السؤال
السلام عليكم.
الدكتور/ محمد عبد العليم.
أنا لدي استشارتان من قبل فأرجو أن تعذرني عن كثرة مراسلاتي، أما بعد:
أنا أريد أن أخبرك عن حالتي بالتفصيل، أولا: قبل سنتين مرضت مرضا شديدا وبفضل الله تعالى شفيت، ولكن المشكلة التي بقيت تؤرقني هي أنني دائما ويوميا وفي كل دقيقة تفكيري في مرضي السابق فقط والخوف من عودته وأرجع مريضة رغم تأكيد الجميع أنني بخير -والحمد لله-، أحيانا أحس أن عقلي أصبح مبرمجا على مرضي فقط لا يستوعب كلمة شفاء، فكل شيء يذكرني بالماضي الأليم الذي عشته مع المرض، أي شيء يحدث لي تنتابني نوبة هلع بأني مرضت مجددا، فصرت أراقب نفسي بشكل هستيري يوميا، وأسعى إلى تحليل أحلامي وتفسيرها، وأحيانا أشعر أنني أريد أن أمرض نفسي بنفسي فقط كي أقتنع أني مريضة فعلا.
بالإضافة إلى الأعراض الجسدية المصاحبة للحالة، فأنا كل عرض أضخمه وأبقى أفكر فيه وأحلله رغم أنه عرض بسيط إلى أن أكبره حتى تتأزم حالتي وتأتيني أعراض كثيرة جدا، وهنا أدخل في دوامة الوسواس بأني فعلا مريضة.
ذهبت إلى طبيبة نفسية، وأخبرتني أنني أعاني من الوسواس، وأن عقلي مبرمج فقط على المرض، أنا -الحمد لله- أصلي وأحافظ على صلاتي ودعائي، ولكني أريد الخروج من حالتي هذه، أنا مثلا عندما أجلس أتصفح الإنترنت يبدأ عندي الوسواس بأني مريضة، وأتذكر كل لقطة من الماضي بكل تفاصيلها، وما زلت أتذكر كل شيء، فأحس أني منفصلة عن الواقع وأعيش في أوهامي، أنا متأكدة أن هذه فقط وساوس، ولكن أحيانا كثيرة أقتنع مثلا بأني مريضة ويستحوذ علي الوسواس تماما مع الأعراض الجسدية، أرجوك أنقذني.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ خيرة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأسأل الله تعالى لك العافية والشفاء.
أنا أجبت على استشارتك التي رقمها (2443329) قبل أقل من أربعين يوما تقريبا، وقد وجهت فيها نصائح إرشادية واضحة، تجيب على معظم الذي ذكرته في هذه الاستشارة، لأن الخوف والوسوسة والقلق التوقعي هي كلها حقيقة تدور في محور واحد وفي نمط واحد.
وأتمنى أن تكوني قد بدأت في تطبيق ما ذكرته لك من إرشاد، وأن تكوني بدأت في تناول العلاج الدوائي، والانخراط في العملية العلاجية النفسية السلوكية الإرشادية وتناول الدواء يجب أن يكون بالتزام قاطع، وحقيقة إذا التزمت بذلك أنا أعتقد أنه سوف يحدث تغييرا كبيرا جدا، لكن ليس بهذه السرعة، التغيرات تتطلب شهرين إلى ثلاثة بعد بداية العلاج الدوائي.
فأرجو – أيتها الفاضلة الكريمة – أن تبدئي في العلاج، وموضوع القلق التوقعي والتوهم المرضي يجب ألا يكون هو الطبقة الأولى في تفكيرك، أيتها الفاضلة الكريمة: الفكر الإنساني يتدرج، وهو مقسم إلى طبقات – طبقة أولى، طبقة ثانية، ثالثة، رابعة ... وهكذا – ودائما الإنسان يجب أن يضع معالي الأمور في الطبقات العليا، لأننا إذا لم نقم بذلك سفاسف الأمور سوف تأخذ الحيز الأول والحيز الأكبر، وتأخذ الأسبقية لتهيمن علينا وتجعل حياتنا كلها سلبية.
الآن هذا القلق وهذا الخوف التوقعي وهذه التوهمات الوسواسية أعتقد أنها أخذت الحيز الأول في تفكيرك، فانهضي بنفسك، اجعلي دراستك واكتسابك للعلم، اجعلي الالتزام بدينك، اجعلي الترفيه عن نفسك، اجعلي حسن إدارة وقتك لتستولي على الطبقات الأعلى في التفكير، واتركي هذه التوهمات القلقية للطبقات الدنيا، بهذه الكيفية تحدث العملية الفكرية المعرفية، وتؤدي إلى التغيير التام، كل فكر سلبي يجب أن نستبدله بالفكر الإيجابي الذي يقابله، كل شعور سلبي يجب أن نستبدله بالشعور الإيجابي الذي يقابله، وكل فعل سلبي يجب أن نفعل الفعل الإيجابي الذي يقابله، هذه هي الحياة، وهذه الثنائيات حقيقة فيها حكمة عظيمة، الله تعالى خلق الكون بهذه الثنائية، وأعطانا حدودية الاختيار، {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.
فأنا أريدك أن تغيري حياتك من خلال أن تأخذي بالأفضل، بالأحسن، بالأجمل.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.