التعامل مع الطفل الاستفزازي والخجول اجتماعياً.

0 42

السؤال

السلام عليكم..

طفلتي لديها ٧ أعوام تقريبا، لديها أسلوب استفزازي جدا عند طلب بعض الأمور، وفي حال تم رفض طلبها تزيد عنادا واستفزازا لدرجة جعلي أتوتر وأسيطر على نفسي بصعوبة، وأيضا هي خجولة جدا اجتماعيا، أي أنها ترفض الكلام مع أي شخص لا تعرفه ولدرجة أن تختبئ خلفي.

أريد أن أنوه أني حين كانت في عمر السنتين ابتعدت عنها لفترة ٣ أشهر بسبب وضع صحي تتطلب بقائي بالمستشفى، وأيضا بتلك الفترة كنا قد انتقلنا للعيش ببلد غربي، أي قبل دخولي للمستشفى ببضعة أشهر فقط، لا أعلم إن كان لهذا الأمر علاقة بشخصيتها الحالية.

كذلك أيضا من أحد الأمور التي لا أعرف أن أتصرف فيها معها أنها حين أرفض شيئا معينا وتبكي تطلب أن أحضنها، وتصر على الصراخ وهي في حضني أيضا.

كذلك أحيانا أطلب منها الهدوء قبل أن أحضنها ولكنها ترفض الاستماع وتطلب مني عدم الكلام (فقط احضنيني) وهكذا طول اليوم تصرخ على كل شيء يرفض لها.

أرجو المساعدة، وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سيلين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا وسهلا بك أختي الكريمة، مشكلة طفلتك من وجهة نظرك في عنادها وأسلوب استفزازها، وأيضا في خجلها من التعامل والتحدث مع الغرباء.

فيما يخص المشكلة الأولى:
- إن الطفل يمر بمراحل مختلفة أثناء نموه النفسي، وهذا ما يغفل عنه الكثير من الأهالي، حيث يقومون عادة بالتركيز على التطور والنمو الجسدي واللغوي، ويهملون بقية الجوانب من النمو التي لا تقل أهمية على الإطلاق، ومنها النفسي، الاجتماعي، العاطفي.

فيما يخص النمو النفسي للطفل، فمن أهم القفزات النفسية الأولى في نموه هي مرحلة العامين أو عمر الاستقلال؛ حيث يبدأ الطفل بالمشي، وهذا يجعله يدرك أن كيانه مختلف عن والدته، مما يدفعه إلى استكشاف العالم من حوله بمفرده، ويشعر بحاجة كبيرة إلى الاستقلالية، وهنا الأمر الهام.

في حالة تفهم الوالدين لهذه الحاجة النفسية لدى طفلهم وقيامهم بمساعدته على إشباعها، من خلال بناء قناة للحوار مع طفلهم واعطائه الفرصة لإبداء وجهة نظره حتى في أبسط الأمور، وأيضا ترك له مساحة كبيرة من الحرية في اتخاذ قراراته، ومشاركته بعض المسؤوليات المنزلية، كل هذا يخدم اشباعه لحاجته بالإحساس بذاته والاستقلالية.

لكن في الحالة العكسية، وهي عدم تفهم الأهل لهذه الحاجة، بل قيامهم بقمعها، هنا سيقوم الطفل بإشباع حاجته بطرق غير صحية، منها العناد والصراخ وغيرها من المشكلات السلوكية، وأيضا سيجعل حاجة الاستقلالية لديه تمتد إلى سنوات متقدمة عن الطبيعي.

هذا ما حدث مع طفلتك برأيي، فهي إلى الآن وهي في عمر سبع سنوات ما زالت تحاول اشباع حاجة الاستقلالية لديها ولكن بالطرق الغير صحية.

إن موضوع تركك لها "مضطرة" في عمر السنتين، لمدة ثلاثة أشهر، ليس فيه ضرر بحد ذاته على قدر مايكمن ضرره في آلية تعاملك مع طفلتك تجاه ابتعادك، أي: هل كنت صريحة معها في سبب ابتعادك وتوقيت ذهابك وتوقيت رجوعك أم كنت تغيبين عنها بشكل فجائي وتعودين أيضا بشكل فجائي؟

هل كنت تصغين إليها في أية محاولة منها للإفصاح عن مشاعرها، حتى لو كانت من خلال بعض الكلمات والأصوات الغير مفهومة بالنسبة لك؟ حيث كلما كنت أكثر وضوحا مع طفلتك كلما كان الأثر النفسي لابتعادك عنها أقل.

أما العامل الآخر وهو الانتقال للمعيشة في منزل ومجتمع وبيئة مختلفة تمامآ بالنسبة لها، فبالتأكيد يعتبر من العوامل التي لها تأثيرها وصعوباتها على نفسية الأطفال، وخاصة أن ذلك حدث مع ابنتك في عمر الاستقلالية أيضا.

لذا برأيي إن مشكلة طفلتك الحقيقية هي في انشغالك عنها في تلك المرحلة العمرية (العامين) وبالتالي عدم تركيزك على احتياجاتها النفسية في هذه المرحلة ومن أهمها الاستقلالية.

إن أردت أن تعدلي من سلوك طفلتك، فعليك أولا وقبل أي شيء آخر أن تنظري إلى الموضوع بنظرة وطريقة مختلفة من التفكير:
- عليك أن تعرفي أن الحاجة إلى الاستقلالية لدى الأطفال التي تظهر في عمر السنتين (زائد ناقص بضعة أشهر) تكون مرحلة مؤقتة وعابرة من حياة الطفل في حال إشباعها، أما إن لم تشبع حينها ستطول وتظهر بصور ووجوه وأشكال مختلفة.

- تأكدي أن العناد لدى الأطفال هو شيء طبيعي وهام وضروري لنموهم النفسي، وإذا لم يفهم عناد الطفل من الأهل بشكل صحيح فسيتحول إلى تمرد وعدائية.

العناد هو اللغة التي يختبر فيها الطفل قدراته، وعندما لا تعطي الأم مساحة لطفلها ليكتشف ذاته وقدراته ويعتمد على نفسه سواء عن طريق قمعه أو الخوف الزائد عليه أو دلاله المفرط أو حمايته الزائدة، كل ذلك يجعله يشعر أن من حوله لايفهمون عليه ولا يفهمون احتياجاته مما يزيده عنادا.

- تحليلي لحالة طفلتك أن تركك لها في عمر السنتين والأصح عدم تعاملك الصحيح معها في تلك الفترة والانتباه من طرفك لإشباع حاجاتها في تلك المرحلة (الاستقلالية والأمان) قد جعلت تظهر لديها هذه المشكلات السلوكية التي تعانين منها الآن، أي ما أريد قوله أن هذه السلوكيات السلبية لديها ليست إلا أعراضا لاحتياجات نفسية غير مشبعة، وعندما تقومين على إشباعها ستتلاشى الأعراض تلقائيا من نفسها.

أي سبب عناد طفلتك أنها لم تشبع بمرحلة العناد في عمر السنتين ولم يتم التعامل الصحيح معها في تلك المرحلة.

- هذا يتطلب منك إشباع حاجتها الآن للتخلص تلقائيا من المشكلات السلوكية التي تعاني منها طفلتك.

اقتراحاتي العلاجية لمشكلة العناد والصراخ لدى طفلتك هي:
- فيما يتعلق بصراخ طفلتك غالبا مايكون مؤشر أن لديها نقص في حاجة الأمان والطمأنينة والحب لديها، لذا اجعلي هدفك الدائم بتعاملك معها أن تعززي لديها هذه الاحتياجات، من خلال أن تخبريها بمحبتك لها بشكل دائم بالأسلوب اللفظي(كلام) والجسدي (عناق وقبلات ولمسات).

- إذا كنت تستخدمين معها اللوم والنقد فخففي منهم قدر الإمكان، وذكري نفسك أن ذات الإنسان (الكبير والصغير) لا تنمو مع اللوم والنقد والتوبيخ، لذا يحمي الطفل نفسه من لوم ونقد الآخر بتمرده على الآخرين.

- اعرفي أن مديح طفلك يمتص تمرده وعناده، والمديح والتركيز على ايجابيات طفلتك هي من أسرع الطرق التي تخفف وتعدل وتقلل من السلوكيات السلبية لديها.

- في أي موقف تصادم بينك وبين طفلتك اجعلي هدفك أن تكون النتيجة ههي"أن يربح كلاكما"، لا أنت فقط، ولا هي فقط، فالتربية الناجحة هي من ينتهي أي موقف محتد فيها بين الأهل والطفل برضا كليهما، عن طريق الحوار والتفاوض، لذا إن كنت لا تقومين بهذه الاستراتيجية، ابدئي بها من الآن.

- مهارة اتخاذ القرار من أهم الأشياء التي تنمي لدى الطفل احساسه بذاته واستقلاليته وبالتالي التخفيف من غضبه الداخلي وتمرده على الآخرين، لذا إن كنت لا تركزين على هذه المهارة في تربيتك وتعاملك معها، فابدئي بها من الآن، وإن كنت من الأمهات اللواتي يقررن كل شيء عن أطفالهن محبة منهن وعن حسن نية بلا شك، فابدئي من الآن بالانسحاب التدريجي وتفويض طفلتك باتخاذ قراراتها أو القرار بين عدة خيارات تضعينها لها، هذا الأسلوب ستجدين آثاره الإيجابية فورا على نفسية طفلتك وسعادتها.

- عندما تطلب طفلتك منك طلبا ما، وتقومين برفضه، هل تشرحين لها بكامل الحب سبب رفضك للطلب، وهل يكون السبب مقنع من الأساس أم لمجرد أنك لاترغبين بتنفيذه دون وجود سبب حقيقي.

عدم شرحنا لأطفالنا عن سبب الرفض يؤدي إلى استفزازهم وزيادة العناد والتمرد لديهم.

- عندما تغضب طفلتك قومي بحضنها على الفور، دون النقاش في أي شيء، ولا تشرطي عليها التوقف عن الصراخ، فقط احضنيها، حيث إن هدف الحضن من الأساس هو أن ترسلي لها رسالة أنك تحبيها بلا شروط، إضافة إلى أن الحضن يمتص غضب الطفل، لذا قومي بحضنها وطمأنتها بجمل مثل (اهدي طفلتي/أنا معك/ أنا بحبك/ أنا حاضنتك وكل شيء سيصبح جيد/ فهمانة عليك) بهذه الجمل تستطيعين إحساسها بالأمان وامتصاص غضبها، وأيضا جمل مثل ( ماذا يزعجك أخبريني عزيزتي/ كيف تحبين أساعدك حبيبتي ) بهذه الجمل تستطيعين تحويل تركيزها من عاطفتها إلى عقلها، بالتفكير بجواب لسؤالك وأيضا ستشعر بتفهمك لها، وتذكري أنه أثناء هذه المرحلة ليس عليك إلا تهدئتها للانتقال لاحقا لمرحلة التحدث سويا بشكل عقلاني وهادئ مع كامل شعورها بالحب اللامشروط والأمان من طرفك.

أما فيما يتعلق بمشكلة خجل طفلتك من التحدث والتعامل مع الغرباء، بداية لم تخبريني عن طبيعة حياتكم الاجتماعية في البلد الذي تعيشون فيه:
*هل تتواصلون مع الناس في الخارج، هل لديكم عائلة، أقارب، معارف، أصدقاء؟
*هل تتواصلين يوميا مع عائلتك عن طريق مكالمات الفيديو وتكون طفلتك إلى جانبك؟
*هل عند خروجكم إلى خارج المنزل، هل تجيد طفلتك لغة البلد؟ هل تفهم مايقوله الآخرون؟

كل هذه العوامل إن انعدمت قد تشكل حاجزا بين الطفل وتطوره واندماجه الاجتماعي مع العالم من حوله.

اقتراحاتي العلاجية لك هي:
- إن الطفل يتعلم بالقدوة، وبالتالي عندما يرى والده أو والدته اجتماعيين مع الآخرين، فهذا سيسهل عليه الأمر، حيث ستتعلم طفلتكما منكما كيف تتحدث وتتعامل مع الآخرين لمجرد أن تاخذاها معكما بشكل مكثف وأن تراكما كيف تتعاملان مع الآخرين بروح اجتماعية.

- اختاري أية هواية تحبها هي، واقترحي عليها أن تنتسب لكورس فيها أو نشاط أسبوعي، مثل نوع رياضة معينة تحبها، أو العناية بالحيوانات، وخذيها الى حديقة، حيث ستجد هناك بلا شك أناس وأطفال آخرين يهتمون بالحيوانات، ومرة على مرة ستجدينها قد انكسر حاجز الخجل لديها مع الآخرين، وقد تجدينها تتحدث من تلقاء نفسها بسبب انشغالها العاطفي بالشيء الذي تحبه (حيوانات كمثال).

- العبي معها في المنزل تمثيليات، فهي فرصة حقيقية تساعدك على معرفة داخل طفلتك، وتعليمها في ذات الوقت، وضعي سيناريو أن ضيوفا قد أتوا إلى المنزل، وأنها تقف إلى جانبك وتسلم عليهم، واجعلي السيناريوهات مواقف حياتية مختلفة، واجعليها مرات تتحدث وتتصرف من تلقاء نفسها، ومرات أخرى علميها كيف ترد على الآخرين، واجعليها تعيش الدور وتتحدث وتسلم وتؤهل بهم فعلا وعززيها بكلمات مديح وركزي على ثقتها بنفسها وجرأتها وكلماتها الجميلة، أي دائما اجعلي تسليط الضوء على الايجابيات وليس العكس، مرة على مرة ستجدين الخجل الاجتماعي قد خف لديها، فهي تتخيل نفسها تتواصل مع الآخرين وتمارس الدور بشكل يومي، وهذا بلا شك سيسهل عليها ممارسته فعليا عندما يحين وقته.

- قد يكون خجلها ناتجا عن:
*أنها غير معتادة من الأساس على وجود الغرباء في حياتها.
* أو بسبب موقف ما قد تعرضت له وسبب لها الإساءة أو الإزعاج مما جعلها تعممه على كل الناس الغرباء (فالطفل بالفطرة هو قوي واجتماعي إلا إن حدث شيء ما قد أعاق هذا التطور).

* قد يكون أيضا ناتجا عن ضعف ثقتها بنفسها.
أنت فقط من بإمكانه معرفة السبب، فأنت على اطلاع كامل بماضيها وتفاصيل حياتها الآنية.

- اسأليها دائما أن تخبرك ماذا فعلت، أي شجعيها على التحدث داخل المنزل قدر الإمكان، فهذا سيقوي من ثقتها بنفسها ويقوي لديها مهارة التعبير عما بداخلها، وهذا سينفعك عندما تذهبون الى الخارج وتسألينها عن مشاعرها تجاه المشوار، والناس الذين قابلتموهم، مما سيعينك على فهمها، وقد يساعدك أيضا على معرفة السبب الحقيقي لخجلها.

- اقرئي لها قصصا وركزي في القصص على الأطفال وكيف يتعاملون بثقة مع الناس الآخرين، وركزي أيضا على القيم الإسلامية، مثل المبادرة بالسلام، وأن القوي هو من يبادر بالسلام على الآخرين.

- أخبريها عن نفسك وأنت صغيرة، وادمجي ذلك بتعاملك مع الآخرين وكيف كنت تذهبين مع والدتك وتتصرفين بقوة وثقة مع من حولك وأنك أصبحت هكذا من خلال التدريب.

- عندما تخجل من الآخرين، ركزي معها أنه تصرف طبيعي، وركزي على الإيجابيات فقط، وفي نفس الوقت قومي بتعريضها للمواقف الاجتماعية بشكل مكثف وأرفقي ذلك مع تدريبها المكثف أيضا داخل المنزل.

- لم تخبريني إن كان لديك أطفال آخرون غير طفلتك، ولكن في حال كان لديها أخوة، استغلي هذا الأمر من خلال الألعاب والأنشطة الجماعية، وأن يتحدث كل مرة شخصا منهم أمام الآخرين، هذا أيضا سيقوي لديها من مهارة التحدث، أو بإمكانك إن كانت هي الطفلة الأكبر أن تطلبي منها أن تتحمل بعض المسؤوليات تجاه الأصغر، بأن تعلمها ماتعرفه من مصطلحات داخل البيت، أو حتى خارجه.

- في حال كانت تلعب ألعابا إلكترونية وتفرط في ذلك، خففي منها، حيث لها دور في تقليل الحس الاجتماعي لدى الطفل واندماجه مع الناس من حوله.

- اطلبي منها أن تتحدث أمام المرآة، ثم قومي بتصويرها فيديوهات، وشاهدوها سويا، وعززي شخصيتها أثناء المشاهدة، بهذه الطريقة يعتاد الطفل على رؤية نفسه وهو يتحدث، فيقوى توكيده لذاته وثقته بنفسه.

أخيرا: تذكري أن الحلم بالتحلم والعلم بالتعلم، أي إن أي سمة نفسية تريدين أن تكتسبها طفلتك فستكون نتيجة عن فترة من التدريب المستمر مع التعزيز المستمر من طرفكم.

ختاما: أتمنى أن أكون قد أفدتك بإجابتي, ولا تترددي في مراسلتنا مجددا في أي وقت وبأي موضوع.

دمت بحفظ الله.

مواد ذات صلة

الاستشارات