ابنتي عنيدة وعصبية ولا تحب اللعب مع أقرانها.

0 39

السؤال

السلام عليكم.

كيف أتعامل مع ابنتي، عمرها عام و ٨ أشهر ، منذ صغرها كانت تبكي كثيرا ولا تنام إلا إذا حملناها، والآن هي عنيدة جدا وتبكي على أتفه الأمور، وترفض الأكل، كما أنها لا تحب اللعب مع الأطفال أو مشاركة أغراضها معهم وتضربهم، وعكس ذلك ترغب في أخذ ما لديهم لصالحها.


من فضلكم انصحونا بطريقة للتعامل معها.

جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا وسهلا بك أخي الكريم، وأشكر ثقتك بنا.
كم أسعدني عندما قرأت رسالتك الاهتمام الأبوي الذي لمسته في كلماتك، فأنا على ثقة أنه عندما يتواجد اهتمام الأب أو الأم مترافقا مع السعي للبحث عن حلول لأية مشكلة سلوكية قد تطرأ على سلوك طفلهم، فهذا بالتأكيد سينتهي إلى تعديل إيجابي للسلوك.

الأعراض السلوكية التي تشتكي أنها موجودة لدى طفلتك هي:
العناد/ البكاء على أتفه الأمور/ رفض الأكل/ عدم الرغبة باللعب مع الأطفال ومشاركة أغراضها معهم/ ضربها للأطفال/رغبتها في أخذ ما لدى الآخرين.

لقد طلبت منا نصيحة للتعامل مع طفلتك بشكل صحيح وفقا لهذه المشكلات التي ذكرتها، ولكن ماهو أهم من ذلك ولم أجده في رسالتك هو نمط تعاملك أنت وزوجتك مع طفلتكما في الحياة اليومية بشكل عام، وبعد قيامها بأية سلوك خاطئ بشكل خاص، فالمشكلات السلوكية لدى أطفالنا ليست إلا استدلالات ضوئية لأماكن خاطئة قد وقعنا فيها نحن الأهل، حيث إنهم أولا وآخرا مرآة لنا ولتصرفنا معهم، فما يصدر منهم من أية سلوك سلبي تأكد أنه (نتيجة) لسبب ما، إما منك أنت أو من والدتها أو من كليكما.

وهذا الأمر عندما يدركه الوالدين يوفر عليهما الكثير من الوقت لإيجاد الحل، فالحل يبدأ من عندهم وليس من الأطفال، وهذا يجعل الحل أسهل وأسرع فهو في متناول أيديهم، وليس عليهم سوى أن يدركوه ويبدؤوا التغيير من أنفسهم.

لذا أتمنى منك أن تعاود مراسلتنا وتخبرنا عن نمط تعاملكما مع طفلتكما لنساعدك حينها في معرفة السبب وراء سلوكيات طفلتك، ومن الآن إلى حينها لن أستطيع اعطاءك نصائح ملائمة تماما لحالة طفلتك، بقدر ما سأعطي نصائح عامة تتلاءم مع المرحلة العمرية لطفلتك، وفي نفس الوقت ستساعدك على معرفة أماكن الخطأ في تصرفك أنت وزوجتك معها.

اقتراحاتي ونصائحي هي:
- بداية أريد أن أركز على نقطة، وهي أن الطفل يمر بمراحل مختلفة أثناء نموه النفسي، وهذا مايغفل عنه الكثير من الأهالي، حيث يقومون عادة بالتركيز على التطور والنمو الجسدي واللغوي، ويهملون بقية الجوانب من النمو التي لا تقل أهمية على الإطلاق، ومنها النفسي، الاجتماعي، والعاطفي.

وفيما يخص النمو النفسي للطفل، فمن أهم القفزات النفسية الأولى في نموه هي مرحلة العناد أو الاستقلال (وهي تبدأ منذ العام ونصف وتمتد الى ثلاث سنوات وأحيانا أربعة).

حيث يبدأ الطفل فيها بالمشي، وذلك يجعله يدرك أن كيانه مختلف عن والدته، مما يدفعه إلى استكشاف العالم من حوله بمفرده، ويشعره بحاجة كبيرة إلى الاستقلالية، وهنا الأمر الهام.

ففي حالة تفهم الوالدين لهذه الحاجة النفسية لدى طفلهم وقيامهم بمساعدته على إشباعها، من خلال بناء قناة للحوار مع طفلهم واعطائه الفرصة لإبداء وجهة نظره حتى في أبسط الأمور، وأيضا تركهم له مساحة كبيرة من الحرية في اتخاذ قراراته، ومشاركته بعض المسؤوليات المنزلية، واثبات ذاته وقدراته، كل هذا يخدم إشباعه لحاجته بالإحساس بذاته والاستقلالية.

ولكن في الحالة العكسية، وهي عدم تفهم الأهل لهذه الحاجة، بل قيامهم "عن غير قصد" بقمعها، هنا سيقوم الطفل بإشباع حاجته بطرق غير صحية، منها العناد والصراخ والعصبية والرفض المتكرر بدون سبب وغيرها من الأعراض السلوكية، وأيضا قد يجعل سعيه لإشباع حاجة الاستقلالية لديه تمتد إلى سنوات متقدمة.

لذا كلما ساعدتم طفلتكما على حصولها على الاستقلالية، كلما قللتم تلقائيا من ظهور أية مشكلات سلوكية لديها، فالعناد لدى الأطفال في هذه المرحلة العمرية هو شيء طبيعي وهام وضروري لنموهم النفسي، وإذا لم يفهم عناد الطفل من الأهل بشكل صحيح فسيتحول إلى تمرد وعدائية.

أي: العناد هو اللغة التي يختبر فيها الطفل قدراته، وعندما لا يعطي الأهل مساحة لطفلهم ليكتشف ذاته وقدراته ويعتمد على نفسه (سواء عن طريق قمعه أو الخوف الزائد عليه أو دلاله المفرط أو حمايته الزائدة)، كل ذلك يجعله يشعر أن من حوله لايفهمون عليه ولا يفهمون احتياجاته مما يزيده عنادا.

لذا المهم هنا، هو أن تدركوا أن العناد في هذه المرحلة ليس مشكلة، بل هو علامة من علامات النمو السليم لنفسية الطفل.

- فيما يتعلق بعصبية طفلتك غالبا ماتكون مؤشر أن لديها نقص في إشباع حاجة الأمان والطمأنينة والحب لديها، لذا اجعلوا هدفكم الدائم بتعاملكم معها أن تعززوا لديها هذه الاحتياجات، من خلال إخبارها بمحبتكم لها بشكل دائم بالأسلوب اللفظي(كلام) والجسدي (عناق وقبلات ولمسات).

- إذا كنتم تستخدمون معها اللوم والنقد فقوموا بالتخفيف منهم قدر الإمكان، وذكروا أنفسكم أن ذات الإنسان (الكبير والصغير) لا تنمو مع اللوم والنقد والتوبيخ، وهذا مايجعل الطفل يقوم بحماية نفسه من لوم ونقد الآخر من خلال تمرده على الآخرين.

- اعرف أخي الكريم أن مديح طفلك يمتص عصبيته وعناده، والمديح والتركيز على ايجابيات طفلتك هي من أسرع الطرق التي تخفف وتعدل وتقلل من السلوكيات السلبية لديها.

- في أي موقف تصادم بينكم وبين طفلتكم اجعلوا هدفكم أن تكون النتيجة هي"أن يربح كلاكما"، لا أنت أو زوجتك فقط، ولا هي فقط، فالتربية الناجحة هي من ينتهي أي موقف محتد فيها بين الأهل والطفل برضا كليهما، عن طريق الحوار والتفاوض؛ لذا إن كنتم لا تقومون بهذه الاستراتيجية، فابدؤوا بها من الآن.

- مهارة اتخاذ القرار من أهم الأشياء التي تنمي لدى الطفل إحساسه بذاته واستقلاليته وبالتالي التخفيف من عناده وعصبيته على الآخرين، لذا إن كنتم لا تركزون على هذه المهارة في تربيتكم وتعاملكم معها، فابدؤوا بها من الآن، وإن كنتم من الأهل الذين يقررون كل شيء عن أطفالهم 'محبة منهم وعن حسن نية بلا شك'، فابدؤوا من الآن بالانسحاب التدريجي وتفويض طفلتكم باتخاذ قراراتها أو القرار بين عدة خيارات تضعونها لها، هذا الأسلوب ستجدون آثاره الإيجابية على نفسية طفلتكما وسعادتها.

- عندما تطلب طفلتكما طلبا ما، وتقومون برفضه، هل تشرحون لها بكامل الحب سبب رفضكم للطلب، وهل يكون السبب مقنع من الأساس؟ أم لمجرد أنكم لا ترغبون بتنفيذه دون وجود سبب حقيقي؟ فعدم شرحنا لأطفالنا عن سبب الرفض يؤدي إلى استفزازهم وزيادة العناد والعصبية لديهم.

- عندما تغضب طفلتكم قوموا بحضنها على الفور، دون النقاش في أي شيء، ولا تشترطوا عليها التوقف عن أية تصرف، فقط احضنوها، حيث إن هدف الحضن من الأساس هو أن ترسلوا لها رسالة أنكم تحبونها بلا شروط، إضافة إلى أن الحضن يمتص غضب الطفل، لذا قوموا بحضنها وطمأنتها بجمل مثل (اهدئي طفلتي/أنا معك/ أنا بحبك/ أنا حاضنتك وكل شيء سيصبح جيد/ فهمانة عليك) بهذه الجمل تستطيعون إحساسها بالأمان وامتصاص غضبها مع شعورها بالحب الغير مشروط من طرفكم، وأيضا جمل مثل ( ماذا يزعجك أخبريني عزيزتي/ كيف بتحبي ساعدك حبيبتي )، بهذه الجمل ستشعر بتفهمكم لها، وستتدرب على تحويل تركيزها من عاطفتها إلى عقلها، بالتفكير بجواب لسؤالكم ومحاولتها التعبير (بطريقتها التي قد تكون طبعا غير مفهومة لكم بشكل كافي، ولكنكم تدربونها بهذا الأسلوب على التعبير عن مشاعرها وانفعالاتها بلسانها وليس بضربها أو بكائها)، وأكدوا عليها أنكم ستفهمون عليها بشكل أسرع من خلال الكلام وليس البكاء.

- العبوا معها في المنزل تمثيليات ومسرحيات، فالأطفال يحبون ذلك كثيرا، وهي فرصة حقيقية تساعدكم على معرفة داخل طفلتكم (وخاصة أنها لا تجيد الكلام بعد) وضعوا سيناريو أن ضيوفا لديهم أطفال قد أتوا إلى المنزل، وراقبوا كيف ستتصرف، وقوموا بعدها بإعادة اللعب وتبديل الأدوار، فهذا سيتيح لكم معرفة مايكمن داخلها من أفكار ومشاعر مكبوتة، وأيضا سيساعدكم هذا النوع من اللعب على تقويم سلوكها.

- قد تكون مشكلتها ناتجة أنكم فرضتم عليها مشاركة ألعابها مع الأطفال الآخرين، وهذا ليس بصحيح، فعلينا كأهل أن نحترم رغبة الطفل في الدفاع عن ممتلكاته وعدم رغبته المشاركة بها، بل إن هذا الشعور هو صحي جدا على المنحى النفسي، فهذا سيجعل الطفل عندما يكبر قادرا على الدفاع عن حقوقه وعدم التنازل عنها دون رغبة منه.

لذا في حال كنتم تفرضون عليها المشاركة، اتركوا لطفلتكم كامل الحرية والاحترام لرغبتها بعدم المشاركة في ألعابها مع الآخرين، بل استثمروا هذه الفرص بأن تشرحوا لها مفهوم الملكية، وهو أن الأشياء التي لها لا يحق لأحد أخذها دون موافقتها وإذنها، عندما تشرحون لها هذا المفهوم وتطبقونه معها أثناء تعاملكم مع طفلتكم في المنزل مع أشيائها الخاصة واخذكم الإذن منها، هذا سيجعلها تفهم تماما مفهوم الملكية، وبالتالي سيسهل عليها فهمه فيما يخص ممتلكات الآخرين، وبأنها لا يحق لها أيضا أخذ ممتلكات طفل آخر دون طلب الإذن منه وموافقته.

- اسألوها دائما أن تخبركم ماذا فعلت في تفاصيل حياتها اليومية، أي شجعوها على التحدث داخل المنزل قدر الإمكان، فهذا سيقوي من ثقتها بنفسها ويقوي لديها مهارة التعبير عما بداخلها، وهذا سينفعكم عندما تذهبون الى الخارج وترى أطفالا آخرين وترفض اللعب معهم، فتسألونها عن مشاعرها تجاه ذلك، مما يسهل عليها التعبير، ويسهل عليكم معرفة السبب.

- اسألوها عن رغبتها عندما تذهبون للقاء أية أطفال آخرين، وأخبروها أن بإمكانها إعلامكم عن رغبتها بإمضاء المزيد من الوقت معهم أو بإنهاء اللقاء والذهاب إلى البيت، وأنكم ستحترمون رغبتها أيا كانت، فهذا سيجعلها أكثر جاهزية للموقف، وأيضا ستشعر بالتقبل والأمان النفسي من طرفكم وبأنكم تحبونها وتتقبلونها بجميع الحالات.

- بإمكانكم استثمار قصص قبل النوم من خلال اختياركم للمواضيع التي تتحدث عن اللعب الجماعي، والقصص التي تركز على الأطفال كيف يلعبون مع بعضهم وهم بقمة السعادة.

أخيرا: أنصحك بالبحث عن فيديوهات للخبير التربوي المغربي مصطفى أبو سعد، فأنا متأكدة أنك ستشعر بالمتعة والفائدة الكبيرة أثناء مشاهدتك له وتزودك بالمعلومات التربوية الغنية التي يقولها.

ختاما: أتمنى أن أكون قد أفدتك أخي الكريم بإجابتي، وأدعو الله أن يجعل طفلتك قرة عين لك ولزوجتك.
بانتظار مراسلتك لنا مجددا في أي وقت تشاء.

دمت برعاية الله.

مواد ذات صلة

الاستشارات