السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أختي وللمرة الثانية تدعوني بابنة الشارع وبالفاسقة، ولدرجة أنه لا يمكنني حتى الرد عليها لذهولي بموقفها السام مني، اكتفي بالبكاء وحدي و لا يسعني إخبار والدتي.
يئست حقا، فهي حقا تعامني كالقمامة - أعزكم الله - على الرغم من أنها كانت تحبني في الماضي، وما إن تغضب توجه لي اتهامات وألفاظا فاحشة، منهارة جدا من هذا الوضع المزري والنفسي الذي أنا به، ماذا أفعل؟ أريد تركها وقطعها من حياتي تماما، ما إن ابدأ حياتي الجامعية في مدينة أخرى، لكن لا يسعني إلا كيفية تجنبها، ماذا أفعل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ يونو حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فلقد أسعدنا تواصلك مع موقعك -إسلام ويب-، فأهلا ومرحبا بك، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك إلى ما يحب ويرضى، ونسأله كذلك أن يؤلف بين قلوبكم، وأن يصلح ذات بينكم، إنه جواد كريم.
ابنتي الفاضلة: لقد آلمنا هذا الحال الذي ذكرته وحكيته عن تدهور العلاقة بينك وبين أختك، وما ذكرته من قيام أختك بالتعدي عليك بالسباب وبكلام لا يليق، فنسأل الله أن يرزقك الصبر، وأن يعظم لك الأجر، وأن يهدي هذه الأخت إلى طريق الحق والصواب. ونشكر لك تواصلك معنا، واستشارتك لنا، ورغبتك في إصلاح هذا الأمر، وهذا دليل حكمة عندك وصلاح فيك بإذن الله. وكنا نتمنى لو زودتنا بالمزيد من التفاصيل حول أحوال هذه الأخت: كم عمرها، وهل هي الكبرى أم أنت أكبر منها؟ وما هو مستوى تدينها وسلوكياتها وعلاقاتها مع الآخرين؟ وما أسباب هذه التغيرات التي حدث وحدت بها إلى أن تعاملك بهذه الطريقة؟ وذلك لكي نتوصل إلى تشخيص صحيح لأسباب هذه المشكلة، ومن ثم نضع الحلول المناسبة لها بإذن الله، ولأننا نفتقر إلى هذه التفاصيل؛ سيكون ردنا بناء على ما ذكرته من معلومات.
لقد ذكرت ابنتي الفاضلة، أن أختك كانت في السابق تحبك حقا ولكن فجأة تغيرت من ناحيتك، وأصبحت تنعتك بهذه الأوصاف والألفاظ التي لا تليق، وحتى نضع يدنا على موضع الجرح نقول: إن هذا السلوك الذي بدر من أختك قد يكون مرده إلى أحد أمرين، أولهما: إما تغير قد طرأ عليك أنت، أو تغير قد طرأ على أختك، فنرجو أن تراجعي نفسك، هل حدث منك ما يدعو أختك لأن تنعتك بهذه الكلمات؟ هل بدرت منك أشياء حتى ولو بدون قصد جعلت أختك تفهمها بطريقة خاطئة، فكانت هذه ردة فعلها تجاهها؟ أو أن أختك قد وصلها كلام عنك أو وشاية ما من شخص يكرهك؟ هذه الأسئلة وغيرها أنت من تجيبين عنها.
ويجب أن تسعي إلى جلسة مصارحة ومكاشفة مع أختك، ولو بالاستعانة بأمك أو أبيك أو أي شخص كبير له مقام واحترام عند أختك، لقد ذكرت أنك لا تريدين إخبار الوالدة ولا ندري السبب الذي يجعلك تكتمين عنها هذا الأمر؟ فكلتاكما ابنتاها، فيجب أن يكون لها دور في الإصلاح بينكما، وأن تكون على علم –على الأقل- بتعدي أختك عليك، ولو من باب وقاية نفسك من أن تقوم بالإفساد بينك وبين أمك. إن سمعة الفتاة يا ابنتي هي أغلى ما تملك، والفتاة في مجتمعاتنا العربية والمسلمة كالثوب الأبيض الناصع، لا يحتمل ولو بقعة خفيفة من الوسخ، فإذا تلوث هذا الثوب فإنه يصعب تبييضه، فلتنتبهي لذلك ولتنتبه أختك لما تتفوه به، ولهذا السبب أقول لك: إن إخبار الوالد أو الوالدة من الأمور الواجبة عليك صيانة لنفسك وسمعتك، ولكي يصلح ما بينك وبين أختك، أو على الأقل أن تنتهي عن التعدي عليك.
والأمر الثاني: في حال عدم وجود أسباب ظاهرة لهذه المشكلة، ولم تحدث تغيرات من جهتك أو جهتها، فقد يكون هنالك سبب آخر يتعلق بالمس أو العين الحاسدة، فنوصيك بقراءة الرقية الشرعية فإن التحول من الحب الى الكره يحتاج إلى رقية إن لم تتضح أسبابه.
لقد ذكرت أنك تريدين إنهاء العلاقة بينك وبين أختك ومقاطعتها، واسمحي لي أن أقول لك: إنك قد استسلمت لما يريده ويبغيه عدو الله (الشيطان الرجيم)، فإنه يريد أن يفسد بين الناس وأن يقطع أواصر الأخوة والرحم بينهم، فيجب عليك أن تصبري، وأجرك محفوظ - إن شاء الله -، وتذكري بشارة النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن يبادر بالسلام من المتخاصمين، فقد أثبت له الخيرية، وذلك حينما منع وحذر من التهاجر بين المسلمين، فعن أبي أيوب الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ) رواه البخاري.
وحتى إن كانت أختك تقاطعك فينبغي أن تصليها، فنبينا صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها) رواه البخاري في صحيحه.
وإن كانت أختك تسيء إليك فينبغي أن تحسني إليها فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلا قال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي. فقال: (لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك) رواه مسلم، والمل هو الرماد الحار، أي أنه كأنما يأخذ الرماد الحار ويحشوه في أفواههم.
إذا وحتى نترجم كل هذا الكلام الذي قلناه إلى أرض الواقع؛ فعليك استخدام طريقتين لإنهاء هذه المشكلة:
الطريقة الأولى: الجلوس مع أختك جلسة مصارحة، قولي لها إنك أختي وأنا أحبك، وأنت كذلك تحبينني، وذكريها بكل المواقف الجميلة التي كانت بينكم، ومن ثم قولي لها إنك قد تغيرت من ناحيتي وأصبحت تتعدين علي وتقولين عني كذا وكذا.. فما أسباب ذلك؟ هل رأيت مني سلوكا مشينا؟ هل بلغك عني شيء؟ إنني يحزنني ما تقولين، وإن سمعتك من سمعتي، وشرفك من شرفي، فأنت شقيقتي، ونحن من عائلة واحدة، فلا تقولي عني كذا، فإذا شاع عني أمر مشين فهو ينسحب بالتالي عليك. فإن استجابت لك وأخبرتك بأسباب ما تقول، ووصلتما إلى حل الإشكال الذي بينكما، فالحمد لله، وأن رفضت الحديث معك، أو تعنتت في إصرارها على ظلمها لك فيمكن أن تجربي الطريقة الثانية، وهي:
الطريقة الثانية: أن تخبري أباك أو أمك بما يبدر عن أختك من ظلم لك، ليلزموها بالجلوس وتوضيح الأسباب التي تجعلها تقول ذلك، ومن ثم يتبين بذلك من المخطئ ومن المظلوم، ويتم حل هذا الإشكال، لأنه ليس في مصلحة العائلة أن توصف إحدى بناتها بهذه الأوصاف، أو أن تشيع عنها هذه الصفات.
وحتى تتوصلوا إلى إنهاء هذه الخصومة، وتحقيق الصلح بينكما، نقدم إليك هذه النصائح:
أولا: كثرة الدعاء واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى، فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فهو القادر أن يقلب قلب أختك نحوك من هذا الغضب إلى الرضا، ومن هذه العداوة إلى المودة.
ثانيا: أنت بحاجة إلى وقفة ومراجعة وإصلاح ما بينك وبين الله، فقد كان السلف عندما يتعرض الواحد منهم الى إساءة يستغفر ويستغفر ويتهم نفسه بأنه وقع في معصية تسببت في هذا الأذى؛ وذلك انطلاقا من معنى قوله تعالى:[أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنىٰ هٰذا ۖ قل هو من عند أنفسكم ۗ إن الله علىٰ كل شيء قدير (165)] آل عمران، وفهما منهم لقول الله تعالى: [وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير (30)] الشورى.
ثالثا: سيطري على نفسك ولا تنساقي وراء استفزاز أختك لك، واكظمي غيظك وعامليها بالعفو والصفح، وقد مدح الله تعالى في كثير من آيات القرآن من يبذل العفو للناس، قال تعالى: [والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين]، وأنت بعفوك تزدادين عزا وتزدادين رفعة عند الله وعند الناس؛ فعن أبي هريرة -؟رضي الله عنه -: أن رسول الله ﷺ قال: ((ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)) رواه مسلم.
رابعا: الصبر على أختك والرد عليها بالدعاء نحو: سامحك الله، غفر الله لي ولك، اتقي الله في ما تقولين، الله يعلم أنني لست كذلك فاتقي الله في! وغير ذلك من العبارات التي تمتصين بها غضبها، وفيها تذكرة لها بعقاب الله سبحانه وتعالى.
خامسا: افعلي الأشياء التي تحبها أختك، وتجنبي الأشياء التي يمكن أن تضايقها، وذلك حتى لا تزداد العداوة بينكما، وليس في ذلك ضعفا ولا هوانا، بل هذا تصرف المؤمنة الصالحة التي تريد الخير وتريد الإصلاح، واعلمي أن أي عفو أو تنازل تقدمينه فيه أجر لك، وفيه عز لك، وقد تقدم معنا الحديث: ((وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا)).
سادسا: قابلي الإحسان بالإساءة وقابلي التعدي بالمعروف، وهذا أسلوب سديد أرشدنا إليه القرآن الكريم، يقول تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم } [فصلت 34 - 35].
سابعا: إذا كانت أختك تذكرك بالسوء فاذكريها بالخير، وإذا كانت تسرد للناس عيوبك فاسردي لهم مناقبها وصفاتها الحسنة، وفي هذا التصرف فائدتان: الأولى: يرقق قلب أختك تجاهك إذا سمعت أنك تقولين عنها أشياء جميلة، وقد تستحيي من نفسها وتنتهي عما تقوله فيك، والفائدة الثانية: أن الناس إذا سمعوا مدحك لها وذمها لك فلن يصدقوها، بل في ذلك تبرئة لك، ورفعا لمقامك في عيون الناس.
ثامنا: الهدية طريق مختصر للوصول إلى قلوب الناس، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((تهادوا تحابوا)) أخرجه البخاري في الأدب المفرد. قدمي لأختك هدية بين حين وآخر ولو بالقليل، فأثرها كبير بإذن الله، ويمكن أن يكون ذلك بمناسبة، كنجاحها مثلا أو حدوث خير لها، أو بطريقة عفوية، مثل أن تخرجي إلى السوق فتشتري شيئا ومن ثم تقومي بشراء نفس الشيء لأختك، أو أن تهدي لها بعض ثيابك مثلا بحجة أنك لا تحتاجينها، أو أنه جميل عليها.
وختاما: نسأل الله تعالى، أن يوفقك إلى إنهاء هذه المشكلة مع أختك، وإلى إصلاح ذات بينكم، ونتمنى منك دوام التواصل مع موقعك، وأن تبشرينا في القريب بانقشاع هذه الغيوم، وعودة السماء إلى صفائها، ورجوع المياه بينكما إلى مجاريها، والله الموفق لكل خير، والهادي إلى صراط مستقيم.