بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم جاسم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك عزيزتي, ونشكر ثقتك بنا.
إن ما تعانين منه -أختي الكريمة- من (خوف شديد من مواجهة الناس، الارتباك من "الكتابة والتحدث" مع المسئولين، عدم شعورك بالراحة أثناء تواجدك مع الناس، التفكير المفرط حول تصرفاتك أمام الآخرين، وحول ردود أفعالهم عنك، التوتر الشديد عندما ينظر الناس إليك، محاولة التهرب وتجنب مثل هذه المواقف الاجتماعية، ضعف في التركيز أثناء المواقف الضاغطة اجتماعيا، التوتر والرجفة والارتعاش في المواقف الاجتماعية، وسرعة التنفس أثناء ذلك).
كل هذا يندرج تحت ما يسمى الرهاب أو الخوف الاجتماعي.
والرهاب الاجتماعي يحدث عندما يتحدث الإنسان أمام الناس, حيث يحمر وجهه وترجف يداه، ويعرق جسمه, وينشف ريقه، ويشعر وكأن الأرض ستبلعه, وكلما ركزت الناس عليه أكثر, كلما تلبك أكثر, وهذا الرهاب يجعل صاحبه يفسر كل شيء بطريقة سلبية تؤدي إلى هدم ذاته وثقته بنفسه تدريجيا.
كنت أتمنى لو أخبرتني قليلا عن نفسك داخل أسرتك، وما هو نمط التربية والخبرات التي تلقيتها في طفولتك؟ هل كان هناك نوع من التسلط الوالدي عليك؟ وما هي سمات الجو الأسري الذي تربيت فيه؟ وما هو نمط الحياة الاجتماعية التي تعيشينها الآن خارج حياتك المهنية؟ وهل تعانين من هذه المشكلة داخل الإطار المهني فقط أم أيضا تشعرين بالارتباك وتميلين إلى الانطواء بمواقف حياتك في أسرتك ومع صديقاتك وأقربائك.
كل هذه المعلومات تعتبر مهمة في تشخيص المشكلة, فالرهاب الاجتماعي يرتبط بشكل عام بضعف الثقة بالنفس من جهة, وبنوعية الخبرات الاجتماعية التي يتعرض لها الإنسان من جهة أيضا, ومن ضعف المرونة الاجتماعية الناتجة عن قلة في التعرض للمواقف الحياتية من جهة أخرى.
هذا ما يجعلني أنتقل إلى بعض النقاط التي أريد الإشارة إليها وهي:
- من العوامل التي تؤدي إلى تفاقم مشكلة الرهاب الاجتماعي لدى صاحبها هي ضعف الثقة بالنفس, أي أن يكون الإنسان يستمد ثقته بنفسه من الآخرين وليس من ذاته, وهذا يضعف احتكاكه مع الآخرين والمواقف الاجتماعية, مما يزيد الطين بلة, فقلة الاحتكاك والتواصل تضعف ثقته بنفسه أكثر فأكثر.
هذه النقطة أعتقد أنها لا تنطبق عليك, فأنت قد وصلت إلى ما وصلت إليه من منصب وظيفي عال, وهذا يعكس تفوقك الدراسي والمهني, وقوة حضورك أيضا, وطموحك الذاتي ونظرتك الإيجابية إلى نفسك.
كل هذه السمات تجعلني أطرح عليك هذه الأسئلة: هل مشكلتك قديمة أم ظهرت كما أشرت في كتابتك منذ عامين فقط؟ هل هي فقط مع المسؤولين أم مع كامل محيط عملك؟ هل هي فقط داخل الوظيفة أم أيضا خارجها.
- من الأمور والمشكلات النفسية المرتبطة بالرهاب الاجتماعي أيضا هي سمات الشخصية التجنبية, وهي الشعور الدائم بالنقص والدونية أمام الناس, فلا تتكلمين حتى تشعرين نفسك مقبولة من الآخرين, والفارق بين الرهاب الاجتماعي ونمط الشخصية التجنبية أن من لديهم رهابا اجتماعيا يتسمون خارج المواقف الحياتية المتعلقة بمواجهة الناس بالراحة وبسمات وسلوكيات سوية طبيعية, أي أن مشكلتهم بالارتباك والخجل والخوف تظهر حين مواجهة مجموعة من الناس, وهذا يجعلهم يتجنبون أية موقف فيه احتكاك مع الآخرين.
أما أصحاب الشخصية التجنبية فيعانون من أعراض (تجنب الناس والإحساس بالنقص والدونية وضعف الثقة بالنفس وبأنهم غير مقبولين حتى يثبت العكس) في جميع الأوقات, سواء داخل مواقف مواجهة الناس أو خارجها.
هذه النقطة برأيي لا تنطبق عليك أيضا, فلا أظن أن من لديه شخصية تجنبية سيتمكن من الوصول إلى ما وصلت إليه من منصب وظيفي ناتج عن كفاح مستمر بلا شك، وتفوق دائم سواء في الحياة الدراسية أو المهنية لتترقي في الوظيفة إلى هذا المنصب.
النجاح الوظيفي في زماننا الحالي لا يعتمد فقط على التميز المهني بقدر اعتماده أيضا على المهارات الشخصية والاجتماعية, التي أراها موجودة لديك, وهذا ما يؤكد شعوري بأن هناك شيء ما قد حدث معك منذ عامين وأدى إلى شعورك بالخوف الاجتماعي أثناء تعاملك مع الناس خلال وظيفتك.
جميع أسئلتي تنتظر منك إجابات لتكون الصورة أوضح لي, مما يساعدني على وضع اقتراحات علاجية لمشكلتك تكون أكثر دقة لحالتك أنت، ولكن من الآن إلى معاودتك مراسلتنا مرة أخرى إن أحببت, سأقترح عليك هذه الخطوات والتي أراها أنها ستساعدك في تجاوز مشكلتك:
- التحاقك بدورات بناء الثقة وتعزيز الذات وهذه كثيرة، سواء على أرض الواقع أو عبر الإنترنت أونلاين، أو مشاهدة الفيديوهات التي تتحدث عن هذا الموضوع من طرف مختصين نفسيين، أو متابعة قنوات يوتيوب أو انستغرام لمدربي مهارات الحياة, أو قراءة كتب تتناول هذا الموضوع، جميع هذه الخطوات مفيدة جدا لك، فهي سترفع من وعيك حول مشكلتك، وستعطيك طريقة مختلفة للنظر إلى المشكلة وكيفية تجاوزها, وتحليلي لشخصيتك أن لديك من المرونة ما ستجعلك تتجاوبين بشكل رائع وسريع مع أية خطوة علاجية ستقومين بها.
- الذهاب لأخصائي نفسي "متمكن" للبدء بجلسات العلاج النفسي, أو من خلال متابعتك لفيديوهات المختصين على الانترنت، كلا الخطوتين سترينهم يركزون على أهم وأنجح علاجات الرهاب والخوف والأكثر فاعلية وهو العلاج المعرفي السلوكي, وسأشرح لك الآن نبذة عنه, فهو ينقسم إلى شقين:
- الجانب المعرفي: يساعد الشخص على إدراك الأفكار والمعتقدات السلبية لديه, والتي تجعل تصوره لنفسه ناقصا ومتدنيا, فمن خلال تسليط الضوء والتعرف على تلك الأفكار السلبية التي تستحوذ على تفكيرك, والتي تؤثر على تصرفاتك ومشاعرك, واستبدالها بأفكار أخرى تكون أكثر إيجابية, مما يمكنك من إعادة بناء تصورك لنفسك بطريقة مختلفة, وهذا بلا شك سينعكس إيجابا على تفاعلك الاجتماعي والتقليل من مخاوفك.
هنا أريد الإشارة إلى نقطة هامة جدا وهي أنك حتى لو لم يكن لديك ضعف ثقة بالأساس إلا أن هذا النوع من العلاج مفيد جدا للوقاية من (الآثار النفسية السلبية وضعف الثقة) الناتجة عن مواقف الخوف والارتباك الاجتماعي التي تعيشينها داخل حياتك المهنية.
- الجانب السلوكي، وذلك من خلال:
1. عريض الشخص لتجارب جديدة تعزز من ثقته بنفسه, والأهم أن يكون هذا التعرض تدريجي (من حيث عدد الناس ومدة التعرض, وأن يتعرض لمجموعة من الأفراد لا يعرفونه ولا يعرفهم لكي لا يكون لديهم حكما مسبقا عليه، ولكي لا يرتبط لديه ذهنيا بين تلك المجموعة من الناس وقدرته على ممارسة ما تعلم وتدرب عليه بعد انتهائه من تدريب نفسه) للمواقف التي يخافها, مع مراقبة أفكاره وتصرفاته, وهذا التعرض التدريجي المستمر سيخفف من أثر الرهاب لديه, وسيعزز من ثقته بنفسه مع الوقت.
2. تدريب الشخص على مهارات الثقة بالنفس, من خلال تدريبه على مهارات الإلقاء ومهارات توكيد الذات, وأيضا تدريبه على المظاهر الجسدية للثقة بالنفس (نبرة الصوت, سرعة الكلام, طريقة الجلوس, طريقة النظر إلى عيون الآخر, التركيز على مضمون الكلام وليس نظرة الآخرين لكلامه).
من الاقتراح أن تبحثي في اليويتوب أو جوجل عن قصص النجاح في التغلب على الخوف الاجتماعي, أو الارتباك مع الآخرين, حيث ستجدين في نتائج البحث العديد من القصص الواقعية المحفزة والداعمة لك في مسيرة التغيير الخاصة بك.
تذكري أن من أهم الخطوات التي تساعد من يعانون من الخجل والخوف الاجتماعي في التخلص من مشكلتهم أن لا نقاطعهم, وأن نتركهم يكملون حديثهم، وهذه النقاط هي متوفرة تلقائيا لديك في محيطك المهني, فهي بمثابة نقاط قوة لديك بسبب منصبك, لذا لا تنسي أن تقومي باستشعار القوة التي لديك واستثمارها لأقصى درجة.
أخيرا: أنا متأكدة أن لديك المزيد من الطموحات المهنية والأهداف الخاصة بك التي تتمنين أن تحققيها وتعيشيها, وإن معاناتك تعيقك وتحرمك من أن تعيشي حياتك ودورك المهني كما ترغبين وكما تستحقين, لذا أتمنى منك عزيزتي أن لا تسمحي للموضوع أن يأخذ من حياتك ومن تميزك المهني, وأن تبدئي بالخطوات الجدية لعلاج مشكلتك, ولا تنسي أن هذه المشكلة هي مكتسبة وبالتالي علاجها ممكن جدا ويتوقف على رغبة الإنسان وإرادته.
ختاما: أتمنى أن أكون قد أفدتك بإجابتي, ولا تترددي في مراسلتنا مجددا في أي وقت تشائين, وبانتظار الاطمئنان عنك والتواصل قريبا.
دمت بحفظ الله