السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خير الجزاء.
أريد أن أعرف كيف أجمع بين التوكل على الله، وأخد الأسباب في كل أمور حياتي من زواج، أو وظيفة، أو شهادة أكاديمية.
أشعر أحيانا أني أتخاذل؛ لأن الأمر ليس بيدي، وأحيانا أشعر أنه مهما عملت فلا فائدة، وكل ما يريده الله سيحصل لا محالة فلم الاجتهاد والعناء، يؤثر ذلك على أخد قراراتي كلها، فمثلا؛ لأني امرأة ورزقي سيأتيني وليس واجبا علي السعي فيه، فهل أجلس في البيت أم أبحث عن وظيفة؟ لأني يتيمة الوالدين، وليس لي إخوان شباب ونحن ٧ أخوات، وأعمامي قد صرفوا علينا مدة، ولا نستطيع أن نطلب أكثر وأضطر للدراسة والعمل لكفاية نفسي وأخواتي، وهذا يجعلني أقع في الاختلاط في الجامعة أو المواصلات، العامة، والتحدث مع الرجال، ورؤية المتبرجات، لكني والله أجاهد أن يكون حجابي شرعيا، وأن لا أتحدث معهم إلا في الضرورة القصوى، وهذه هي الجامعة التي يسرها الله؛ لأن ألتحق بيها لدراسة الماجستير، وأن اكون أستاذة جامعة مستقبلا، وهذا أيضا يؤرقني، فهذا ما أتقنه وأريد أن أتحصل على المال منه كوظيفة لي، لكني أخاف أن يكون هذا حراما، وأن أؤثم عليه، وكذلك أمر الزواج علاقتي محدودة بالرغم من أني أحب الاجتماعات، لكن لا تتاح لي ولا أعلم لماذا؟ ويؤرقني كيف سأجد الزوج الصالح المناسب! كيف آخذ بالأسباب في هذا الجانب؛ لأن أغلب من حولي يعجب بها شاب مثلا ويتزوجون، لكني منتقبة، وصعب أن يحصل هذا معي.
أتمنى منكم أن تجيبوا علي باستفاضة، ومن كل قلبكم؛ لأن الموضوع، والله يؤرقني منذ زمن طويل جدا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ غيداء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك أختنا الكريمة، وردا على استشارتك أقول:
فإن الله تعالى حثنا على العمل بالأسباب في آيات كريمات مثل قوله سبحانه : (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ۖ وإليه النشور)، وحثنا نبينا عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة كذلك منها: لما خرج على الصحابة وبيده كتابان، فقال هذا كتاب فيه أهل الجنة، وهذا فيه أهل النار، فقال الصحابة، ففيم العمل إذا يا رسول الله، فقال لهم (أما من كان من أهل الجنة فسييسر لعمل أهل الجنة ومن كان من أهل النار فسييسر لعمل أهل النار، ثم قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له) وبقوله: (لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصا وتروح بطانا).
تطوير الذات من أجل الحصول على المكانة المرموقة والرزق الحسن أمر مطلوب من الرجل والمرأة على حد سواء، ونحن في زمن قد كثرت فيه الفتن، فلا يكاد يذهب المؤمن مكانا إلا ويرى فيها من الفتن الشيء الكثير، ولكن على المؤمن أن يكون حذرا، فإن اضطر لأمر لارتكاب خطأ ما فليرتكب الأخف، فمثلا إما إن يمشي إلى مقر عمله الساعات الطوال، أو أن يركب في المواصلات العامة والتي يجبر فيها على استماع الأغاني، ففي هذه الحال يركب ويكون منكرا بقلبه هذه المعصية، وكذلك إما أن تذهب المرأة للعمل أو تبقى عالة تسأل الناس، وربما عرضت نفسها للفتنة، ففي هذه الحال تذهب للعمل، وتقلل من الاختلاط بالرجال إلا بقدر الضرورة وتحذر على دينها وعرضها.
مسألة الزواج لا تأتي بتبرج المرأة، وليس كل الرجال يتزوجون عن طريق التعرف على الفتيات من خلال كشفهن لوجوههن، أو عرضهن لأجسادهن، فهنالك من يرغب في الزواج بالمرأة المتحجبة صاحبة الدين، وعمل المرأة بالسبب في هذا الجانب يكون من خلال بناء علاقات واسعة مع النساء، فعن طريقهن يمكن أن يأتي رزق هذه المرأة المتحجبة.
لا تيأسي من روح الله تعالى، فالله سبحانه أرحم بعباده من الأم بولدها، وعليك أن تكوني متفائلة، وأحسني الظن بالله تعالى فالله سبحانه عند ظن عبده به كما ورد في الحديث: (أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيرا فله ، وإن ظن شرا فله).
كوني على يقين أن الزواج رزق من الله سبحانه لا يأتي بشدة الحرص، ولا يفوت بالترك، فمتى جاء الوقت الذي قدر الله أن تتزوجي فيه هيأ الرجل الذي جعله من رزقك وتيسرت الأسباب لذلك.
تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد، وتحيني أوقات الإجابة، وسلي الله تعالى جميع حاجاتك، ومنها أن يرزقك الزوج الصالح الذي يسعدك في هذه الحياة، وأكثري من دعاء ذي النون (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).
الزمي الاستغفار، وأكثري من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك).
نسعد بتواصلك ونسأل الله تعالى أن يعطيك من الخير ما تتمنين، وأن يبعد عنك كل ما تكرهين آمين.