السؤال
السلام عليكم.
أنا امرأة متزوجة، ولدي أربعة أبناء، تتراوح أعمارهم من سن السابعة وحتى مرحلة الجامعة، أعمل منذ حوالي عشرين عاما، وأتعاون مع زوجي بالمصاريف، مؤخرا ومنذ فترة انشغل زوجي بعمل إضافي، وتحسن دخل الأسرة، لذا قررت منذ فترة أن أترك عملي، واستشرته بالموضوع، ولم يبد أي رأي، وترك الموضوع لي، وأنا استخرت الله وتركت العمل؛ لأجل التفرغ للبيت والأولاد، ولظروفي الصحية والنفسية أثر الضغوطات التي لم أعد أحتملها.
لم أعد قادرة على الوفاء بمسؤولياتي تجاه الزوج والأولاد، وقد يكون كل ذلك على حساب صحتي، ونفسي، ولكن زوجي الآن يلومني لترك العمل، ويتهمني بعدم الإحساس بالمسؤولية، علما أنه لا يشاركني أبدا بأي مسؤولية داخل المنزل، وخاصة بعد انشغاله بعمله الإضافي والذي يحاول أن يحصر الدخل من هذا العمل كمدخرات، ولذا يعتقد بأنه يتوجب علي العمل.
لم أجد أي دليل شرعي أحاجج زوجي به، ولم يقتنع أبدا بتعبي، ومرضي، وصحتي، وضرورة متابعة الأبناء، وأن هذه أعذار كافية لتركي العمل، علما أنني أعمل بأعمال مرهقة ذهنيا، وذات مسؤوليات كبيرة، وليست أعمال عادية أو بسيطة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ا س حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحسن العرض للسؤال، ونسأل الله أن يوفقكم، وأن يصلح الأحوال.
لا شك أن الحياة الأسرية والحياة الزوجية تحتاج إلى تضحيات، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعينكم على الخير، وأن يصلح لنا ولكم النية والذرية، واعلموا أن صلاح الأبناء وحسن التربية لهم هو الربح الأكبر، الذي يخرج به ويفوز به كل أب في الدنيا والآخرة، وقد يجد الإنسان من الحسنات أمثال الجبال فيقول: (أي رب من أين هذا؟) فيقال: (هذا بدعاء ولدك الصالح لك).
وعليه فأنا أدعوكم إلى الآتي:
أولا: الدعاء لنفسك وللأبناء.
ثانيا: ترك الجدال في أمر قد مضى وانتهى، لأن ذلك لا يقدم ولا يؤخر.
ثالثا: الحرص على القيام بالواجبات، كل بحسبه، فإن قيام الزوجة بدورها في رعاية الأبناء وحسن الاهتمام بزوجها وبيتها هو الأصل، كما أن قيام الزوج بواجباته الخارجية وتوفير الحماية وما يستطيعه من المال وسنده والدور الحقيقي بالنسبة له.
وعليه أرجو ألا تتأثري بالكلام الذي يمكن أن يقوله الزوج في لحظة ضيق، أو لحظة حرج يواجهه، أو صعوبة تقابله، ولكن قومي بما عليك، وخففي عليه، واستبشروا خيرا، لأن وجود الوفاق هو الذي يجلب الرحمة، والناس إذا اختلفوا ترفع الرحمات من داخل البيت، فلا تجعلوا هذه المسألة مسألة خلافية أو سبب للتوتر الحاصل في الأسرة.
واجتهدي فيما تفرغت له، في المهام التي تركت العمل من أجلها، وإذا اشتكى الزوج من الضيق فصبريه وشجعيه، وكوني عونا له بالدعاء، ونسأل الله أن يقدر لكم الخير، لأنا دائما لا نريد لهذا اللوم ولهذا النقاش بين الأزواج أن يحدث، وإن حدث لا نريده أن يتطور ليسمع به الأبناء والبنات، لأن ذلك يلحق بهم أضرارا كبيرة.
والأسباب التي تجعل الزوج يستنكر تركك للعمل ربما تكون غير معروفة بالنسبة له، ولكن على كل حال أرجو ألا يأخذ الكلام أكبر من حجمه، وقد أحسنت عندما شاورت زوجك قبل أن تتوقفي، وأديت ما عليك، وبالتالي الزوج كونه يسكت في ذلك الوقت هذا دليل على الموافقة، أو على الأقل دليل على أنه ما ينبغي أن تلامي على تركك للعمل. وإذا كان هناك أي مجال لمساعدة الزوج بأي وسيلة أو بأي طريقة أخرى فقطعا أنت لن تقصري، وأرجو ألا تقصري، فالحياة الزوجية شراكة، ثمرتها هم هؤلاء الأبناء، ونسأل الله لنا ولكم النية والذرية.
ولست بحاجة لدليل شرعي أن تقنعي الزوج، أنت الآن تقومي بالمهام التي كلفك بها الشرع، والرجل هو الذي ينفق من سعته كما قال الله تبارك وتعالى على أسرته، ولا يكلف فوق طاقته، {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها}، وإذا ربحتم العافية والهدوء فإن هذه أكبر ما يخرج به الإنسان من هذه الدنيا بعد مغفرة ربنا الغفور سبحانه.
أرجو أن تأخذ الأمور حجمها، وتبتعدوا عن النقاش واللوم والجدال، وتوجهوا إلى الله تبارك وتعالى، والمهم أن يكون كل واحد حريصا على مساعدة الآخر، ومساندته في المهام التي يقوم بها، سواء كانت مهام داخل البيت أو مهام خارج البيت، وعليكم بأن تكثروا الدعاء لبعضكم، وتوصوا الأبناء ببركم، يعني: الأب يوصي ببر الأم، والأم توصي ببر الأب، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.