السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب، عمري 16 سنة، كنت أصلي، وأصوم، وأقرأ القرآن، ولكن عندما كنت أدعو الله لم يستجب لأي دعوة من دعواتي، فأصبحت لا أرى فرق باستجابة الدعاء في الصلاة أو بدونها، وعندما أتذكر قول الله: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب، أجيب دعوة الداع إذا دعان، فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)، أقول في نفسي إن هذه الآية أنا لست فيها، بل اختص الله بها أشخاصا معينين.
وأحيانا أسمع أن الله إما أن يستجيب الدعاء كما هو، أو أن يدفع به أذى، أو أن يؤخرها للعبد ليوم القيامة، لكن أحيانا عندما أدعو ولا أرى أي إجابة لأي دعاء، أصبحت أقول: إن الله لا يريد أن أدعوه أصلا! فلماذا أنا غبي لهذه الدرجة وأبقى أدعوه وهو لا يريد أي شيء أريده، وأن الآيات والأحاديث عن الدعاء فقط لأناس معينين وأنا لست منهم؟!
أصحبت أكره أن أدعو بإلحاح؛ لأنني أشعر بالغضب الشديد عندما ألح بالدعاء ولا أرى أي إجابة، وأشك بأن هذا الشيء سيبقى معي طوال العمر، وأنا تركت الصلاة لهذا السبب، فهل الله يكرهني لذلك لا يستجيب لأي دعاء أدعوه به؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ هيثم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بداية نرحب بك في موقعنا، ونسأل الله أن يهديك إلى الحق والهدى، وأن يصلح حالك، والجواب على ما ذكرت:
بداية: ينبغي أن تعلم أن الدعاء عبادة عظيمة، ولها منافع عظيمة في الدنيا والآخرة، ولا يستغنى عنه بأي حال من الأحوال، وأعجز الناس من عجز عن الدعاء كما ثبت في الحديث، وتركه إعراضا عنه، وبأنه لا فائدة منه؛ فيه علامة على الكبر في نفس ذلك المعرض، قال تعالى "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين" [ غافر آية] قال ابن كثير: وقوله : " إن الذين يستكبرون عن عبادتي" أي: عن دعائي وتوحيدي، "سيدخلون جهنم داخرين" أي: صاغرين حقيرين.
وثم اعلم أنه حينما تدعو الله تعالى، فلابد أن يتقرر في نفسك بأنك تدعوه دعاء مفتقر إليه لا مستغن عنه، وتسأله سبحانه وأنت موقن بالإجابة محسن الظن به دعاء من يثق بربه وأنه قادر على كل شيء، لا سؤال تجربة، تدعوه دعاء من يثق بوعد الله وأنه يعطي السائل ما سأله وأكثر مما سأله.
ومن جانب آخر، أوصيك بتقوى الله في السر والعلن وأن تراجع حالك مع الله، ولا يجوز أن تقول على الله ما ذكرته في كلامك من أن الله لن يستجيب لك وأنه لا فائدة من الدعاء، فسارع إلى التوبة، وأكثر من الاستغفار، وعد إلى صلاتك وحافظ عليها، ولا تجعل تدينك لله بحسب المصلحة، فإن تحققت لك صليت وتقربت إلى الله، وإن لم يتحقق تركت الطاعة والدعاء، فهذا أمر ذمه الله في كتابه الكريم، فقال سبحانه : "ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب علىوجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين" [ سورة الحج آية]، ولا تكرر ما قلته من كلام مرة أخرى، لأنك إذا كنت مبتلى في بعض أمور في دنياك فلا تجعل البلاء يصل إلى دينك ببعدك عن الله، وأن تنسب إليه ما لا يليق بعظمته، فالمصيبة في الدين أعظم من المصيبة في غيره.
وينبغي أن تعلم أيضا أن تأخر الإجابة في الدعاء لله في ذلك الحكمة البالغة قد لا نعلمها، فقد تتأخر الإجابة لأنك لم تحقق آداب الدعاء أو مرتكب لبعض موانع الدعاء، وقد تتأخر الإجابة ابتلاء من الله تعالى حتى يمتحن صبرك، وكم من الصالحين لم يستجب الله لهم إلا بعد فترة من الزمن! وقد لا يستجيب لك في بعض الأمور لأنه لا مصلحة لك فيها، وقد يستجيب لك لكنه يدفع عنك بسبب دعائك بعض المصائب التي كانت يمكن أن تقع، أو أنه يدخر لك هذا الدعاء أجرا وثوابا عنده يوم القيامة فعن عبادة بن الصامت حدثهم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم"، فقال رجل من القوم : إذن نكثر، قال : " الله أكثر ". رواه الترمذي.، وفي رواية " وإما أن تدخر له في الآخرة".
وفقك الله لمرضاته.