السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشعر بنظرة غريبة تحدث معي يصاحبها حديث نفس، فأشعر أنها تؤذي من أراه وأنا لم أتفوه ولم أنطق بشيء، فتارة أذكر الله وتارة لا، فمثلا ذات مرة رأيت رجلا في الخمسين من عمره تقابلنا في مناسبة فأتتني خاطرة خبيثة وأنا أنظر له، وهمس في داخلي يقول: (نشاطه نشاط شاب) وبعدها بأسبوع أصيب بحادث وقطعت رجله، ومرة أرى سيارتي ثم تأتيني خاطرة خبيثة تقولي بهمس: (سيارتي لا توجد بها أي صدمة)، ثم بعدها بفترة أرى أنها اصطدمت بسيارة أخرى.
وذات مرة رأيت أخي حاملا كيسا من الأرز وجاء في خاطري وسوسة تقول:(كل هذا النشاط؟ يا جبل ما يهزك ريح)، وبعدها بشهر أصيب بورم لا يعرف سببه ولا علاجه إلى الآن.
حاولت أن أنقذه فأعطيته من أثري أكثر من ٣ مرات، وكنت أغسله من رأسه إلى ظهره، ولم يفد معه بشيء، رغم أنني أتجاهل مثل هذه الخواطر والوساوس الخبيثة ولكني أتعب جدا من مصادفتها للواقع، أحيانا أذكر الله، وأحيانا أنسى وأتجاهل، فهل عيني قاتلة أو حارة أو سامة؟ ولماذا يحدث معي مثل هذه المواقف؟ هل أنا موسوس أم عائن؟ ولماذا أثري لم ينفع؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ معتز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك -أخي الكريم- وردا على استشارتك أقول:
إن مما لا شك فيه أن العين حق وأن الحسد أمر واقع؛ لأن ذلك ورد تأكيد وجوده في القرآن الكريم والسنة المشرفة فالله تعالى يقول: (قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (ما يمنع أحكم إذا رأى من أخيه ما يعجبه في نفسه وماله فليبرك عليه، فإن العين حق)، وفي حديث آخر (إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة، فإن العين حق) وغير ذلك من الأحاديث.
العين تصيب الشخص الموجهة له العين في نفس الوقت هذا ما نعرفه، كما ورد في مسند الإمام أحمد عن سهل بن حنيف (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج وسار معه نحو مكة حتى إذا كانوا بشعب الخرار (اسم موضع) من الجحفة اغتسل سهل بن حنيف وكان رجلا أبيض حسن الجسم والجلد فنظر إليه عامر بن ربيعة أحد بني عدي بن كعب وهو يغتسل فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة، فلبط سهل، فأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقيل: يا رسول الله، هل لك في سهل والله ما يرفع رأسه، قال: هل تتهمون فيه من أحد ؟، قالوا: نظر إليه عامر بن ربيعة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرا فتغيظ عليه، وقال: علام يقتل أحدكم أخاه، هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت، ثم قال له: اغتسل له، فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم صب ذلك الماء عليه يصبه رجل على رأسه وظهره من خلفه ثم يكفأ القدح وراءه، ففعل به ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس). فانظر كيف أثرت العين في نفس الوقت على سهل حتى أصيب بما يشبه بالشلل.
بحسب كلامك في الاستشارة أن الذين تشك أنك أصبتهم بالعين إنما تحصل لهم حوادث بعد مدة وهذا يعني أنك لم تصبهم أنت، والدليل الآخر أنك غسلت أخاك من بعض آثارك عدة مرات ولم ينفعه ذلك، ولو كنت أنت من أصابه لبرأ مما يعانيه بإذن الله تعالى.
هذه الخواطر التي تأتيك مجرد وسوسة من الشيطان الرجيم يريد أن يفسد عليك حياتك وينكدها تماما كما هو حاصل الآن، ولذلك عليك أن تحتقر هذه الوساوس، وألا تتحاور أو تسترسل معها، وعليك أن تقطعها فور وروها وأن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
عود لسانك كلما رأيت شيئا يعجبك أن تقول: (ما شاء الله تبارك الله) أو: (ما شاء الله لا قوة إلا بالله) هكذا أرشدنا ربنا سبحانه بقول: (ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله) فما أمر الله بأن يقول الرجل ما شاء الله لا قوة إلا بالله إلا لما للعين من تأثير فيؤثر على الزرع والثمر فكيف على البشر، ويقول عليه الصلاة والسلام: (إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة، فإن العين حق)، ويقول صلى الله عليه وسلم قال: (ما أنعم الله تعالى على عبد نعمة من أهل ومال وولد فيقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله فيرى آفة دون الموت).
قال العلامة ابن كثير: قال بعض السلف: من أعجبه شيء من ماله أو ولده فليقل ما شاء الله لا قوة إلا بالله. قد يحصل نوع توافق بين ما يتفوه به الإنسان وما يقدره الله تعالى فيظن الشخص أنه هو من أصاب ذلك الشخص وليس كذلك.
أوصيك أخي الكريم أن تجتهد في تقوية إيمانك من خلال كثرة الأعمال الصالحة فمن فوائد ذلك أنه يجلب لك الحياة الطيبة، كما قال تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
حافظ على أداء الصلوات الخمس في أوقاتها، واجعل لنفسك وردا من القرآن الكريم فاقرأ بعد كل صلاة ورقتين فقط وستجد نفسك قد ختمت جزء عند صلاة العشاء، وداوم على أذكار اليوم والليلة فذلك سيجعل قلبك مطمئنا، وسيكون لك حرزا من شر كل ذي شر بإذن الله تعالى.
الزم الاستغفار، وأكثر من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب، ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك).
نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لك التوفيق.