مشكلتي أني أصمت كثيرًا ولا أقدر على التعبير عما في نفسي!

0 35

السؤال

السلام عليكم.

عندي مشكلة، وهو أني أصمت كثيرا، ولا أقدر على الكلام، والتعبير ما بداخلي، فمثلا عندما أكون مع الآخرين، أكون صامتة، ولا أتكلم؛ ولذلك أي عريس يتقدم لخطبتي يتركني؛ بسبب أنني لا أستطيع أن أتكلم حتى في كتابة الرسائل النصية، ولا أستطيع التحدث.

وقولك: ليس لدي أصدقاء، ولا اجتماعات، ولم أستطيع الحصول على وظيفة؛ بسبب الصمت، أشعر بالملل من نفسي، لأني لا أستطيع تكوين صداقات، وأي شخص يلتقي بي يقول: بأنني لست اجتماعية، لدرجة ذهبت لشيخ، وقال إن بي عينا تحولت لقرين؛ وهذا سبب المشكلة التي أعاني منها.

هل هذا صحيح، أم لا؟ أرجوكم ساعدوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ وردة الربيع حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك عزيزتي، ونشكر ثقتك وتواصلك الدائم معنا.

إن ماتعانين منه لا علاقة له بالعين والقرين وماشابه ذلك، بل إن معاناتك من عدم القدرة على التعبير سواء عن الأفكار الداخلية، أو مشاعرك أراها تندرج تحت مايسمى الخجل والخوف الاجتماعي أو الرهاب الاجتماعي.

وتظهر أعراض هذه المشكلة من خلال (خوف شديد من مواجهة الناس, الرجفان في المواقف الاجتماعية، الارتباك، وعدم الشعور بالراحة أثناء التواجد مع الآخرين، مما يسبب عدم القدرة على فتح أية حديث والاقتضاب بالإجابة عن أسئلة الآخرين، ضعف في التركيز أثناء المواقف الضاغطة اجتماعيا، عدم القدرة على مواجهة الناس، والمواقف الحياتية بمفردك، الانطواء على نفسك).

والرهاب الاجتماعي يحدث عندما يتحدث الإنسان أمام الناس، حيث يحمر وجهه وترجف يديه، ويعرق جسمه، وينجف ريقه، ويشعر وكأن الأرض ستبتلعه، وكلما ركزت الناس عليه أكثر، كلما تلبك أكثر، وهذا الرهاب يجعل صاحبه يقتضب في حديثه مع الناس على كلمة أو كلمتين، وأيضا يجعله يفسر كل شيء بطريقة سلبية تؤدي إلى هدم ذاته وثقته بنفسه تدريجيا.

من الجيد أنك قمت باستشارتنا الآن وأنت في هذا العمر، فعلاج مثل هذه المشكلات يسهل كثيرا في العمر المبكر.

كنت أتمنى لو أخبرتني عن نفسك قليلا داخل أسرتك، أي هل تعانين من نفس المشكلة مع والدتك مثلا؟ كيف هي نمط التربية والخبرات التي تلقيتها في طفولتك؟ ما هي سمات الجو الأسري الذي تربيت فيه؟ كل هذه المعلومات تعتبر مهمة في تشخيص المشكلة، حيث ترتبط هذه المشكلة من الأساس بضعف الثقة بالنفس وتقدير الذات من جهة، ومن جهة أخرى بضعف الخبرات الاجتماعية وقلة في التعرض للمواقف الاجتماعية والحياتية.

أي يعتبر هذا الرهاب مظهرا لنقص الثقة بالنفس، وعلاجك للمشكلة يعتمد على علاج السبب أي على برامج بناء الثقة والتدريب على توكيد الذات، ويكون ذلك بالخطوات التالية:

- عن طريق التحاقك بدورات بناء الثقة وتعزيز الذات وهذه كثيرة، سواء على أرض الواقع، أو عبر الانترنت أونلاين، أو مشاهدة الفيديوهات التي تتحدث عن هذا الموضوع من طرف مختصين نفسيين، أو متابعة قنوات مدربي الحياة المتاحة في الانترنت، أو قراءة كتب تتناول هذا الموضوع، جميع هذه الخطوات مفيدة جدآ لك، فهي سترفع من وعيك حول مشكلتك، وستعطيك طريقة مختلفة للنظر إلى المشكلة مع كيفية تجاوزها.

- من النافع لك أن تقرئي كتبا، أو فيديوهات على الإنترنت تتحدث عن موضوع الذكاء العاطفي، وهو استبصار الإنسان بمشاعره الحالية، وتدريب نفسه على تقبلها، واحتواءها والتحكم بها.

- لفت انتباهي أن أسلوبك في رسالتك هو بغاية الروعة، أي تمكنت فعلا من صياغة مشكلتك لنا، وإيصال أفكارك، ومشاعرك بشكل سهل ومبسط، وهذا مؤشر إيجابي يعكس قدرتك على التغيير في نفسك، لذا أقترح عليك أن تلتزمي بهذه العادة كأن تعبري يوميا عما يجول في داخلك (في نافذة خاصة لك في تطبيق الواتساب على سبيل المثال) سواء من خلال الكتابة، أو إرسال مقاطع صوتية لنفسك، فهذا التدريب اليومي سيعينك كثيرآ على تمرين نفسك على إخراج ما بداخلك من أفكار، ومشاعر مختلفة بأسلوب سيصبح مع الأيام، أكثر سهولة وتشويقا.

- الذهاب لأخصائي نفسي ممارس للبدء بجلسات العلاج النفسي، أو من خلال متابعتك لفيديوهات المختصين على الانترنت، كلا الخطوتين سترينهم يركزون على أهم وأنجح علاجات الرهاب والخوف، والأكثر فاعلية وهو العلاج "المعرفي السلوكي"، وهو "علاج نفسي لايعتمد على الدواء"، والذي ينقسم إلى شقين:

& الجانب المعرفي: يعالج التشوهات الإدراكية والمعرفية لدى الإنسان والتي تجعل تصوره لنفسه ناقصا ومتدنيا، فمن خلال تسليط الضوء، والتعرف على الأفكار السلبية التي تستحوذ على تفكيره، والتي تؤثر على تصرفاته ومشاعره، واستبدالها بأفكار أكثر إيجابية، مما يمكنه من إعادة بناء تصوره لنفسه بطريقة إيجابية.

& الجانب السلوكي، وذلك من خلال:
- تعريض الشخص لتجارب حياتية جديدة تعزز من ثقته بنفسه, والأهم أن يكون هذا التعرض تدريجي (من حيث عدد الناس ومدة التعرض، وأن يتعرض لمجموعة من الأفراد لا يعرفونه، ولا يعرفهم لكي لا يكون لديهم حكما مسبقا عليه، ولكي لا يرتبط لديه ذهنيا بين تلك المجموعة من الناس وقدرته على ممارسة ماتعلم وتدرب عليه بعد انتهائه من تدريب نفسه) للمواقف التي يخافها، مع مراقبة أفكاره وتصرفاته، وهذا التعرض التدريجي المستمر سيخفف من أثر الرهاب لديه، وسيعزز من ثقته بنفسه مع الوقت.

- تدريب الشخص على مهارات الثقة بالنفس، من خلال تدريبه على مهارات الإلقاء ومهارات توكيد الذات، وأيضا تدريبه على المظاهر الجسدية للثقة بالنفس (نبرة الصوت، سرعة الكلام، طريقة الجلوس، طريقة النظر إلى عيون الآخر، التركيز على مضمون الكلام وليس نظرة الآخرين لكلامه).

- هناك نقطة أخرى أريد الإشارة إليها وهي "الالتزام الذاتي"، فهي من أكثر العوامل التي تلعب دورا إيجابيا في علاج المشكلات النفسية، وهذا مايجعلني أسألك مايلي:
لقد اطلعت على استشارتك السابقة بعنوان (أعاني من الصمت المرضي، كيف أتخلص منه؟) وكيف أن أحد المستشارين الأفاضل قد قام بكتابة عدة اقتراحات علاجية عليك، هل طبقتها كلها؟ هل لاحظت نتيجة إيجابية؟ كيف كان تفاعلك معها؟ وكيف كان التزامك بها؟
أتمنى أن تشاركيني هذه المعلومات في المرة القادمة -إن أحببت-، فهي مهمة في فهم طبيعتك الشخصية، ومعرفة مدى التزامك بتطبيق مانطرحه عليك.

أخيرا: أنا متأكدة أن لديك من الطموحات والأهداف الخاصة بك وبحياتك التي تتمنين أن تحققيها وتعيشيها، وإن معاناتك تعيقك، وتحرمك من أن تعيشي حياتك كما ترغبين وكما تستحقين، فمشكلتك كما أخبرتنا تؤثر على أكثر من جانب في حياتك (الجانب الزواجي وقدوم العرسان/ الجانب المهني والحصول على وظيفة/ الجانب الاجتماعي وتكوين صداقات).

لذا أتمنى منك عزيزتي أن لا تسمحي للموضوع أن يأخذ من حياتك أكثر مما أخذ, وأن تبدئي بالخطوات الجدية لعلاج مشكلتك, ولا تنسي أن هذه المشكلة هي مكتسبة وبالتالي علاجها ممكن جدا ويتوقف على رغبة الإنسان وإرادته والتزامه.

ختاما: أتمنى أن أكون قد أفدتك بإجابتي, وأنا جاهزة بكل حب لأن أكون المصدر الداعم لك طيلة رحلة التغيير الخاصة بك، لذا أتمنى أن لا تترددي في مراسلتنا مجددا في أي وقت تشائين.

دمت بحفظ الله.

مواد ذات صلة

الاستشارات