤونه في صغره، أضف إلى ذلك أنك عشت يتيما ولا شك أن هذه الأم تعنت كثيرا وتعبت كثيرا من أجلك.
فتذكرك لهذه المحاسن وهذا الفضل العظيم الذي قدمته والدتك لك يجعلك تستسهل ما يصدر منها من إساءة إذا أساءت إليك بسب أو نحوه، ويجعلك أيضا لا تعذر نفسك ولا تبحث عن التبريرات للقيام بالإساءة إلى والدتك، فإن الله سبحانه وتعالى أمر بالإحسان للوالدين مهما بلغ إيذاؤهما للولد، فقال سبحانه وتعالى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا}، فمع مجاهدة الوالدين للولد ليكفر ويكون بعد ذلك من أصحاب النار المعذبين في النار المخلدين فيها، وليست ثمة إساءة أكبر من هذه الإساءة، مع هذه الإساءة أمر الله تعالى بالإحسان إليهما، وأنت تقرأ في القرآن الكريم الحوار الذي دار بين إبراهيم عليه الصلاة والسلام وبين والده، وقد هدده الوالد بالقتل، وهو يتلطف به ويتحنن عليه ويقول: {يا أبت ... يا أبت ... يا أبت ... يا أبت}، اقرأ هذا الحوار الجميل الشيق في سورة مريم، لتعرف كيف يتعامل الصالحون مع آبائهم وأمهاتهم في حال إساءتهم إليهم.
وقد نهانا الله سبحانه وتعالى عن الإساءة إلى الوالدين بأدنى إساءة، فقال سبحانه: {ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما}، ولو كانت هناك كلمة أقل من (أف) لنهى الله تعالى عنها كما قال العلماء.
إذا لا ينبغي لك أبدا أن تبرر لنفسك إساءتك إلى أمك وإن سبتك أو شتمتك كما ذكرت، ومقارنتها لك بالآخرين إنما باعثها حرصها على أن تكون أحسن، فهي تريد منك أن تكون أعلى، وتريد منك أن تكون دائما أرفع من غيرك، ولذلك تقارنك بغيرك تحفيزا.
وينبغي -أيها الحبيب- أن تستعين بالأطباء النفسيين ليساعدوك في التخلص من هذه المشاعر التي أصبحت تجدها من عدم الثقة بالنفس والخوف ونحو ذلك، ولكن نحن من الناحية الشرعية نقول لك: إن الله سبحانه وتعالى سيتكفل بأمرك، ويتولى عونك، وهو سبحانه وتعالى خير معين، فإذا كان الله معك لا تخشى شيئا بعد ذلك، وحتى تصل إلى هذا كن مع الله، فأحسن علاقتك مع الله بأداء الفرائض واجتناب النواهي، وأد حقوق الخلق عليك، ولا سيما الأسرة القريبة منك، كالأم والإخوة والأخوات، ومما يسعدك ويدخل الانشراح إلى صدرك أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وأن تحتسب ذلك لوجه الله تعالى وليس مكافأة للناس، فإذا فعلت ذلك أعانك الله، وأثابك من جنس عملك.
نسأل الله بأسمائه وصفاته أن ييسر لك الخير ويتولى عونك.