السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أستاذي الفاضل إنه من دواعي سروري أن أتصل بكم وأستشيركم في أمري بعد الفائدة العظيمة التي حصلتها من موقعكم المميز.
انتابتني أول نوبة هلع بعد الأربعين من ولادتي، قبل سنتين ونصف، وعندما غفوت ليلا قمت هلعة، وضربات قلبي جدا سريعة، مع خوف شديد، وجفاف في الحلق، وضيق في التنفس، وإحساس كأن الموت يحضرني، وبدأت أتشهد وأقرأ القرآن، فأخذوني للطوارئ، ولم يظهر لدي أي شيء عضوي بعد أن قاموا بعمل كل التحاليل.
بعدها انقلبت حياتي كليا، أصبحت تنتابني مشاعر حزن دون سبب، وقلق وغضب شديد من أبسط الأمور، وأحلام مفزعة، وآلام في البطن، وتجشؤ كثير وغثيان، وفقدان للشهية، وآلام في الرأس، وثقل في الأكتاف، مع تعب شديد حتى دون بذل مجهود.
أما نوبات الهلع المفاجئة فتأتيني كل شهرين، وأحيانا كل شهر، ومؤخرا كل أسبوعين، مع العلم أني كلما زرت الطبيب يقول لي أن كل تحاليلي جيدة.
أتمنى أن تخبروني عن حالتي هل هي مس أم ماذا؟ علما أني أصبحت متكاسلة في العبادات، وقد كنت جدا منضبطة من قبل.
أنا بحاجة إلى توجيهكم، حفظكم الله ونفع بكم الأمة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رقية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
النوبة التي أتتك هي نوبة فزع أو هرع، وهي بالفعل مخيفة جدا، تسارع في ضربات القلب مفاجئ، خفة في الرأس، شعور بالقلق الشديد، وكما تفضلت يأتي شعور للإنسان كأن المنية قد اقتربت ودنت، وهذا يولد المزيد من الخوف. هذه النوبة حدثت لك في فترة النفاس، لأن التعريف النفسي لفترة النفاس هي (سنة كاملة بعد الولادة) وليس أربعين يوما.
وهذه الفترة (فترة النفاس) كثير من النساء لديهن شيء من الهشاشة النفسية – إذا جاز التعبير – الاكتئاب النفسي يكثر في هذه الفترة، القلق والتوترات والوساوس والمخاوف، كل هذا نجده في هذه الأوقات، وعليه: أعتقد أن النوبة لن تخرج عن أنها نوبة هلع أو فزع، وليس دليلا أبدا على أنك مصابة باكتئاب نفسي حقيقي. لكن النوبة نفسها تولدت عنها بعد ذلك كما تفضلت مشاعر الحزن، والقلق والغضب الشديد والأحلام المزعجة، وهذا نسميه بـ (قلق أدى إلى عسر في المزاج)، لم يصل الحمد لله لمرحلة الاكتئاب الكاملة، وإن كان كثير من علماء النفس والسلوك يعتبر عسر المزاج في حد ذاته نوعا من الاكتئاب النفسي البسيط.
على العموم يمكن أن نقول أن حاضرك الآن من الناحية التشخصية هو قلق اكتئابي من النوع البسيط، وقطعا القلق الاكتئابي يؤدي إلى إضعاف الدافعية عند الإنسان، وأنت وصفته وصفا جميلا أنك أصبحت متكاسلة حتى في العبادات.
أيتها الفاضلة الكريمة: إن شاء الله هذه الحالة حالة عابرة، وأنت مطالبة بالإيجابية في التفكير، وأن تنظري وقتك، وأن تتجاهلي هذه الأعراض، وأن تفرحي بمولودك، نسأل الله أن يحفظ ذريتك ويجعلهم قرة عين لك ولزوجك. وأن تمارسي الرياضة، رياضة المشي على وجه الخصوص ستكون مفيدة جدا بالنسبة لك.
تجنبي النوم النهاري، احرصي على النوم الليلي المبكر، احرصي على أذكار النوم، لا تتناولي أطعمة دسمة، أو في وقت متأخر ليلا، وأنا سأصف لك دواء بسيطا جدا، إن شاء الله تعالى يساعدك بتجاوز هذه المرحلة، ويحسن مزاجك في نفس الوقت، والدواء بفضل الله تعالى لا يفرز في حليب الأم، بمعنى أنه لن يؤثر أبدا على الطفل، الدواء يسمى (زيروكسات) واسمه العلمي (باروكستين) هو مضاد للقلق، محسن للمزاج، ومضاد للمخاوف بكل أنواعها، وكذلك مضاد للوساوس.
أنت تحتاجين لجرعة صغيرة، تبدئي بنصف حبة – أي عشرة مليجرام – يوميا لمدة عشرة أيام، ثم اجعليها حبة واحدة (عشرة مليجرام) يوميا لمدة ثلاثة أشهر، وهذه مدة كافية في حالتك، ثم اجعليها نصف حبة يوميا لمدة أسبوعين، ثم نصف حبة يوما بعد يوم لمدة أسبوعين، ثم توقفي عن تناول الدواء.
الدواء غير إدماني، وغير تعودي، ولا يؤثر على الهرمونات النسائية، فقط ربما يفتح الشهية قليلا نحو الطعام، والجرعة التي وصفناها لك جرعة صغيرة، حيث إن الجرعة الكلية هي ستين مليجراما، لكنك لا تحتاجين لأكثر من عشرين مليجراما.
لا بد أن تتبعي نفس التدرج في تناول الدواء وبالصورة التي وصفتها لك، وإن أردت أن تقابلي طبيبا نفسيا فهذا أيضا أمر حسن وجيد.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.