السؤال
السلام عليكم.
توفي أبي منذ ثلاثة أشهر ونصف، كنت أحبه جدا، وأقضي معظم وقتي معه، لا أعلم كيف أستمر بالعيش بعده، أنا طالبة في المرحلة الأخيرة، لا أستطيع المذاكرة، ولا أستطيع فعل أي شيء سوى الدعاء له،
أشعر بأن من يفقد أباه يفقد الحق بالعيش، ألوم نفسي على كل شيء أقوم به من أكل ونوم وجلوس دون التفكير بأبي، أشعر أنني أقلل من حبي له إذا انشغلت عن الدعاء له قليلا، علما أني أقرأ القرآن وأصلي وأتصدق عنه، ولكن كلما أصبحت بحالة جيدة ألوم نفسي أني بدأت أتقبل موته، وأفكر بالعيش، فهل يستحق من فقد أباه العيش؟ كيف نعيش ونحن مبتورون؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ شهد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتي الكريمة- في موقعنا، ونسأل الله أن يرحم الوالد وأن يغفر له، وأن يلهمك الصبر والسلوان، والجواب على ما ذكرت :
- من المعلوم أن الموت مصير كل حي " كل نفس ذائقة الموت"، ووالدك رحل ونحن بعده راحلون، وقد رحل إلى الله وهو أرحم به، فلا بد أن توطني نفسك على الصبر، وكلما تذكرت أباك تقولين " إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها"، وإذا كررت هذا سيذهب عنك الحزن الذي تجدينه في نفسك، وسيحصل في نفسك الصبر والرضا.
- أعظم مصيبة أصيبت به الأمة عند وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولقد أرشد أمته، وحتى تهون كل مصيبة وقعت على أحد فقد جاء في الحديث عن عائشة، قالت: فتح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بابا بينه وبين الناس - وهو مريض في بيته -، أو كشف سترا، فإذا الناس يصلون وراء أبي بكر فحمد الله على ما رأى من حسن حالهم ورجاء أن يخلفه الله فيهم بالذي رآهم، فقال : " يا أيها الناس، أيما أحد من الناس، أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعز بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري، فإن أحدا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي ".رواه ابن ماجه.
وفي قوله :"فليتعز" ويخفف على نفسه مؤنة تلك المصيبة بتذكر هذه المصيبة العظيمة إذ الصغيرة تضمحل في جنب الكبيرة فحيث صبر على الكبيرة لا ينبغي أن يبالي بالصغيرة، فكلما تذكرت الوالد وموته، فتذكري رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنه افضل منه وقد مات أيضا، فبهذا يذهب عنك الحزن والأسى.
- الحب للوالد يعبر عنه بالبر بعد وفاته بالدعاء له والإهداء له بثواب العمل الصالح، وأنت تفعلين هذا، ولكن ليس من البر إظهار الحزن وتعطل الحياة، وما ذكرت عن نفسك بأنك أصبحت مبتورة من الحياة، فهذا غير صحيح، والواجب عليك أن تتقبلي موت الوالد وأن هذا قضاء الله وقدره، وعليك التسليم والرضا بذلك، وأنت تستحقين العيش بعد الوالد لأن الله شاء هذا، لأنك خلقت لعبادة الله، ولا بد أن تعيشي عيشة طبيعية مثل سائر الناس الذين فقدوا أحبابهم، وفي عيشك بعد الوالد خير له حتى تحسنين إلى الوالد، فيأتي يوم القيامة وصحيفته مليئة بالحسنات مما كنت تهدين له.
وفقك الله لمرضاته.