أنا فتاة لدي إيمان بشرعية تعدد الزوجات ولكني لا أطيقه، فما العمل؟

0 25

السؤال

السلام عليكم.

أرجو أن يجيبني د. الفرجابي.

مشكلتي في مسألة تعدد الزوجات، أعلم علما يقينا-الحمد لله-أنها حق للرجال، وسنة من السنن، وقد ذكرت في القرآن الكريم، كما أعلم أن لها شروطا وأنها ليست واجبة.

في الواقع غيرتي شديدة جدا في هذا الموضوع، فأنا لست متزوجة، ولا مخطوبة، ولست في علاقة غير شرعية -الحمد لله- وأسأل الله الثبات.

لا أعرف من سيكون زوجا لي-بإذن الله-لكن بمجرد التطرق للموضوع أشعر بضيق في قلبي، أشعر بالحزن العميق، وفي جل الأوقات أبكي بكاء شديدا جدا يستمر لوقت طويل.

قد لا حظت هذا عند قراءة منشور-من صفحة كليتنا، وبالمناسبة أدرس سنة أولى علوم إسلامية-حول الموضوع وأرى الآراء (أنا من الجزائر وليس شائعا التعدد كثيرا عندنا، بخلاف الخليجيين مثلا)، وأغلبها بالنسبة للرجال بالتعدد.

والله أعاني كثيرا، قد لا أبالغ إن قلت إنني أحزن طول ذلك اليوم، خصوصا وأنهم يشرع لهم الزواج خفية دون إخبار باقي الزوجات.

بكل بساطة لا أتحمل امرأة أخرى تكون لزوجي -إن شاء الله - غيري، صحيح أن شهوة الرجل أكبر من شهوة المرأة، لكن أظن أن المرأة عاطفتها أكبر بكثير من عاطفة الرجل.

هل يشرع لي الدعاء بأن يرزقني الله زوجا لا يحب أن يعدد النساء، أو لا يعدد النساء؟ فو الله قد أتحمل العيش بقساوة دون مأوى-أسأل الله السلامة والعافية-على أن أعدد مع امرأة أخرى.

في الواقع أخاف أن أتعمق في البحث في الموضوع-رغم أني اطلعت على محاسنه بالنسبة للرجل-لأني أخاف أن لا تترك لي حجة لأسلوب الكلام والأدلة، ويبقى قلبي منقبضا.

بماذا تنصحوني؟ جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أسماء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -بنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، وإنما شفاء العي السؤال، وقد أسعدنا أنك تدرسي دراسات إسلامية وفي السنوات الأولى من هذا التخصص، علوم إسلامية، ونسأل الله أن ينفعك وأن ينفع بك البلاد والعباد، هو ولي ذلك والقادر عليه.

أرجو أن تعلمي – بنتنا الفاضلة – أن هذه الشريعة هي شريعة الحكيم الخبير، وقد أشرت أن في التعدد مصلحة للرجال، وأنا أقول فيه مصلحة للنساء أيضا، وهذا ما لا تعرفه كثير من النساء، ولكن عندما نتعمق في دراسة هذه الشريعة فإننا سنعرف الفوائد العظيمة للطرفين.

على كل حال: المرأة هي من تحدد مساحة الرجل ومسافة الرجل في حياتها، والناجحات مثلك لن يضر زوجها وقد لا يذهب زوجها أصلا إلى مسألة التعدد، بل من الناحية الفقهية يمكن للفتاة ولأوليائها أن يشترطوا ذلك الشرط في البدايات.

لكننا نريد أولا ألا تشغلي نفسك بمثل هذه الأمور، واعلمي أن شريعة الحكيم الخبير فيها الخير، ولا تنظري إلى التطبيقات السيئة للذين مارسوا التعدد الحلال، لكنهم مارسوه بصورة فيها الظلم وفيها العدوان وفيها التجاوز، ولا تغتري كذلك بثقافة المسلسلات التي تشوه هذه الأحكام الشرعية.

اعلمي أنه هنالك كتب مؤلفة من القساوسة وكبار النصارى وغير المسلمين في الإشادة بالتعدد وثقافة الإسلام وفقه الإسلام في هذا الجانب العظيم.

اعلمي أن الإسلام ليس الدين الذي جاء بالتعدد، لكنه الدين الذي قنن التعدد وضبطه وحفظ الحقوق وصان الكرامة وأطر هذه المسألة ووضع لها من القواعد والضوابط ما لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى.

عليه أرجو: أولا: أن تكثري من الدعاء لنفسك.
ثانيا: أن تتفقهي في هذه الشريعة.
ثالثا: ألا تشغلي نفسك بمثل هذه الأمور، وأنا على ثقة واطمئني أنك تستطيعي أن تفوزي بزوج يسعدك وتسعديه، وقد لا يتطرق أو لا يفكر أصلا في التعدد – يعني – بعد ذلك. فاطمئني من هذه الناحية، ولا تجعلي هذا الأمر يأخذ أكبر من حجمه في حياتك، وإذا حاول الشيطان أن يشغلك به فتعوذي بالله من شره، واتركي الأمور للوقت الذي تدرسي فيه فقه الشريعة، وتعرفي أحكامها على الوجه الصحيح، عندها ستتغير كثير من المفاهيم، وستزول كل المخاوف التي تظهر عندك، وبعد ذلك ما يبقى من المواقف هو طبيعي، وما ضر عائشة – رضي الله عنها – أن عدد عليها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهي أحب أزواجه إليه، ومع ذلك تزوج بعدها وعليها أكثر من سبعة من النساء، عليهن من الله الرضوان.

أرجو أن تعلمي أيضا أن مثل هذه الأمور ما ينبغي أن تناقش على مواقع التواصل ليطرح الناس عندهم من كلام لا يبنى على أثارة من علم أو لا يبنى على وعي شرعي، ولكن مكان مثل هذه الأمور هي قاعات الدراسة، وهي التخصص الشرعي، وهي معرفة حكم وعظمة هذه الشريعة، هي النظر لهذه الشريعة بنظرة شاملة، فالشريعة التي تبيح للرجل أن يتزوج بأكثر من واحدة هي الشريعة التي ترجمه إذا زنى، والرجل عنده الإقدام وقد يقع في الفاحشة، والشريعة التي تبيح للرجل أن يتزوج أكثر من واحدة تنظر إلى أخواتك اللائي لم يجدن أزواج.

أذكر أن دراسة في جامعة عربية عريقة فيه حوالي عشرين ألف فتاة، عرض فيها على الطالبات استمارة، يسألوا عن مسألة التعدد، كان السؤال يتوجه للفتاة، يقول: (هل الأفضل أن تفوزي بربع رجل أو تعيشي بلا رجل)؟ حوالي تسعين بالمائة كتبن أنهن يفضلن أن يعشن بربع رجل، أو ثلث رجل، أو نصف رجل، يعني ... هكذا، وهذا كله حتى تعلمي أن الذي يرفض التعدد لا ينظر النظرة الشاملة، حتى لمصلحة النساء ولمصلحة الأخوات.

على كل حال: هذه المسألة أرجو ألا تأخذ أكبر من حجمها، وأنت تقولي أنك في بلد قل فيه من يعدد، فلا تشغلي نفسك بمثل هذه الأمور، واجتهدي في تحقيق النجاحات في دراستك، واكتساب المهارات في حياتك، لتكوني أما ناجحة وزوجة ناجحة، وعندها لن يكون هم الزوج إلا أن يسعدك، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يضع في طريقك رجلا صالحا يسعدك، ولك أن تدعي بما شئت في هذا المجال، لكن مع القناعة بعظمة هذه الشريعة، والدعاء ما ينبغي أن يكون على سبيل العدوان أو الاعتراض على قضاء الله أو أحكامه، وحشاك، أنت بعيدة من هذا، لكن من حق كل إنسان، وهذا طبيعي، لا توجد امرأة تتمنى هذا الأمر، ولكن إذا حصل ينبغي أن نقابله كما قابلته الصالحات، وكما ينبغي أن تقابله المؤمنة، وكما ينبغي أن ينحاز له أهل الإيمان، {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}، وأيضا كما جاء في قوله: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}.

نسأل الله أن يفقهنا في دينه، وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا ويزدنا علما.

مواد ذات صلة

الاستشارات