السؤال
السلام عليكم.
دائما يراودني سؤالا: لماذا الأشخاص الغير ملتزمين سواء كانوا شبابا أو بنات تجدهم يحملون جمالا كبيرا، ولديهم أموال، وأمورهم ميسرة، وكل يوم يعيشون بسعادة ورفاهية، ويظهرون مفاتنهم، ويجعلون كل شخص ينظر إليهم بحسرة بما يمتلكونه، رغم أنهم يعصون الله من خلال لبسهم الفاضح، ولا يصلون ولا يلتزمون بأي أمور دينية، والفتيات من جمالهم ولبسهم الفاضح يدخلون علاقات مع شباب ويتسمتعون ويتزوجون بيسر.
عكس الذي يصلي ويحاول غض البصر ويخاف الله تجدة يكابد في هذه الحياة، ولا يملك الجمال مقارنة بالذي ذكرتهم من الغير ملتزمين، وحتى أبسط حق وهو الزواج لا يستطيع عليه.
صراحة بدأت أترك الصلاة والالتزام؛ لأنني أجد نفسي رغم الالتزام وقيام الليل بأن أموري متعسرة، وجمالي أقل من المتوسط، وكل يوم أعاني في هذا الدنيا في العمل، ومع أهلي وبكافة الجوانب.
لا أعرف بدأت أقول من في الطريق الصحيح أنا أم هم؟!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عابر سبيل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك أيها الابن في الموقع، ونشكر لك التواصل مع الموقع وعرض هذ السؤال، ونسأل الله أن يهديك لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو، وأن يردك إلى الحق ردا جميلا، وأن يعيننا على فهم هذا الدين الذي فيه السعادة والكمال والجمال، ولا يمكن أن يصل الإنسان إلى السعادة إلا من خلال هذا الدين الذي قال فيه ربنا العظيم: {فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا}.
وعليه: لا يمكن أن يكون العاصي سعيدا، ولا يمكن للإنسان أن يسعد بمعصيته لله، وإن أظهر للناس الجمال والابتسامة، فإنه في الحقيقة في تعب وضيق، ويظهر ذلك من احتياجهم للحبوب المنومة ومما يملأ حياتهم من التعاسة والشقاء، وإن كان يظهر للناس خلاف ذلك، {ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا من يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين * ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين}.
فالعبرة ليست بهذه المظاهر الدنيوية، وكل هذا دليل على حقارة الدنيا التي يشبع فيها لكع بن لكع وجاع فيها الكريم، وجاع فيها رسولنا، وربط على بطنه الحجارة، ذلك لأن الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، ولو كانت كذلك ما سقي الكافر وما سقي العاصي منها جرعة ماء، ولكن لحقارة الدنيا فإن الله يعطيها من يؤمن ومن لا يؤمن، يعطيها من يطيع ومن لا يطيع، والجميع يختبر بهذه الدنيا،{فلا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا} وسماها (زهرة) لأن الزهرة عمرها قصير، وهي جميلة من الظاهر فقط، لكن إذا فرك الإنسان الزهرة فإنه تأتيه روائح منتنة وغير طيبة، ثم قال: {لنفتنهم فيه} ثم قال في ختام الآية: {ورزق ربك} من الصلاح والصلاة والخير {خير وأبقى}.
واعلم أن أنوار الطاعة في وجوه الطائعين لا يعادلها شيء في جمالها، ولا في صفائها، وأنت ترى من العصاة من ربما يظهر عليه النعمة وعنده من أشكال التزين والاهتمام بجسده وبملبسه؛ لكن هي {وجوه عليها غبرة * ترهقها قترة}، لأن حلاوة الطاعة هي التي تعطي الإنسان هي السمة الجميلة والشكل المشرق.
وكما قلنا: الدنيا يعطيها الله تبارك وتعالى لمن يحب ولمن لا يحب، ونعم الله مقسمة، وأكبر النعم التي ينبغي أن نحمد الله عليها هي نعمة الالتزام، ونعمة الصلاة، ونعمة قيام الليل.
فعد إلى ما كنت عليه من الخير، وتعوذ بالله من شيطان لا يريد لك الخير، واطرد هذه الأفكار، فإنها خطأ جملة وتفصيلا، وحتى لو سألت هؤلاء فستجدهم يبحثون عن السعادة، ولا يمكن أن يجدوها، يبحثوا عن الطمأنينة ولا يمكن أن يصلوا إليها، لأن الطمأنينة مكانها واحد، {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.
وطبعا لا نوافق على أن كل عاصي شكله جميل وكل مطيع شكله غير ذلك، هذه المسألة لا يمكن أن يوافق عليها أي إنسان، بل العكس من ذلك، وهذا ما تقوله الشقيات في أهل الحق وصفاء نفوسهم، وعند السلف مواقف كثيرة تعرض العباد لجمال وجوههم وصفاء نفوسهم، تعرضوا لمواقف ثبتهم الله تبارك وتعالى فيها.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والهداية، وشكرا لك على التواصل، ونتمنى أن تعود إلى صوابك، وإلى التزامك، واستغفر الله وتب من مثل هذه الأفكار، ونسأل الله لنا ولك الهداية.