السؤال
االسلام عليكم
أنا فتاة ابتلاني الله بمس شيطاني، وأم تكرهني، فدعت علي واستجاب الله دعاءها، وأصابني مكروه، وبسبب المس الشيطاني كنت في ضلال وأخطئ، وارتكبت أخطاء كبيرة، وأنا الآن في وضع سيئ بسبب هذه الأخطاء، ولا يمكن أن أصلح وضعي، أرجو نصيحتكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جولي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول:
الأم تظلم من كثير من الأبناء إذ يتهمونها بتهم شتى، والشرع والواقع يحكيان أنه لا يوجد كائن حي أحن ولا أرحم من الأم بولدها، يقول تعالى: (والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هٰذا إلا أساطير الأولين)، فانظري كيف كانا حريصين على إيمانه وخائفين عليه من عذاب الله!
الأم حملت وعانت ورضعت وربت وسهرت الليالي من أجل راحة أبنائها، وقدمت راحتهم على راحتها وصحتهم على صحتها، وانظري للأمهات ماذا يعانين، ولعلك مهما رأيت لن تدركي الحقيقة ولن تدركيها إلا إن صرت أما.
دخلت امرأة عند أمنا عائشة ومعها طفلتيها فأعطتها أمنا عائشة ثلاث تمرات، فأعطت لكل واحدة من بناتها واحدة وأبقت واحدة بيدها لنفسها فأكلت الطفلتان تمرتيهما فطلبا من أمهما التمرة فشقتها نصفين فأعطت لكل واحدة نصفها ... الحديث.
لعل تصرف أمك وإن كان في نظرك خطأ، انطلق من منطلق الحب والحرص على حسن تربيتك، وأنت أخذت ذلك على أنها تكرهك! ومهما كان تصرف الوالدين فليس لهما إلا كل البر والإحسان وخفض الجناح.
إغضاب الوالد ومخالفة أمره وتوجيهه قد يتسبب في دعوة منه وتوافق ساعة استجابة فيستجاب له، ومن هنا أوصيك أن تقتربي من أمك وتبري بها وتتذللي بين يديها وتطلبي منها الدعاء.
إن كان حقيقة فيك مس فعلاجه بالرقية الشرعية، فارقي نفسك صباحا ومساء بما تيسر من القرآن الكريم والأدعية المأثورة، ولا بأس أن تبحثوا عن راق أمين وثقة ليستكشف حالتك على أن يكون معك أحد محارمك، فإن تبين أنك فعلا ممسوسة فابدئي بالرقية ولا تنقطعوا حتى تشفي -بإذن الله تعالى-.
يجب عليك العودة إلى ربك فتؤدين ما افترض عليك، وأهم ذلك الصلاة، وعليك أن تكثري من نوافل الصلاة والصيام وتلاوة القرآن الكريم واستماعه؛ فذلك سيكون عونا لك -بإذن الله تعالى- في طرد الشيطان الرجيم.
الشيطان أقرب للعاصي وأبعد عن الطائع الذاكر لله تعالى، فالشيطان وجد فيك فرصة فمسك ولو أنك متحصنة بذكر الله لما استطاع الدخول.
لعلك تسببت بنفسك في الوقوع فيما وقعت فيه فلم يجبرك أحد على فعل أي شيء، فالعبد مخير في فعل الطاعة أو المعصية والله سبحانه قد بين لعباده طريق الخير وأمرهم بسلوكه وبين لهم سبيل الشر ونهاهم عن سلوكه، فقال تعالى: (وهديناه النجدين) (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا)، فتعليلك في غير محله، والواجب عليك التوبة من كل الذنوب فباب التوبة مفتوح مهما كانت ذنوبك صغيرة أو كبيرة، فمن تاب قبل الله توبته، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
لا تقولي لا يمكن أن أصلح وضعي فهذه رسالة سلبية يجب محوها من ذهنك، بل أنت قادرة على إصلاح حالك وتصبحين امرأة سوية والمهم هو الخطوة الأولى.
لقد أتى المشركون إلى رسولنا الكريم فقالوا إن هذا الدين الذي تدعو إليه حسن لو علمنا أن الله يغفر لنا ذنوبنا فإنا قد زنينا فأكثرنا وقتلنا فأسرفنا وشربنا الخمر، فأنزل الله تعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم).
الزمي الاستغفار وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك).
عليك بمرافقة الصالحات من بنات جنسك، واجتنبي رفيقات السوء فإنهن سم زعاف، وصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- حين ذكر أن الصديق مؤثر فيمن حوله ويترك بصماته عليهم، فقال عليه الصلاة والسلام: (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة) ويقول عليه الصلاة والسلام: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) ويقال في المثل: الصاحب ساحب.
تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة، وتحيني أوقات الإجابة وسلي ربك أن يغفر لك كل زلة وأن يستر عليك وأن يرزقك حسن التوبة والاستقامة، وأكثري من دعاء ذي النون: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).
نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لنا ولك حسن التوبة والاستقامة.