السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة أبلغ من العمر 27 عاما، أعمل طبيبة، ولدي أخت عمرها 24 عاما، وأخ عمره 16 عاما، كنت دائما أتعامل مع أخي منذ يوم ولادته كأم ثانيه له، أطعمه طعامه، وأساعده في دروسه وأدافع عنه كابن لي، وإلى الآن عندما يحتاج أي شيء يأتي إلي ويطلبه، وأنفذه في الحال.
حاليا أصبح صوته عاليا دائما عندما يحدث أي شيء بسيط بيني وبينه، يسبني ويهددني بالضرب، ونفس التعامل مع أختي، يقول ألفاظا أستحي حتى سماعها في الشارع، ويحاول استفزازنا حتى بدون سبب.
أمي مريضة بالضغط، وتتعب من المشاكل، وهذا بالطبع يجعلني في العديد من المشاكل أتنازل عن كرامتي في مشاكلي مع أخي، وأرضى بالأمر الواقع لكي لا يصيبها مكروه، وعندما تتحدث هي معه ينهرها، ويقول لها ليس من حقها التدخل في شؤونه، وحاليا يقول لنا إن له حقا في التدخل في شؤوننا وتصرفاتنا أنا وأختي وأمي بحكم أنه الذكر، مع العلم أن أبي موجود -حفظه الله-.
سؤالي هو: هل لأخي الأصغر الذي ربيته حق في الولاية علي؟ والسؤال الآخر: كيفية التعامل معه؛ لأن هذا الوضع أصبح في يومنا هو الطبيعي؛ ومستمر، كيف أتعامل مع أخي المراهق؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك عزيزتي، ونشكر ثقتك بنا.
محظوظ هو أخوك بأخت تحبه وتفكر به بهذا الشكل، وأقدر حقيقة سعيك لإيجاد حل للحالة التي أصبح بها.
من الواضح لي أن مشكلة أخيك ليست متعلقة بك شخصيا ولا بأختك، بل هي بالمرحلة العمرية التي يمر بها، وهي المراهقة، فهذه المرحلة التي تشهد تغيرات كبيرة على المستوى الهرموني والنفسي هي مرحلة التحدي، وبحث المراهق عن ذاته ومحاولته لإثباتها، وتمرده على القوانين من حوله، وكسره لكل أنواع السلطة التي اعتاد عليها.
وأقدر جدا تعبك في التخفيف عن أمك، وفي الجمع بين عملك كطبيبة وما تحمل من متاعب، وبين انشغالك بأخيك وسعيك للتعامل السليم معه إلى أن يتجاوز هذه المرحلة بسلام.
بداية أريدك أن تعرفي أن هذه المرحلة هي مؤقتة، ولن يبقى أخوك هكذا، كل ما تحتاجونه هو أن تتزودوا بالمعرفة الصحيحة للتعامل الصحيح مع هذه المرحلة، واقتراحاتي هي:
- قد تكونين أنت وأختك تمارسان "عن غير قصد" دور السلطة والتوجيه والنصح على أخيكم, وهذا ما يهرب منه المراهق في هذه المرحلة العمرية، لذا إن كان الوضع هكذا فأتمنى أن تحولوا علاقتكم به من السلطة والتوجيه والرعاية إلى الصداقة والاهتمام والتفهم، هذا بالضبط ما يحتاجه المراهق ليعود إلى مرحلة التوازن، حيث إن المراهق يمر بثلاثة مراحل، الأولى هي التأييد والموافقة، الثانية هي التمرد والمعارضة على كل شيء، الثالثة هي التوازن، ولن يصل إلى مرحلة التوازن إلا إذا تجاوز المرحلة السابقة بشكل سليم.
- لقد فهمت منك أن والدك موجود -حفظه الله-، وهذا يجعلني أركز على نقطة هامة وهي أن أخاك في هذه المرحلة العمرية لا يحتاج إلى أخواته بقدر احتياجه إلى والده أن يكون صديقا معه، لذا أتمنى إن كان هذا متاحا وإن كان والدك من النوع المتفهم أن تطلبي منه أن يكرس من وقته لابنه أكثر، وأن يجعل علاقته به تتسم بالصداقة وليست السلطة والنصائح، أما عن ولايته فليس له ولاية شرعية عليكم بما أن والدكم موجود، والمفروض أن يقوم والدكم بهذا الدور، كي لا يسيء أخوكم استخدامه.
- حاولي إيجاد الأمور التي يستمتع فيها أخاك في هذه المرحلة العمرية، وأن تشعريه أنك تتقبلينه كما هو، وشاركيه ما هو مهتم به، فإحساسه بالتقبل والتفهم "مختلف عن التأييد" الذي سيطفئ نار التمرد لديه.
- حاولوا تعزيز ثقته بنفسه قدر الإمكان، فالمراهق أكثر ما يحتاجه هو أن يشعر أن من حوله يقدرونه ويشعرونه بقيمته وأهميته ودوره في العائلة.
- اجعلي حديثك معه بعيدا عن الأخت الكبرى، والنصائح والمواعظ والخطابات الطويلة، فهذا الأسلوب لن يشده إليكم، بل على العكس سيجعله يزداد تمردا وعنادا.
- ركزي على ايجابياته، ولا تسلطي الضوء على سلبياته، فكل سلوك سلبي يتم التركيز عليه بالتغيير ومحاولة تغييره بالقوة سيجعل المراهق يتشبث به ويثبته أكثر من قبل.
- حرب المراهق هي مع ذاته ورغبته بالبحث عن ذاته وتوكيدها، لذا لا تعاندوه أو تواجهوه، فهذا سيجعله يتشتت عن حربه، فتصبحون هدفا له في تمرده، وهذا بالتأكيد ليس ما تهدفون إليه، أما في حال جعلتموه يشعر أنكم معه وتتفهمونه وتحبونه وتتفاعلون مع كل اهتماماته, فهذا سيسرع من انتقاله من مرحلة التمرد إلى مرحلة التوازن والتصالح مع الذات.
- هناك احتياجات نفسية للمراهق إن تمكنتم من إعطائه إياها، نجحتم في أن تكونوا له أكبر عون في تحقيق السلام الداخلي لديه، وهذه الاحتياجات هي:
الثقة بالنفس: بأن يشعر بمسؤوليته وأن له كيان هام في الأسرة وأن كل من حوله يحترمونه.
المدح: بالرغم من مظهر اللامبالاة الذي يظهره المراهق، إلا أنه سيشعر جدا بإحساسه بالحب والاهتمام ممن حوله، ومديحكم له سيطفئ لديه تمرده الداخلي ويشبع لديه حاجته إلى الحب.
التقدير: كلما شعر المراهق أنكم ترونه بعين كبيرة وقدر كبير، وأنكم تقدرون أي شيء يصدر عنه, كلما شعر بذاته أكثر، مما سيخفف لاحقا من تمرده وتحديه للآخرين من حوله.
- لا تصارحوه بالتغييرات التي تريدونها ولا تفرضوها عليه، بل حاولوا من خلال الحوار والنقاش والتفاعل بالاهتمامات أن تجعلوه هو قائد مرحلة التغيير لديه، فهذا سيجعله يستلم زمام الأمور ويغير نفسه للأفضل.
باختصار ما أحاول قوله هو: إن كلام أخيك المسيء ومسباته وتهديداته كلها أعراض ستزول لوحدها عندما تمر هذه المرحلة بسلام، وحتى تمر بسلام عليكم أن تدركوا أن أخاكم يحتاج إلى:
- رجل بحياته يكون له صديقا لا سلطويا.
- أن يشعر بالحب والتقبل والتفهم ممن حوله.
- أن يشعر بذاته وقيمته بينكم.
- أن تغضوا النظر عن سبابه وكلامه المسيء، وتحسنوا علاقتكم به لتتمكنوا من دخولكم لعالمه الداخلي، وأن يشارككم ما يمر عليه من تغيرات وأفكار تشغل ذهنه، واحتياجات يسعى إلى تحقيقها.
ختاما: أتمنى أن تكوني استفدت من ردي لك، بأمان الله.