السؤال
السلام عليكم.
في عمر خمس سنوات كنت أشاهد التلفاز، وفجأة أحسست بكهرباء تسري في جسدي فقمت مرتعبا، قبلها تعرضت لحادث وخفت كثيرا وقتها، مع مرور السنوات تطورت الأمور من نوبات هلع وخوف ورهاب، مارست حياتي بصعوبة جدا، لم أكن أخرج كثيرا، وكنت في حالة من الرعب، في سن الثالثة والعشرين تطورت الحالة كثيرا، ذهبت لطبيب نفسي، وشخص الحالة باضطراب الهلع مع رهاب الخلاء، وأعطاني دواء السيروكسات 20، مع مهدئ بجرعة 0.5 كلونكس نصف حبة، استمررت على العلاج لمدة سنة، مع جلسات علاج معرفي سلوكي، فشفيت تماما.
ذهبت للبحر والأماكن المكشوفة، وخرجت من عزلتي، وبعد سنة كاملة من التحسن تم إيقاف العلاج، وبعد فترة قصيرة عادت النوبات، فرجعت إلى الطبيب، فقال استمر على السيروكسات، فرجعت له فتحسنت، ولكن كان التحسن 70 % تقريبا، ومارست حياتي وعملي بشكل طبيعي.
في سن السادسة والعشرين تزوجت، وما زلت أتعاطى حبوب السيروكسات فأثر علي جنسيا، فطلبت من طبيبي أن يحولني إلى السيبراليكس، فتحولت إلى جرعة 10 سيبراليكس صباحا لمدة شهرين، فازدادت النوبات والخوف، رجعت إلى الماضي، وتلاشى كل التحسن، فعدت من تلقاء نفسي إلى السيروكسات عيار 20 قبل 28 يوما من تاريخ هذه الرسالة، ولكن ما زلت أتخبط، يوجد تحسن ولكن تأتيني نوبات هلع ورهاب الخلاء، فتخليت عن عملي، وأرقد الآن في المنزل وأستشير طبيبي فقط بالهاتف، لماذا هذه الانتكاسة؟ وكم أستمر على الدواء؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.
أخي: حالتك واضحة جدا، فأنت تعرضت لنوع من الهرع أو التخويف وأنت صغير، ويعرف أن ستين بالمائة (60%) من الذين يعانون من نوبات الخوف والهرع ورهاب الساحة – أو ما يسمى برهاب الخلاء – كانوا قد تعرضوا لشيء من المخاوف أو التجارب السلبية تتسم بصفة التخويف في صغرهم، والخوف طبعا خوف متعلم، ومن أفضل العلاجات هي العلاجات التأهيلية السلوكية، والأدوية تساهم حقيقة، لكن بكل أسف الآن كثير من الناس يعتمدون فقط على الدواء.
الدواء هو وسيلة لإزالة القلق والتوتر، وليجعل الإنسان لا يجد صعوبة في الانخراط في العلاجات السلوكية التي تقوم على مبدأ المواجهة مع منع الاستجابة السلبية.
فيا أخي الكريم: يجب أن تجتهد كثيرا في العلاج السلوكي، وهو علاج طبيعي جدا، اجتماعي جدا. من أهم الأشياء: لا تتخلف عن الواجبات الاجتماعية، إذا دعيت لدعوة زواج يجب أن تذهب، عزومة يجب أن تذهب، زيارة مريض يجب أن تذهب، المشي في جنازة، تقديم واجبات العزاء، الجلوس مع بعض الأصدقاء من أجل الترفيه عن النفس، صلاة الجماعة في المسجد، فهذه -يا أخي- هي العلاجات الحقيقية لنوعية الخوف الذي تعاني منه، ليس السيبرالكس أو الزيروكسات أو الفافرين أو سمي ما تسمي، نعم هذه الأدوية تساهم بنسبة ثلاثين بالمائة (30%)، لكن العلاج الصحيح، العلاج السليم هو العلاج الاجتماعي السلوكي الواقعي في حياتنا.
والإنسان طبعا حين يبدأ هذه المواجهات قد يحس بشيء من الرهبة في بداية الأمر، لكن يمكن أن يخترق الإنسان خوفه بالاستمرار في المواجهات، وأن يعرف الهدف السامي من مواجهاته.
مثلا إذا ذهبت لزيارة مريض؛ هذا هدف سامي وعظيم جدا، من ورائه الأجر العظيم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من عاد مريضا أو زار أخا له بعث الله إليه مناديا من السماء أن طبت وطاب ممشاك، قد تبوأت من الجنة منزلا) وفي رواية: (من عاد مريضا بكرا شيعه سبعون ألف ملك، كلهم يستغفر له حتى يمسي، وكان له خريف في الجنة، وإن عاده مساء شيعه سبعون ألف ملك كلهم يستغفر له، حتى يصبح وكان له خريف في الجنة).
الصلاة مع الجماعة لك -إن شاء الله- أجري الدنيا والآخرة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ في بيته فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد يصلي في جماعة المسلمين، لم يرفع رجله اليمنى إلا كتب الله بها حسنة، ولم يضع رجله اليسرى إلا حط الله بها خطيئة، حتى يأتي المسجد، فليقرب أو ليبعد، فإذا صلى بصلاة الإمام انصرف وقد غفر له، فإن هو أدرك بعضا وفاته بعض، فإن ما فاته كان كذلك، فإن هو أدرك الصلاة، فأتم الصلاة ركوعها وسجودها كان كذلك).
فإذا معرفة الهدف تقلل من الخوف، وتدفع الإنسان إلى أن يواجه، لأنه سيحرص على أن يفعل مثل هذه الأعمال ليكتسب أجرها وينال ثوابها. فيا أخي الكريم: اجعل حياتك على هذا النمط، وهذا هو الضروري.
تمارين الاسترخاء أيضا مهمة جدا، تمارين التنفس المتدرجة، تمارين شد العضلات وإرخائها، كلها علاجات مهمة وضرورية، فأرجو أن تركز عليها، وألا تهملها أبدا. توجد برامج كثيرة على اليوتيوب توضح كيفية ممارسة هذه التمارين.
الرياضة الجماعية نحن نراها من أفضل أنواع العلاج لنوبات رهاب الساحة وكل أنواع القلق والخوف.
فيا أخي الكريم: هذه هي المناهج التي يجب أن تعتمد عليها، وأرجو أن تذهب إلى العمل، قيمة الرجل في العمل، والعمل هو الوسيلة التأهيلية الحقيقية، والعمل يزيد من المهارات، والعمل هو باب من أبواب الرزق، فلا تجلس في المنزل أبدا.
بالنسبة للدواء: كل هذه الأدوية قريبة من بعضها، ومتشابهة جدا. أتفق معك أن الـ (زيروكسات) قد يسبب شيئا من تأخير القذف المنوي عند الجماع، وبعض الناس قد يشتكون من ضعف جنسي بسيط، لكن هنالك من رأوا أن أدائهم الجنسي قد تحسن.
والزيروكسات CR أفضل، حيث إن آثاره الجانبية قليلة، فيمكنك أن تتناول 12,5 مليجراما يوميا لمدة شهرين، ثم اجعلها خمسة وعشرين مليجراما يوميا لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعلها 12,5 مليجراما لمدة ستة أشهر كجرعة وقائية، ثم اجعلها 12,5 مليجراما يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم 12,5 مليجرام مرة واحدة كل ثلاثة أيام لمدة شهر آخر، ثم توقف عن تناول الدواء، واستمر في علاجاتك التأهيلية السلوكية الاجتماعية الإسلامية التي تحدثنا عنها.
أخي الكريم: يمكنك أيضا أن تدعم الزيروكسات بدواء آخر بسيط جدا مضاد للقلق ومفيد، الدواء يسمى (ديانكسيت Deanxit ) أرجو أن تتناول حبة واحدة في الصباح يوميا لمدة شهرين، ثم تتوقف عنه، وتتناول الزيروكسات CR بالطريقة والكيفية والجرعة والمدة التي حددناها لك، وأسأل الله تعالى أن ينفعك بهذا العلاج وبما ذكرناه لك من إرشادات.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.